جديد تركيا أمام إمتحان حلب
الأنظار الشاخصة إلى ما ستؤول عليه حلب، تأخذ في الحسبان أن هذه المعركة ذات تحوّلات مفصلية في مستقبل سوريا والمنطقة.
في هذا السبيل، تحاول الدول الغربية في مجلس الأمن العودة إلى "المسألة الانسانية"، كما سعت لوقف تقدم الجيش السوري في معركة خان تومان. وهي تستعيد الكرّة أملاً بإتاحة الفرصة لتحشيد الجماعات المسلّحة ومدّها بمهلة إضافية تتجاوز أواخر الشهر الجاري، كما كان يتوقع ستافان ديمستورا لاستئناف مشاورات جنيف. فالسفيرة الاميركية سامنثا باور رجعت إلى النسخة السابقة نفسها بشأن وقف الأعمال العدائية والإغاثة الانسانية بحسب المشروع البريطاني في مجلس الأمن.
لكن السفير الروسي فيتالي تشوركين رفض المشروع البريطاني في هذا الشأن، مؤكداً على مباحثات مع واشنطن لإيصال المساعدات إلى جميع سكان حلب وعدم تطبيق الهدنة على الارهابيين وفق تصريحه.
وعلى الرغم من التسهيلات الغربية في دعم الجماعات المسلّحة، ينقل أقطاب في الائتلاف السوري المعارض أن المندوب الاميركي مايكل راتني قرّعهم بسبب قطيعتهم مع موسكو التي تستمر بالمباحثات مع واشنطن لوقف النار مع المعارضة المعتدلة في حلب.
موسكو تحرص مع حلفائها في سوريا على منع الجماعات المسلّحة من خرق الطوق في حلب، وبالمقدار نفسه تحرص موسكو على فصل "النصرة" عما تسميه تركيا وتحالف واشنطن معارضة معتدلة.
وفي هذا الإطار عزّز حزب الله مساهمته الميدانية بطائرات من دون طيّار في ملاحقة الجماعات المسلّحة في ريف حلب الجنوبي.
كما أن الضربات الجوّية الروسية والسورية لم تتوقف بين ريف إدلب الشرقي وريف حلب الجنوب لمنع انتقال مقاتلي جبهة النصرة وأحرار الشام إلى حلب. وهو الحد الأدنى الذي تراه موسكو شرطاً لا بد منه للتقدم في بحث الحل السياسي مع واشنطن والدول الغربية ومع أنقرة أيضاً بعد انعطافة اردوغان في الاتجاه الروسي.ما أعربت عنه أنقرة بشأن الخلاف مع موسكو بشأن بقاء الرئيس بشار الأسد، قد يدخل في باب عدم التنازل عن كل الأوراق الضاغطة. لكن هذا الأمر ليس على بساط البحث في بداية ما اصطلح على تسميته "قواعد اتفاق" بين أردوغان وبوتين. فما وصفه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بآلية مشتركة لبحث الأزمة السورية، أساسه الاتفاق على عدم مواجهة المعارضة المعتدلة كما قال.
وعلى هذا الأساس تبدأ المباحثات الروسية ــ التركية بشأن سوريا، بثلاثيات من المندوبين عن الاستخبارات والجيش والخارجية كي تبيّن تركيا خطوط الفصل بين مواقع الجماعات المعتدلة ومواقع الجماعات الارهابية.وهو ما تراه موسكو مكسباً في كسر الجليد بعد كلل طال زمانه في المراوحة عن الحديث بمعارضة معتدلة من دون رسم بيّن لمواقعها أو تمازجها مع النصرة. في موازاة ذلك يتعيّن على هذه الثلاثيات المشتركة مراقبة الحدود التركية مع سوريا والتنسيق الامني في وقف تدفق المقاتلين والدعم العسكري واللوجستي للجماعات الارهابية.
في هذا الشأن لم يذهب وزير الخارجية التركي إلى ما يقطع الشك باليقين بشأن موافقة تركيا على هذا المسار. كما أبقى المتحدث باسم الرئاسة ابراهيم قالن على شيء من التحفظ القابل لتأويلات متعددة.
لكن رئيس الوزراء بن علي يدريم تعمّد إشاعة أجواء من التفاؤل غير المتوقع في بداية التفاهم مع موسكو إذ يقول "مثلما أعدنا الأمور إلى مسارها مع روسيا سنشهد تطورات جميلة في سوريا ودول أخرى في المنطقة".
ففي بداية "قواعد الاتفاق" لا تأمل موسكو وطهران ودمشق تطورات جميلة في سوريا، بل تأمل تطورات في تركيا "الجديدة" في اتجاه فصل "النصرة" عما تراه أنقرة جماعات معتدلة بدءاً في حلب.وفي السياق، تأمل روسيا وحلفاؤها وقف تدفق الدعم والمقاتلين عبر تركيا إلى سوريا. لكن إذا كانت أنقرة عازمة على الذهاب أبعد من ذلك في وعدها بتطورات جميلة في سوريا بحسب يدريم، ففي مقام مماثل تقول العرب كما تراني يا جميل أراك.