تسارع إجراءات التحالف الغربي-الآسيوي ضد الصين.. هل اقتربت المواجهة في شرق آسيا؟
يجب متابعة الاستنفار الأميركي والبريطاني الضخم لوضع انتشار عسكري مضاعف لما هو موجود لهما أصلاً في منطقة شرق آسيا.
من يتابع الحركة السياسية والعسكرية مؤخراً في شرق آسيا، وامتداداً غرباً نحو واشنطن ولندن، وخاصة في اليابان وانطلاقاً منها، يكتشف أن الأخيرة، وكأنها انتفضت مؤخراً بشكل مفاجئ ضد الصين، بعد أن كانت بعيدة في سياستها وعلاقاتها مع بكين عن هذا الموقف غير الودي مع الجارة التاريخية، ومن دون أن يصدر من الصين أي موقف أو تصرّف، يمكن أن يُستشف منه ما هو معادٍ لليابان أو ما يُفهم بأنه استهداف صيني لها. لتقول طوكيو وعلى لسان وزيري خارجيتها ودفاعها، ومن على منبر البيت الأبيض في واشنطن، إن بكين تشكّل تحدياً استراتيجياً غير مسبوق، وبأن اليابان ترحب بعزم الولايات المتحدة على تعزيز قوتها في منطقة المحيط الهادئ، وأنها توافق على الاستمرار في التشاور بشأن تطوير الوجود العسكري الأميركي على أراضيها.
ولأنّ وزير الخارجية الياباني لم ينسَ تعمّد الإشارة بوضوح، إلى أن بلاده تعارض تصرفات الصين في موضوع تايوان، وتؤيد الحفاظ على السلام في مضيقها، مع تعمّده أيضاً، إدانة إطلاق كوريا الشمالية صواريخ في المنطقة، وتأكيده أن بلاده تجدّد التزامها بنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، يكون بذلك قد أفصح عن التزام بلاده الكامل بكل الخطوط الرئيسة لاستراتيجية واشنطن في شرق آسيا.
من هنا، يمكن أن نستنتج ونفسر هذا التسارع في إجراءات بناء عقيدة عسكرية يابانية جديدة، وبفترة قياسية لم تتجاوز بضعة أيام، بين القرار السياسي بتبنيها كعقيدة مستحدثة، تخالف بالكامل العقيدة التي التزمت بها طوكيو بعد خسارتها الحرب العالمية الثانية، وبين تشريعها في مجلس النواب، ولاحقاً، تسييلها مالياً في موازنة ضخمة، تجاوزت موازنات اليابان على 10 سنوات مضت.
ومن هنا أيضاً، يمكن أن نستنتج هذا التسارع الاستثنائي في تركيب واكتمال التحالفات الغربية مع دول آسيوية مخاصمة للصين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأغلب دول حوض بحر الصين الجنوبي، مثل الفليبين أو فيتنام، إضافة إلى تايوان، الجزيرة المتمردة على الصين.
طبعاً الأميركيون بشكل خاص، والغرب بشكل عام، لا يريدون الوقوع في المشكلة التي وقعوا فيها في أوكرانيا، فالأخيرة خارج التحالفات الغربية، أي خارج الناتو وخارج الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي عرقل جهود تدخّلهم المباشر بمواجهة الروس في أوكرانيا، لعدم وجود أي بند يسمح لهم بذلك، كما تغطي المادة الخامسة من بروتوكول حلف الناتو بمساعدة أي دولة عضو في الحلف عسكرياً، عند تعرّضها لأي تعدٍ أو عمل عسكري، وحيث لم يقصروا في دعم كييف بالأسلحة المتطورة والفتاكة وبالخبرات المباشرة عبر ما أسموه المرتزقة، فإنهم عجزوا عن التعامل العسكري المناسب كما يريدون بمواجهة الوحدات الروسية في أوكرانيا.
من هنا، يمكن تفهم هذا التسارع اللافت في إكمال تحالفات الأميركيين مع دول آسيوية، وفي تشكيل معاهدات دفاع مشترك سريعة مع اليابان، كمرحلة أولى، ولاحقاً (من المنتظر أن تكون أيضاً سريعة) مع تايوان، والهدف يبقى لامتلاك أرضية مشروعة لتدخلهم الواسع المرتقب في تلك المنطقة الحساسة، من خلال الادعاء بوجود معاهدة دفاعية مشتركة مع دول آسيوية تخاصم الصين (اليابان وتايوان: مثالان رئيسان على ذلك)، لتغطي هذا التدخل أو الانخراط العسكري المرتقب لها.
