مصالحات إردوغان مع الحكام العرب.. أي مسرحية هذه!
يبقى هناك سؤالان مهمان لفهم مجريات الأحداث خلال العامين الماضيين ومنذ قمة العلا: إذا لم تغير الدول المذكورة من سياساتها، وليس مقولاتها، فلماذا صالح حكامها بعضهم بعضاً؟
تعرّض الرئيس إردوغان لانتقادات عنيفة من أحزاب المعارضة وإعلامها بسبب زيارته القاهرة ولقائه الرئيس السيسي ودعوته لزيارة أنقرة في نيسان/أبريل القادم بعدما حمّلته مسؤولية الفشل الذريع في السياسة الخارجية، ليس مع الدول العربية فحسب، بل مع جميع دول العالم أيضاً.
وذكّرت المعارضة إردوغان بكل ما قاله عن السيسي الذي أطاح حكم الإخواني محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، إذ وصفه "بالديكتاتوري والمستبد والانقلابي والقاتل"، وقال إنه "لن يلتقيه ما دام على قيد الحياة"، وهو الموقف الذي اتخذه إردوغان ضد رئيس الإمارات محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وحكام الكيان الصهيوني، وبشكل خاص نتنياهو، الذي التقاه في 20 أيلول/سبتمبر الماضي في نيويورك.
الرئيس إردوغان الذي زار أبو ظبي قبل يوم من زيارته القاهرة في 14 شباط/فبراير الجاري سبق أن زار الرياض في 28 نيسان/أبريل 2022، بعدما هدد وتوعد ابن سلمان متهماً إياه بالمسؤولية المباشرة عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018.
وقد زار السعودية 3 مرات خلال الفترة الماضية بعدما أغلق ملف جريمة خاشقجي، وهو ما فعله مع الإمارات بعد مصالحته مع محمد بن زايد وزيارته أبو ظبي في 14 شباط/فبراير 2022، إذ تدهورت علاقات أنقرة بالإمارات والسعودية والبحرين بعدما هددت هذه الدول حليف إردوغان الاستراتيجي الشيخ تميم آل ثاني.
بدوره، طلب آنذاك من تركيا إرسال جيشها إلى الدوحة لحمايته من أي عدوان محتمل من الدول الثلاث، من دون أن يتذكر أحد أن قاعدتي العديد والسيلية الأميركيتين في هذه الإمارة الصغيرة كانتا، وما زالتا، تحميان آل ثاني كما تحمي القواعد الأخرى في السعودية والكويت والبحرين والإمارات والأردن حكام هذه الدول منذ استقلالها عن بريطانيا.
وقد أدت جميعاً معاً أو على انفراد، وما زالت، أدوارها المعروفة في كل المشاريع والمخططات الأميركية في المنطقة، وكان آخرها ما يسمى بالربيع العربي الذي كان لإردوغان الدور الريادي فيه باعتراف رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم.
وكان هذا الربيع قد تعرض لأول انتكاساته خلال العدوان الخليجي على اليمن في آذار/مارس 2015، ثم تهديدات السعودية والإمارات والبحرين ومصر لمشيخة قطر التي تحولت إلى قاعدة عسكرية لتركيا، كما هي الحال مع سوريا وليبيا والعراق والصومال.
وجاءت قمة العلا في كانون الثاني/يناير 2002 لتنهي الفصل الأول من مسرحية تبادل الأدوار في الربيع العربي الدموي، فتحول كل الأعداء فجأة إلى أصدقاء، كما هي الحال بين حكام السعودية والإمارات، ثم بين حكام هاتين الدولتين وتميم آل ثاني الذي فاجأ الجميع، ليس بمصالحته مع الرئيس السيسي فحسب، بل أيضاً بإقناعه السيسي كي يصالح الرئيس إردوغان (لماذا؟ ومقابل ماذا؟)، وهو ما نجح به في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عندما جمع إردوغان بالسيسي في الدوحة على هامش مباريات كأس العالم.
ولم يتذكر أحد أن السبب الرئيسي في خلاف السيسي مع تميم آل ثاني وإردوغان هو دعمهما الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي برمتها، التي كانت قطر وتركيا، وما زالتا، تدعمانهما بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما تفعله معاً الآن في سوريا وليبيا والصومال سياسياً ومادياً وعسكرياً وضد خطط ومشاريع مصر والإمارات في هذه الدول، ومعها العراق، حيث لتركيا الآلاف من العساكر ونحو 20 قاعدة وموقعاً عسكرياً في شمال العراق بذريعة محاربة مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي، وهم الآن في شمال شرقي سوريا تحت مسمى وحدات حماية الشعب الكردية وبحماية أميركية – أطلسية.
