إردوغان والإسلام السياسي.. تناقضات الداخل والخارج

إردوغان الذي وجد نفسه مضطراً إلى التحالف مع الإسلاميين المتطرفين الذين اشترطوا عليه المزيد من "الأسلمة"، لا يدري كيف سيتعامل مع السيناريوهات الإقليمية المحتملة التي تتوقع تراجعاً ملحوظاً في حدة الخطاب الديني بشكلٍ عام.

  • إردوغان والإسلام السياسي.. تناقضات الداخل والخارج
    إردوغان والإسلام السياسي.. تناقضات الداخل والخارج

بعدما توقعت استطلاعات الرأي لكمال كليجدار أوغلو أن يهزم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الجولة الأولى من الانتخابات، استنفر الأخير كل إمكانياته لتغيير هذه المعادلة الصعبة، ويبدو أنه فشل في ذلك، على الأقل حتى الآن؛ فبعدما أعلن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي تأييده غير المباشر لكليجدار أوغلو، وهو ما فعله العديد من أحزاب اليمين واليسار، راح إردوغان يبحث عن حلفاء جدد له، فزاد الطين بلة.

وبعدما أخفق في مساعيه لتفجير الوضع داخل تحالف "الأمة"، واتفق زعماؤه على ترشيح كليجدار أوغلو الذي نجح في كسب ود الكرد أيضاً، دقّ إردوغان أبواب حزب "الهدى"، وهو حزب إسلامي طائفي متطرف، يعد امتداداً لتنظيم تركي متهم بعمليات اختطاف وتعذيب وقتل في تسعينيات القرن الماضي.

وقد وافق قادة الحزب الذي لا تتجاوز شعبيته 150 ألف صوت من أصل 65 مليون ناخب على الانضمام إلى تحالف "الجمهور" الذي يتزعمه إردوغان، والذي يضم حزب الحركة القومية العنصري المتطرف وحزب الوحدة الكبرى القومي – الإسلامي، ولكن في مقابل بعض الشروط التي وافق عليها، وأهمها إعادة صياغة القانون رقم 6824، الذي يعترف للنساء بالعديد من الحقوق المدنية ويلاحق من يسيء معاملتهن بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما اشترطه فاتح أربكان، زعيم حزب "الرفاه" الجديد، الذي اعترض بدوره على إحدى فقرات القانون الذي يفرض على الرجل الذي يطلق زوجته أن يدفع لها النفقة حتى وفاتها.

ولم يتذكر فاتح أربكان الذي لا تزيد شعبية حزبه على 200 ألف صوت، أن والده الزعيم الإسلامي ورئيس الوزراء الأسبق الراحل نجم الدين أربكان قال عن إردوغان "إنه صنيعة أميركا وإسرائيل والصهيونية العالمية، وإن من يصوت له إنما يصوت لإسرائيل وأميركا". 

ولم يهمل إردوغان حزب "الوطن" بزعامة دوغو بارينجاك، فدعاه للانضمام إلى تحالف "الجمهور"، وهو ما وافق عليه الأخير بعدما فشل في جمع 100 ألف صوت ليتسنّى له ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة (جمع 29 ألف صوت).

انضمام "الهدى" الإسلامي الكردي و"الرفاه" الجديد الإسلامي و"الوطن" اليساري الماوي (شعبيته 130 ألفاً من أصل 65 مليوناً) أثار نقاشاً مثيراً في الشارع السياسي والشعبي. وقد اعتُبر ذلك اعترافاً غير مباشر من إردوغان بالهزيمة ما دام قد وجد نفسه مضطراً إلى التحالف مع زعماء هذه الأحزاب التي تعد سمعتها سيئة بكل المعايير والمقاييس.

ورأت بعض الأوساط أن سلوك إردوغان جزء من تكتيكاته في مواجهة التطورات المحتملة، بحيث سيستفيد من حزب "الهدى" في حساباته ضد الشعوب الديمقراطي الكردي (شعبيته 7 ملايين)، باعتباره حزباً إسلامياً كردياً متطرفاً ينشط في جنوب شرقي البلاد.

ويستغلّ إردوغان تحالفه مع فاتح أربكان لمنع الإسلاميين المتعاطفين مع حزب "السعادة" الذي يؤيد كمال كليجدار أوغلو، وهو عضو في تحالف "الأمة"، من التصويت له. أما حزب "الوطن"، فيريد إردوغان من خلاله لأتباع هذا الحزب، باعتبارهم علمانيين، أن لا يصوتوا لكليجدار أوغلو الذي سيحاربه في جبهات أخرى، فالإعلام يتحدث عن تمويل إردوغان محرم إينجا، زعيم حزب "البلد"، كي يرشح نفسه لانتخابات الرئاسة، ليساعده ذلك على منع كليجدار أوغلو من الفوز في الجولة الأولى، مع التذكير أن إينجا كان قد نافس إردوغان في انتخابات حزيران/يونيو 2018، وباسم الشعب الجمهوري، ثم انشق عن هذا الحزب.

وتتحدث المعلومات أيضاً عن خطة مماثلة لإردوغان في دعم المرشح القومي سنان أوغان الذي انشق عن الحزب "الجيد" بزعامة مارال أكشنار التي تدعم كليجدار أوغلو أيضاً.