من جهة أخرى أيضاً، يجب متابعة-وبكل اهتمام وحذر- هذا الاستنفار الأميركي والبريطاني الضخم لوضع انتشار عسكري مضاعف لما هو موجود لهم أصلاً في تلك المنطقة، حيث لم يكن الوجود والانتشار العسكري الغربي وخاصة الأميركي بسيطاً في شرق آسيا وشمال غرب المحيط الهادي، إذ نتكلّم عن عشرات القواعد الجوية والبحرية وعشرات آلاف الجنود موزعين بين كوريا الجنوبية وجزيرة غوام والفلبيبن وجزر المحيط الهادي، إضافةً إلى حركة عسكرية أميركية بحرية متواصلة، في شمال غرب المحيط الهادي وفي بحر الصين الجنوبي وبحر اليابان ومضيق تايوان، لعدة حاملات طائرات وسفن حمايتها.
فما هي أسباب هذا الاستنفار الضخم اليوم؟ وما هو أفق المواجهة في هذه المنطقة الأكثر حساسية في العالم؟
يبدو أن الغرب وخاصة الأميركيين، لديهم معطيات جدية عن احتمال قيام الصين بعملية حاسمة لإنهاء انفصال تايوان، سياسياً أولاً، وإلّا، عسكرياً، وكل التقديرات الغربية، ونتائج عمليات المحاكاة للمواجهة، والتي تقوم فيها مراكز دراسات وأبحاث غربية، وتؤيدها أجهزة مخابرات غربية، تذهب باتجاه نجاح الصين ولو جزئياً مع سقوط خسائر ضخمة للأميركيين ولحلفائهم، في أغلب المواجهات المرتقبة.
من هنا، رأى الغرب والأميركيون تحديداً، ضرورة أكيدة وحاجة ملحة لرفع مستوى الحشود والوجود العسكري إلى أقصى درجة ممكنة، لمضاعفة الانتشار الموجود أصلاً، والذي اعتبروا بنتيجة هذه التقديرات المذكورة، بأنه لن يكون كافياً.
من جهة أخرى، فإن أسباب انخراط دول شرق آسيا (أغلبها وليس جميعها) مع أميركا ضد الصين، تشبه إلى حد كبير، أسباب انخراط الدول الأوروبية وخاصة الشرقية منها، مع أميركا ضد روسيا، حيث الدعاية الأميركية الخادعة (والقوية التأثير)، لتزرع في تلك الدول فكرة الخوف من تسلط الصين، ومن هيمنتها اقتصادياً وسياسياً، تماماً مثل الخوف الذي زرعته أميركا في نفوس قادة دول أوروبا، من تسلّط روسيا عليهم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
فها هو الناتو الآسيوي أو حلف شرق آسيا يكتمل، وبالمواصفات نفسها لحلف شمال الأطلسي تقريباً، حيث يمكن أن نستنتج من كل هذه المعطيات، بأن المواجهة تقترب أكثر وأكثر بين أميركا وحلفائها الآسيويين والغربيين من جهة، وبين الصين من جهة أخرى... ولكن، يبقى السؤال الأساسي الذي يفرض نفسه هنا وهو:
لماذا لم نقل إن المواجهة تقترب بين أميركا وحلفائها من جهة، وبين الصين و(حلفائها) من جهة أخرى، واستبعدنا حلفاء الصين في الاشتباك الاستراتيجي مع أميركا، وفي طليعتهم روسيا، ومعهم بدرجة متوسطة، إيران وكوريا الشمالية؟
في الواقع، يمكن القول إن أغلب الاستنتاجات قد تولدت من مقارنة المواجهة بين روسيا والناتو في أوكرانيا، وكيف تخوضها موسكو من دون حلفائها، مع المواجهة (المرتقبة أو المحتملة بقوة) بين الصين والتحالف الغربي الآسيوي المناهض لها، حيث يمكن أن نستنتج أيضاً أن بكين ستكون وحيدة أيضاً في هذه المواجهة. والسبب هنا يمكن أن نضعه وبامتياز، في خانة ابتعاد الجميع عن الانخراط في حرب عالمية، حيث ستندلع هذه الحرب بشكل مؤكد، في حال انخرطت فيها جبهة مؤلفة من أكثر من طرف بمواجهة جبهة مقابلة مؤلفة أيضاً من أكثر من طرف.
لتكون أو لتبدو المواجهة التي تقودها واشنطن، محصورة فقط ضد طرف واحد (ضد روسيا لوحدها كما يحصل اليوم، أو ضد الصين لوحدها، كما أصبح مرتقباً وممكناً بنسبة كبيرة) ولتبقى، بحسب الادعاء الأميركي الغربي: مواجهة طرف تجاوز خطوطاً حمراً في أوروبا أو في آسيا، أو تجاوز الخطوط المتعارف عليها (أميركياً وغربياً)، بعد أن وضعتها واشنطن من تلقاء نفسها، وجرّت معها - لتتبنّاها جحافل من الدول الأوروبية والآسيوية، والمنقادة بطريقة عمياء، والتي تقول أو تدّعي أو تعتبر نفسها بأنها ذات سيادة وقرار حرّ.