الأسد لإردوغان: نحن في وادٍ وأنتم في وادٍ آخر

الأسد الذي تطرّق إلى قضية اللاجئين السوريين في الخارج حمَّل إردوغان وحلفاءه في المنطقة وخارجها "مسؤولية هذه القضية منذ البداية وعرقلة عودتهم إلى بلادهم".

  • الأسد لإردوغان: نحن في وادٍ وأنتم في وادٍ آخر
    الأسد لإردوغان: نحن في وادٍ وأنتم في وادٍ آخر

في مقابلته مع قناة "سكاي نيوز – عربي"، قال الرئيس السوري بشار الأسد: "إنّ هدفنا هو ضمان الانسحاب التركي من كامل الأراضي السورية، فيما هدف إردوغان هو شرعنة هذا الاحتلال التركي. لذلك، لا يمكن أن يتم اللقاء بشروط إردوغان، واللقاء من دون شروط مسبقة يعني من دون جدول أعمال، ومن دون جدول أعمال يعني من دون تحضير، ومن دون تحضير يعني دون أي نتائج. إذاً، لماذا نلتقي؟ لكي نشرب المرطبات مثلاً؟".

وهذه اللقاءات المحضر لها كانت فعلياً سمة العلاقة بين الأسد وإردوغان سابقاً وفي أكثر من مناسبة منذ أن اختار عبد الله غول في 4 كانون الثاني/يناير 2003 دمشق أول عاصمة عربية ليزورها، بعدما أصبح رئيساً للحكومة بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2002. وقد رد الأسد على هذا الزيارة في كانون الثاني/يناير 2004، وكان بين الزيارتين عشرات الزيارات واللقاءات على مستويات مختلفة، آخرها الاجتماع المشترك لمجلسي الوزراء التركي والسوري في 24 كانون الأول/ديسمبر 2010 في أنقرة.

يبدو أن كلام الرئيس الأسد جاء رداً على آخر تصريح "مقصود" للرئيس إردوغان قبيل زيارته الأخيرة للسعودية والإمارات وقطر، إذ قال: "يمكننا عقد قمة رباعية مع سوريا وروسيا وإيران، وأنا منفتح على اللقاء مع الأسد، ولكن ما يهمني هو نهج الأسد تجاهنا، وشرط دمشق بانسحاب كامل القوات التركية قبل عقد أي قمة رباعية أو ثنائية غير مقبول بتاتاً".

وأضاف إردوغان آنذاك: "إننا نحارب الإرهاب في سوريا، فكيف يمكننا الانسحاب فيما تتعرض بلادنا لتهديد مستمر من الإرهابيين (يقصد العمال الكردستاني التركي وجناحه السوري وحدات حماية الشعب الكردية) على حدودنا!؟ لذا، إننا نتوقع موقفاً منطقياً من دمشق".

الرئيس الأسد تطرّق في مقابلته أيضاً إلى هذا الموضوع، وقال "إن الإرهاب الموجود في سوريا هو صناعة تركية، فجبهة النصرة أو أحرار الشام وغيرها هي تسميات مختلفة لجهة واحدة".

الأسد الذي تطرق إلى قضية اللاجئين السوريين في الخارج حمَّل إردوغان وحلفاءه في المنطقة وخارجها "مسؤولية هذه القضية منذ البداية وعرقلة عودتهم إلى بلادهم"، من دون أن يخفي "تشاؤمه من مستقبل العلاقة السورية مع الدول العربية بعد مشاركته في القمة العربية في جدة"، إذ قال "إن مشكلة العرب أنَّهم لم يبنوا العلاقات على مؤسسات. لذلك، لم يبنوا مؤسسات. وإذا تحدثنا عن العلاقات الثنائية، فهي ضعيفة لهذا السبب، والعلاقة الجماعية عبر الجامعة العربية، لأن الجامعة العربية لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي".

يبدو أن تشاؤم الرئيس الأسد من الواقع العربي يشجع الرئيس إردوغان على رفض شروطه، وأهمها انسحاب القوات التركية من نحو 10% من الأراضي السورية، على أن يكون الحديث عن وقف كل أنواع الدعم التركي لفصائل ما يسمى بـ"الجيش الوطني السوري" هو الشرط السوري الثاني المهم، وهو ما أكده الوزير فيصل مقداد خلال لقائه نظيره التركي مولود جاويش أوغلو (لم يعد وزيراً) في موسكو في أيار/مايو الماضي بحضور الوزيرين الروسي والإيراني.

