من يكبح جماح حكومة نتنياهو بن غفير؟
لا شكّ أن حكومة نتنياهو الجديدة سوف تعزز سياسة التمييز العنصري والقمع الدموي ونشر العنف داخل المجتمع الفلسطيني في مناطق الـ 48.
في أواخر شهر آب/أغسطس 2020 نشرتُ مقالاً في موقع الميادين نت حول جوهر الأزمة السياسية في "إسرائيل"، وقلت: "إنها أزمة حكم وليست أزمة حكومية، وأنها في جذورها تعبير عن صراع بين تيارين صهيونيين منذ تشكّل الحركة الصهيونية حتى اليوم، تيار صهيوني استعماري، علماني، أسس الحركة الصهيونية وتيار صهيوني ديني اتّخذه العلمانيون وسيلة لتجنيد يهود العالم لهذا المشروع الاستعماري الدولي". وكنت قد كرّرتُ ذلك في عدد كبير من اللقاءات التلفزيونية، وأضفت، أن هذه الأزمة لن تنتهي حتى يتغلب أحد الأطراف على الآخر، وأنه من المتوقع أن يتغلب معسكر نتنياهو الذي يهدف إلى تغييرات جوهرية في نظام الحكم لصالح اليمين الفاشي من خلال تقييد الحيز الديمقراطي، وها قد وصلنا إلى هذه المرحلة.
مع ذلك لا بد من التذكير بأن موازين القوى الحالية، ليست البرلمانية، وإنما موازين القوى السياسية عامة، المتأثرة بالعاملين الإقليمي والدولي، وحاجة "إسرائيل" إلى يهود أميركا، ذوي التوجهات العلمانية، بغالبيتهم، وبنفوذهم داخل الولايات المتحدة بالذات، لا تسمح، لغاية الآن، بتغييرات جوهرية كبرى، وإنما بتغييرات تمهّد إلى ما بعدها، وقد تكون لهذه العوامل المؤثرة أهمية خاصة لكبح جماح هذه الحكومة. وهذا ما سنراقبه خلال الأشهر والسنوات المقبلة من حكومة نتنياهو-بن غفير الجديدة.
من أهم التغيرات الجوهرية التي يريد اليمين الفاشي إجراءها هي:
أولاً، تقزيم دور المحكمة العليا باعتبارها جهازاً كابحاً للتغوّل اليميني المتطرف في التشريع.
ثانياً، السيطرة على الجيش والشرطة.
ثالثاً، رغبة اليمين الديني، الصهيوني وغير الصهيوني، بنشر وهيمنة الفكر الاجتماعي الديني في الحياة العامة من خلال وزارة التربية والتعليم ووزارة المواصلات وغيرها.
من خلال هذه المؤسسات يمكن لليمين الفاشي المتدين أن يسيطر على الحياة العامة التي بقيت لغاية الآن في أيدي القوى العلمانية الصهيونية أو المحافظة، التي تشكّل حلقة وسطية بين العلمانيين والمتدينين المتزمتين. (وسنأتي على كل واحدة من هذه النقاط الثلاث في مقال منفرد).
التضييق على المواطنين العرب وحرمانهم من حقوقهم، كمواطنين
للتذكير، لا يعترف القانون الإسرائيلي بالفلسطينيين في مناطق الـ 48 شعباً أصيلاً له حقوق طبيعية ولا حتى أقلية قومية، إنما يعتبرهم أفراداً ولهم حقوق فردية أو دينية جمعية فقط.
لا شك أن الحكومة الجديدة سوف تعزّز سياسة التمييز العنصري والقمع الدموي ونشر العنف داخل المجتمع الفلسطيني في مناطق الـ 48، لكن الأشد إغاظة من ذلك، أنّ المعارضة الليبرالية لا ترى أن معارضة حكومة نتنياهو تتطلّب معارضة سياسة الاضطهاد القومي بحق الفلسطينيين في الداخل، هذا يعني أن الليبراليين لن يدافعوا عن حقوق المواطنين العرب، بل تصر، هذه المعارضة، بسبب جوهرها الصهيوني، على الفصل بين نضال المواطنين العرب ضد سياسة الحكومة العنصرية وبين نضال المعارضة الصهيونية اللبيرالية ضد التوجهات الجديدة لهذه الحكومة.
لذلك نرى أن فلسطينيي الـ 48، لم يشاركوا في مظاهرة تل أبيب الأخيرة، أولاً، لأنهم لم يجدوا مكاناً لأنفسهم، وثانياً، لأن المعارضة الصهيونية لم ترحب بهم. ويعود ذلك إلى أن المعارضة الحالية، أو معسكر لبيد غانتس، لم تكن أقل دموية وعنصرية من الحكومة الجديدة عندما كانوا في الحكم خلال السنتين السابقتين.
سيواجه الفلسطينيون في داخل فلسطين المحتلة عام 48 حكومة يمينية متطرفة لا تعترف بحقوقهم كمواطنين، لكن المعارضة الصهيونية لا تعترف بحقوقهم كمتساوين أيضاً.
البؤر والمواضيع المتوقعة للصدام
من المتوقّع أن تصطدم هذه الحكومة بالمواطنين العرب في 4 مواقع أساسية:
في القدس، بالذات في الحرم القدسي الشريف، في النقب، في الجليل، وفي المدن الفلسطينية التاريخية، التي أصبحت مدناً مختلطة ذوات غالبية يهودية بفعل الاستيطان الإحلالي.