ويبقى هناك سؤالان مهمان لفهم مجريات الأحداث خلال العامين الماضيين ومنذ قمة العلا: إذا لم تغير الدول المذكورة من سياساتها، وليس مقولاتها، فلماذا صالح حكامها بعضهم بعضاً؟
ولماذا تراجع إردوغان عن كل ما قاله عن حكام الإمارات والسعودية ومصر، وهو ما فعله الأمير تميم وإعلامه الموالي مع هؤلاء الحكام، الذين لا يدري أحد ما الذي حققوه من مصالحتهم مع الرئيس إردوغان الذي لن يتراجع عن سياساته في سوريا وليبيا والصومال والعراق، وربما برضا هؤلاء الحكام، ما دام "الجميع في الهوا سوا في البازار الأميركي" الذي يمنع الجميع من الخروج من الحلبة الأميركية بشكل أو بآخر.
ويفسر ذلك سكوت هؤلاء الحكام ما لم نقل تواطؤهم مع الكيان الصهيوني الذي يشن عدوانه الهمجي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية مع استمرار تبعية هؤلاء الحكام لواشنطن إن لم نقل الكيان الصهيوني الذي يستمر في استفزازاته للمقاومة الإسلامية في لبنان، في محاولة منه لتوسيع رقعة الصراعات الإقليمية، وهدفها الرئيسي هو إيران، التي يعرف الجميع أنها ومنذ الثورة الإيرانية كانت هدف الجميع، فتآمروا عليها باستفزاز صدام حسين ودعمهم له خلال الحرب العراقية – الإيرانية.
ربما لهذا السبب رحّب حكام الخليج، ومعهم السيسي، بمبادرات الرئيس إدوغان للمصالحة معهم، على الرغم من كل ما قاله بحقهم طيلة السنوات الماضية، تارة لحساباته الداخلية، وتارة أخرى لحساباته الخارجية، بعدما حقق الكثير من أهدافه في سنوات "الربيع العربي".
ويبدو واضحاً أن ما يسعى إليه هؤلاء الحكام هو موازنة الدور الإيراني في المنطقة بدور تركي يوازن القوة الإيرانية العسكرية، وخصوصاً بعدما أصبح لتركيا وجود عسكري في سوريا والعراق وقطر، وكل ذلك برضا وموافقة، إن لم نقل بتأييد، من الحكام المذكورين وأولياء أمورهم دائماً في واشنطن، وإلا لماذا يصالح حكام السعودية والإمارات ومصر الرئيس إردوغان الذي لم يتخلَ عن سياساته العقائدية الاستراتيجية، وإن قدم لهم بعض التنازلات في ملف الإخوان على الصعيد الثنائي مع استمرار العلاقة مع هؤلاء وفصائلهم المسلحة في سوريا وليبيا والصومال؟
ثم لماذا تراجع إردوغان عن كل ما قاله بحق هؤلاء الحكام من دون أن يحصل منهم على مساعدات مالية ضخمة تحدث عنها البعض كمبرر لهذه المصالحات التي لم تغيّر معطيات الواقع المرير في سوريا، وهي قفل ومفتاح الأزمات التي ما زال حكام المنطقة يراهنون على تطوراتها المحتملة، في الوقت الذي كان البعض يتوقع لهذه المصالحات أن تدفع حكام المنطقة إلى الحوار والتنسيق والعمل المشترك لمنع العدوان الصهيوني على غزة.
وقد ثبت أن هؤلاء الحكام غير مبالين بالإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الذي كان دائماً وما زال ضحية مؤامرات هؤلاء الحكام؟
وقد أثبتوا جميعاً أن لا ضمير لهم ولا وجدان، وهذا هو حال معظم شعوبها التي فقدت الحد الأدنى من الإباء والكبرياء والشرف العربي والإسلامي الذي يفرض عليها جميعاً أن تنفجر غضباً على حكامها، ثم تزحف من كل حدب وصوب نحو الأقصى الشريف الذي لولا رجال ونساء، بل وأطفال فلسطين، لكان الآن حطاماً تحت قبته الذهبية التي لن يتردد الكيان الصهيوني في تدميرها ما دام الحكام العرب والمسلمون الذين يرددون بين الحين والحين كالببغاء "أن الأقصى خط أحمر بالنسبة إليهم" ليسوا إلا خونة وعملاء، وفي شعوبها يزداد عدد الجبناء والسفهاء يوماً عن يوم كلما ازداد عدد الشهداء في فلسطين!