وقد سبق هذا اللقاء سلسلة من اللقاءات بين وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في سوريا وتركيا، وبمساهمة روسية - إيرانية أيضاً. ويبدو واضحاً أنها لم تثمر مع استمرار العلاقات المتشابكة بين مختلف الأجهزة التركية وأطراف المعارضة السورية، السياسية منها والعسكرية والاستخباراتية، منذ 2011.

ويعرف الجميع أنَّ من الصعب جداً على أنقرة التخلي عن هذه العلاقات التي تخدم أجنداتها الداخلية والخارجية على الصعيدين الإقليمي (ليبيا) والدولي (القوقاز)، ما دامت تعتقد أن المعطيات العربية والإقليمية والدولية لمصلحتها، وسط المعلومات التي بدأت تتحدث عن "مخططات ومشاريع" عربية جديدة مدعومة أميركياً وغربياً تستهدف سوريا وعبرها إيران، أي حزب الله.

ويفسر ذلك أيضاً التوترات الأخيرة في لبنان ودعوة أنظمة الخليج مواطنيها إلى مغادرة لبنان، والاستفزازات الحدودية بين العراق والكويت، وفشل مشاريع السلام في اليمن، وأخيراً الحديث عن تصعيد عسكري أميركي شرق الفرات، وعلى الحدود السورية – العراقية، وهو ما يتحدَّث عنه الإعلام التركي في إطار الاهتمام التركي بهذه التطورات، أولاً لأن لها علاقة بالحسابات التركية التكتيكية والاستراتيجية لأنقرة في شرق الفرات، حيث الكرد، وثانياً لأن الرئيس إردوغان يهدف إلى استغلال كل هذه التطورات خدمة لمخططاته ومشاريعه في سوريا والمنطقة عموماً، ما دام لا يفكر في الانسحاب من هناك، كما لا يفكر في التخلي عن ورقة اللاجئين السوريين في تركيا.

ويتحدَّث الإعلام التركي عن نجاح الرئيس إردوغان في مساعيه لكسب الرياض وأبو ظبي إلى جانبه (بما في ذلك مجال الصناعات الحربية المشتركة) ليدعم بذلك تحالفه التقليدي مع الدوحة، ليس في موضوع سوريا فحسب، بل في المنطقة عموماً، ما دامت أنظمة الخليج لن تتخلى عن رؤيتها التقليدية تجاه إيران.

وترى أنظمة الخليج في تركيا عنصراً مهماً لموازنة دورها، وهو ما دفعها إلى التحالف الاستراتيجي في بدايات ما يسمى بـ"الربيع العربي"، باعتبار أن طهران تدعم الرئيس الأسد. ويبدو أن العواصم الخليجية تسعى لإعادته إلى نقطة الصفر في الأزمة السورية بأسبابها ونتائجها، ليطلب الجميع منه الابتعاد عن إيران، والأهم من ذلك حزب الله؛ مصدر الرعب الحقيقي بالنسبة إلى الجميع، وأهمهم الكيان الصهيوني.

ويسعى الرئيس إردوغان لفتح صفحة جديدة مع هذا الكيان بعدما تأخر ذلك بسبب التأخر في عملية التطبيع السعودي معه. وكان الجميع بشكل مباشر أو غير مباشر في خدمته في سنوات ما يسمى بـ"الربيع العربي" وبعده، وخصوصاً في هذه المرحلة التي يواجه فيها الكيان أزمة وجودية بسبب مشكلاته الداخلية التي تهدد مستقبله، وهو يعترف بدوره بأنَّ ما يهاب منه هو حزب الله، ولولاه لكانت المنطقة في وادٍ، والكيان في قمة الجبل.

يفسر ذلك تناقضات الحكام العرب والمسلمين، وكأن الجميع يمثل في مسرحية الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، ولا هدف لهم إلا تأخير زوال الكيان العبري أو ضمان بقائه في هذه الجغرافيا. وقد أثبتت تطورات المنطقة الأخيرة أن التواطؤ والتآمر والخيانة حالة جينية لدى معظم حكامها وقياداتها ومثقفيها، والأهم لدى إعلامييها، وهم جميعاً بوق هذا الكيان ومن أقامه على الأرض الفلسطينية، ولولا شبانها وشاباتها لكان الجميع في خبر كان.