هل ينجح آبي بما فشل به ماكرون بين طهران وواشنطن؟
لعلّ السؤال الأبرز الذي يطرحه المتابعون لتعقيدات المشهد الإيراني الأميركي، هل حصلت طوكيو على الضوء الأخضر الأميركي للمُضيّ قُدماً في مقترح يُخفِّف القيود الأميركية ولا يمسّ بالثوابت الإيرانية؟
اكتسبت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى اليابان أهمية لافِتة في وسائل الإعلام، خاصة وأنها الأولى بعد قرابة عشرين عاماً لرئيس إيراني بعد زيارة محمّد خاتمي الرئيس الإيراني الأسبق عام 2000.
لكن روحاني التقى بشينزو آبي رئيس وزراء اليابان خلال السنوات الماضية قرابة 12 مرة في مناسبات دولية مختلفة، ما يُشير إلى نيَّةٍ جادَّةٍ لكلا الطرفين بتعميق علاقاتهما أكثر، والسعي إلى تخطّي العقبات التي تحول دون ذلك، على رأسها العقوبات الأميركية التي أدَّت إلى تصفير صادرات النفط الإيرانية إلى اليابان بعد إلغاء ترامب الإعفاءات التي كان قد منحها لثماني دول في إبريل/نيسان الماضي.
وكانت كمية النفط التي تستوردها اليابان من إيران تُقدَّر بحوالى 200 ألف برميل يومياً قبل انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018.
وتُعدّ اليابان من الشُركاء الاقتصاديين المُهمّين لإيران، لذلك اصطبغت العلاقة بينهما بإيجابيةٍ حرص الطرفان على إظهارها حتى في خضمّ الضغوط الأميركية التي لم تستطع مواجهتها طوكيو بسبب المصالح المُتبادَلة والعميقة التي تجمعها مع الولايات المتحدة، والمخاوف التي انتابت الحكومة اليابانية من تأثير العقوبات الأميركية على شركاتها.
ويرى كثيرون أن اليابان بحاجةٍ إلى الإبقاء على هذه العلاقات الإيجابية بل وتوطيدها أكثر كما هي حال طهران أيضاً، خاصة وأن أكثر من 90 في المئة من الطاقة التي تحتاجها اليابان تستمدها من دول المنطقة عبر مضيق هرمز الذي تُشرِف عليه إيران إشرافاً تاماً رغم التواجد العسكري الأميركي في المياه الخليجية.
فضلاً عن ذلك فإن اليابان تحتاج إلى لعب دور إقليمي دولي يتواءم مع دورها الاقتصادي ولا سيما أنها تُعدّ من أبرز خمسة اقتصادات عالمية، بينما لا يتناغم دورها السياسي على الساحة الدولية مع قُدراتها الاقتصادية، وقد يُشكّل ملف العلاقات الإيرانية الأميركية فرصة لليابان للوصول إلى هذا الهدف في ظلّ ما يجمع آبي من علاقات ودّية مع روحاني وترامب. كما أن فرصته في تقريب المسافة بين طهران وواشنطن أكبر من الأوروبيين الذين لا يتمتّعون بثقة الإيرانيين بسبب تجارب الماضي من جهةٍ، وعلاقتهم بترامب المُترنّحة بين تضارُب المصالح والجفاء من جهةٍ ثانية.