أما مواضيع الصدام، فيمكن الإشارة هنا إلى أهم الأمور التي قد تخلق صداماً بين المواطنين العرب والحكومة الجديدة.
أولاً، موضوع غياب التخطيط والبناء القانوني، وعدم الاعتراف بالقرى البدوية في النقب، الأمر الذي تستخدمه المؤسسة الحاكمة لتهجير عرب النقب من أراضيهم وهدم أكبر عدد من البيوت غير المرخصة في النقب والجليل والمثلث. أما في المدن المختلطة، حيث توجد آلاف الشقق لأهلنا اللاجئين خارج فلسطين، فتديرها شركات حكومية أكبرها شركة "عميدار"، ويسكن فيها فلسطينيون هُجِّروا من ديارهم عام 48 وأصبحوا لاجئين في وطنهم، يسكنون فيها مقابل أجرة شهرية، بطريقة الإيجار المحمي، وهم في الغالب عائلات مستورة. هذه الشقق تحولت في السنوات الأخيرة إلى هدف لجمعيات استيطانية تريد السيطرة عليها، بطريقة الشراء من الدولة، أو من الشركات التي تديرها، وتكون النتيجة طرد سكانها العرب منها. وهذا كان أحد أسباب الصدام في أيار/مايو 2021 في اللد والرملة ويافا وعكا وحيفا.
ثانياً، تفشّي العنف ومسؤولية الدولة والأجهزة الأمنية عن استمراره، ليس فقط لأنها لا تقوم بواجباتها لمنع الإجرام المنظم، بل لأن جهاز الأمن، الشاباك، شريك في نشره باعتراف موظفين كبار في المؤسسة الحاكمة ومنهم في الشرطة.
ثالثاً، إمكانية أن تُقدم الحكومة على حملة طرد لمئات العائلات الفلسطينية التي تعيش في الداخل بحجة أنها لم تحصل على موافقة لم شمل. وإذا احتسبنا عائلاتهم، فهذا قد يشمل آلاف الأشخاص.
رابعاً، إضافة إلى ذلك، استمرار التمييز الفاضح في الميزانيات، بالذات ميزانيات التطوير للقرى والمدن العربية، هذه الميزانيات لا تتعدى 5% من الميزانيات التي تعطي عامة للسلطات البلدية والمحلية. بالرغم من أن المواطنين العرب يساوون 20% من السكان.
خامساً، لا بد من التأكيد أن أي تغيير في الواقع التاريخي للحرم القدسي الشريف سيؤدي إلى صدام مع المواطنين العرب في باحات الأقصى، سيما وأن بن غفير يسعى بكل قوة إلى ذلك. ومن المتوقّع أيضاً أن تصطدم الجماهير الفلسطينية مع الحكومة إذا ما شنت قوات الاحتلال عدواناً جديداً على غزة أو الضفة أيضاً.
في المقابل
- يخشى الجمهور الإسرائيلي من تصاعد العمليات الفدائية، ويخشى من اتساع تشكّل الكتائب الفدائية المقاومة في جنين ونابلس وغيرهما من المدن الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 1967، ولكن أكثر ما يخشاه هو انتقال المقاومة للعمل في داخل مناطق الـ 48 أو أن يشارك فلسطينيو الـ 48 في هذه العمليات.
- ويخشى الجمهور الإسرائيلي من العمليات الفدائية في تل أبيب ونتانيا ومقتل المدنيين، ولكن أكثر ما يخشاه هو استهداف المواقع الحساسة ومعسكرات الجيش. لأن الجيش يمثل عصب الحس والكل الإسرائيلي، ولأن من يستطعْ أن يتسلّل إلى المعسكر ويسرق السلاح يستطعْ أيضاً أن يقوم بعملية فدائية في معسكر.. "وهنا يكمن الخطر الأكبر".
- تخشى المؤسسة العسكرية من تفكك السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، التي أنيطت بها مهمة حماية الاحتلال وقمع أي مقاومة ضده، ضد جيشه أو مستوطنيه. في هذه الحالة ستضطر المؤسسة العسكرية إلى تجنيد عشرات آلاف الجنود الإسرائيليين ونشرهم في الضفة الغربية، لمواجهة شعب منتفض ومسلح. مثل هذه الحالة قد تتسبب بهروب الاستثمارات من "إسرائيل"، وإعادة الحق الفلسطيني إلى جدول الأعمال الدولي.
- تخشى المؤسسة الحاكمة من تدهور العلاقات مع الأردن والدول العربية الخليجية التي وقّعت مع إسرائيل اتفاقيات تطبيع، تجعل الصناعة الإسرائيلية محجاً للاستثمارات العربية بالمليارات. أو تجعل من الأردن جسراً لـ "إسرائيل" نحو الخليج. هذه الاتفاقيات التي تعول عليها "إسرائيل" أن تكون وسيلة ضغط على الشعب الفلسطيني وحصاره وإحباطه حتى يستسلم للمخططات الصهيونية، ويقبل بالفتات الذي يقدّمه له المحتل الإسرائيلي مقابل التنازل عن حقوقه القومية المشروعة.
إذاً، ليس صحيحاً أن العرب، فلسطينيين وغير فلسطينيين، عاجزون عن فعل أي شيء لكبح جماح هذه الحكومة الفاشية، هذا ترويج للعجز ولا يعكس الواقع. هذا ولم نتحدث بعد عن عوامل إقليمية أخرى ودولية، أميركية ويهودية بشكل خاص، يمكنها أن تؤثر لقلب الواقع الحالي. ليس بالتمنيات تتحقق الأهداف، بل بالعمل والتضحيات.