كان هذا على صعيد الحسابات التي يبدو واضحاً أنها ليست لمصلحة إردوغان. أما على الصعيد الأيديولوجي بشقيه الداخلي والخارجي، فإردوغان، وكالعادة، يعيش تناقضاته التي عودنا عليها خلال السنوات الأخيرة بعدما فشل مشروعه الإخواني في المنطقة، كما فشل في مشروعه الداخلي لأسلمة الأمة والدولة التركية، وهو ما يسعى إليه منذ 20 عاماً من حكمه، ولكن بشكل خاص بعد ما يسمى بـ"الربيع العربي".

وقد أدى إردوغان في هذا "الربيع" دور البطولة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبصفته الشريك الرئيسي لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تبنته واشنطن، بعدما سوقت إردوغان والعدالة والتنمية إلى العالم العربي بصفته حزباً إسلامياً معتدلاً استلم السلطة ديمقراطياً في بلد مسلم وعلماني، وهذا ما صدقه الكثيرون من إخوان المنطقة فبايعوه، كما هي الحال في مصر وتونس وسوريا والمغرب وباقي دول المنطقة، التي فوجئت كلها بتخلي إردوغان عنها خلال مصالحاته مع الإمارات والسعودية ومصر، والكيان الصهيوني أيضاً، الذي اشترط عليه أن يوقف دعمه لحماس.

وجاءت المصالحة السعودية -الإيرانية وما يقال عن نتائجها المحتملة على كل الصعد السياسية والعسكرية، والأهم العقائدية، لتضع إردوغان من جديد أمام تحديات خارجية ليس سهلاً عليه أن يتغلب عليها أو يواجهها وهو في الداخل في مسار متناقض مع المسارات الخارجية.

إن إردوغان، وكما ذكرت في البداية، وجد نفسه مضطراً إلى التحالف مع الإسلاميين المتطرفين الذين اشترطوا عليه المزيد من "الأسلمة"، ولكنه لا يدري كيف سيتعامل مع السيناريوهات الإقليمية المحتملة التي تتوقع تراجعاً ملحوظاً في حدة الخطاب الديني بشكلٍ عام، وهو ما سيعني تعامل طهران مع النهج السعودي باعتدال أكبر في حال تخلت الرياض عن مقولات وسلوكيات الإسلام السياسي ذي الطابع الطائفي خلال تعاملها مع الملفات الإقليمية، وفي مقدمتها سوريا واليمن ولبنان والعراق، وهو ما فعلته خلال سنوات "الربيع العربي"، وقبل ذلك منذ اللقاء الأول بين روزفلت والملك عبد العزيز في 14 شباط/فبراير 1945.

ويعرف الجميع أن مقولات النظام السعودي وسلوكياته كانت السبب الرئيسي في مجمل مشكلات المنطقة بعدما تبنت الرياض تنظيمات الإسلام السياسي، المعتدل منه والمتطرف، وفي مقدمتها "القاعدة" بفروعها العربية وغير العربية، ثم "طالبان"، ومنها إلى "داعش" و"النصرة" وأمثالهما، والتي كان تمويلها سعودياً وخليجياً باعتراف حمد بن جاسم، وكل شيء كان عبر تركيا.

وينسى إردوغان أنه تمرد على زعيمه نجم الدين أربكان. وقد قال العام الماضي أنْ لا خلاف بينه وبين "طالبان" من حيث العقيدة الدينية، وهو ما يقوله الآن عن حليفه الجديد حزب "الهدى" المقرب إلى "القاعدة" و"طالبان".

ربما لهذا السبب لن يستعجل في اتخاذ أي قرار بالانسحاب مع سوريا وليبيا ما دام بحاجة إلى إسلاميي هذين البلدين من أجل حساباته الداخلية، وهو يعرف أن المصالحة السعودية الإيرانية ستترك نتائج وتبعات مثيرة، ومنها الإجماع العربي المحتمل بعد القمة العربية في 19 أيار/مايو المقبل (بعد 5 أيام من انتخابات تركيا). 

وفي حال بقائه في السلطة، فسوف يجد نفسه أمام تحديات جدية وصعبة ستدفعه إلى التخلي عن الإسلاميين داخلياً وخارجياً، بعدما استفاد منهم ما يكفيه لتحقيق أهدافه في الداخل والخارج.

أما ما لم يبقَ في السلطة، فسوف يترك خلفه بلداً مثقلاً بالعشرات من المشكلات الصعبة والمعقدة والخطرة التي يراهن الكثيرون على معادلاتها المستقبلية، والتي قد تزداد خطورة مع اقتراب الانتخابات، فالمعارضة لا تخفي قلقها من احتمال التصعيد الذي قد يلجأ إليه بكل الطرق والوسائل، بما فيها الدينية والطائفية، لمنع كليجدار أوغلو من الفوز.

يشهد يوم 28 أيار/مايو جولة إعادة من انتخابات الرئاسة في تركيا، حيث سيتنافس فيها رجب طيب إردوغان وكمال كليجدار أوغلو، بعد جولةٍ أولى في 14 أيار/مايو، لم يتمكن أي مرشحٍ من حسمها. وبينما اكتمل مشهد البرلمان، فإن تركيا أمام استحقاقٍ رئاسي مصيري لتحدد خياراتها.