روحاني أشار لدى وصوله إلى طهران في ختام زيارته إلى كلٍ من ماليزيا واليابان، إلى أن آبي قدَّم مُقترحاً جديداً في إطار مواجهة العقوبات، كما قدَّمت إيران مُقترَحها، وهذا يعني أن مقترحين قُدِّما خلال لقاء "روحاني- آبي" في طوكيو، الأول ياباني والثاني إيراني، ما بدأ يطرح علامات استفهام عديدة عن مضمون هذين المُقترَحين ومدى نجاعتهما في تحقيق خرقٍ في جدار العقوبات الأميركية المُستعصية على الحل، رغم مساع فرنسية جادَّة لم تحقِّق نتيجة إلى الآن في التخفيف من وطأة الضغوط الأميركية، برغم أن طهران باتت على أعتاب الإعلان عن المرحلة الخامسة من إجراءات تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي الذي أشرف على نهايته، ما لم تقنع الآلية المالية "أنستكس" المسؤولين الإيرانيين بجدواها ولا حتى وساطات عُمانية وقطرية وعراقية استطاعت إقناع ترامب وفريقه باتخاذ منحى أقل حدّة مع إيران، رغم التوتّرات الأخيرة في المنطقة التي كادت أن تُشعِل حرباً لا هوادة فيها.
ولعلّ السؤال الأبرز الذي يطرحه المتابعون لتعقيدات المشهد الإيراني الأميركي، هل حصلت طوكيو على الضوء الأخضر الأميركي للمُضيّ قُدماً في مقترح يُخفِّف القيود الأميركية من ناحية، ولا يمسّ بالثوابت الإيرانية من ناحيةٍ ثانيةٍ كي لا يصطدم برفضٍ إيراني قاطِع كما حصل خلال زيارة آبي إلى طهران في أيار/ مايو المنصرم؟
ربما من المُبكِر الإجابة على هذا السؤال في ظلّ التكتّم الإيراني والياباني حول فحوى هذا المُقترَح، رغم أن الأجواء قد لا تكون سلبية بالمُطلَق على غرار أجواء سابقة سادت بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
وقد تُعدّ صفقة التبادُل التي توصَّل إليها الطرفان بوساطةٍ سويسريةٍ مؤخراً - أفرجت واشنطن بموجبها عن عالِم الأحياء الإيراني مسعود سليماني في مقابل إفراج إيران عن مواطنٍ أميركي من أصولٍ صينيةٍ اعتُقِل عام 2017 بتهمة التجسّس لصالح وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وحُكِمَ بالسجن لمدّة عشرة أعوام – مؤشراً إيجابياً قد يؤسِّس عليه ترامب لفتح حوار بنَّاء مع إيران من دون التمسّك بشروطه السابقة التي عرقلت اللقاء الإيراني الأميركي في إطار قمّة لزعماء مجموعة (خمسة زائداً واحداً) على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لكن التوصّل إلى نتيجة كهذه ربما يكون أمراً تفاؤلياً أكثر من الواقع الذي ترصده التصريحات الأميركية، فضلاً عن مسار العقوبات المُتواصٍل، بينما مؤشّرات أخرى تدلّ على احتمال عقد آبي صفقة أخرى مع أميركا وإيران في الوقت عينه، تُتيح له الاستجابة للطلب الأميركي بإرسال سفن حربية إلى بحر عُمان والمحيط الهندي وباب المندب من دون الولوج إلى مضيق هرمز، على أن ترفع الإدارة الأميركية بعض العقوبات على استيراد اليابان للنفط الإيراني أو الاستثمار في إيران.
لا شك أن الإرهاصات الأولية لمعرفة مدى نجاعة المُقترَح الياباني ستنطلق من طوكيو في حال أعلنت عن التوصّل إلى آلية لتسليم إيران عائداتها النفطية المُحتَجزة في اليابان بفعل العقوبات الأميركية.
ساعتئذٍ يمكننا الحديث عن أجواءٍ إيجابيةٍ يمكن أن تؤدّي في ما بعد إلى انفراجة في بعض الأزمات المُتشابِكة على خط واشنطن– طهران، رغم استبعاد كثيرين داخل إيران حصول أيّ تغيير جوهري في الموقف الأميركي، مُشيرين إلى اعتباراتٍ داخليةٍ أميركيةٍ قد تدفع ترامب إلى إبداء مرونة خادِعة في ملفاتٍ خارجيةٍ عديدة.