انتخابات روسيا.. وحسابات الرئيس إردوغان
يراقب الرئيس إردوغان بدوره الانتخابات في روسيا ومصر من كثب بعدما راقب التعديلات الدستورية التي أتاحت الفرصة لكل من بوتين والسيسي للترشح من جديد، وأكثر من مرة، وهو ما كان الدستور يمنعه في كلا الدولتين.
بعد 24 عاماً من استلامه السلطة كرئيس لروسيا في مارس/آذار 2000، جاءت ظروف الحرب في أوكرانيا ونشوة الانتصار هناك لتساعد بوتين على زيادة شعبيته التي زادت لأول مرة على 87%، ليصبح للمرة الخامسة رئيساً لبلاده بعدما أتاحت له التعديلات الدستورية الترشح في الانتخابات الأخيرة، ومرة أخرى في انتخابات 2028، ليحكم البلاد حتى عام 2032، وهو ما سيصادف الانتخابات التي ستجري في مصر في نهاية 2028 بعدما فاز الرئيس السيسي في الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول الماضي بنسبة 89.6%، إذ سمحت له التعديلات الدستورية بالترشح من جديد بعدما انتخب أيضاً 3 مرات منذ 2014، بعدما أطاح الرئيس الإخواني محمد مرسي في يوليو/تموز 2013. ومن المتوقع للرئيس السيسي أن يرشح نفسه لولاية أخرى في انتخابات 2029 ليحكم البلاد 6 سنوات أخرى حتى العام 2035.
ويراقب الرئيس إردوغان بدوره الانتخابات في روسيا ومصر من كثب بعدما راقب التعديلات الدستورية التي أتاحت الفرصة لكل من بوتين والسيسي للترشح من جديد، وأكثر من مرة، وهو ما كان الدستور يمنعه في كلا الدولتين.
ومع انتظار نتائج الانتخابات البلدية التي ستجري نهاية الشهر الجاري، يتوقع الجميع للرئيس إردوغان في حال انتصار حزبه في إسطنبول وأنقرة والولايات الرئيسية أن يصوغ دستوراً جديداً يساعده لترشيح نفسه لولاية أخرى أو ولايتين بدءاً من حزيران/يونيو 2028، ليبقى في قصره حتى العام 2033 أو 2038، مع التذكير أن الدستور الحالي يمنع انتخاب الرئيس أكثر من مرتين، وهو ما لم يلتزم به إردوغان أساساً، لأنه انتخب أول مرة في آب/أغسطس 2014، ثم مايو/أيار 2018، وأخيراً حزيران/يونيو 2018.
كما لم يبالِ إردوغان، ومعه المفوضية العليا للانتخابات، باعتراضات أحزاب المعارضة التي قالت إنه لا يحق له أساساً أن يكون رئيساً للجمهورية، لأنه لا يحمل شهادة جامعية لأربع سنوات، وهو ما يفرضه الدستور.
وقد قام إردوغان بتغيير هذه الجملة في تعديلات نيسان/أبريل 2017، التي اشترطت على الرئيس أن يكون حاملاً شهادة جامعية من دون تحديد مدة الدراسة، ولأن المعارضة تقول إنه يحمل شهادة جامعية لمدة سنتين، وهو ما يتناقض مع الدستور.
وذكَّرت المعارضة أيضاً بتصريحات الرئيس إردوغان في الانتخابات البلدية في مارس/آذار 2019، إذ كان يخاطب أتباعه وأنصاره في إسطنبول، ويقول لهم: "إما أن تصوتوا لمرشحنا بن علي يلدرم وإما للسيسي" الذي كان عدواً لدوداً لإردوغان الذي كان يشبه أكرم إمام أوغلو بالسيسي في حملته الانتخابية التي فشلت وفاز إمام أوغلو برئاسة البلدية في إسطنبول، من دون أن يمنع كل ذلك إردوغان من التراجع عن كل ما قاله عن السيسي الذي كان مادة دسمة في حملات إردوغان الانتخابية.
وكان إردوغان يهاجم حزب الشعب الجمهوري وزعيمه السابق كمال كليجدار أوغلو الذي أرسل نهاية 2013 نائبه فاروق لوغ أوغلو إلى القاهرة، وهو ما أثار غضب إردوغان الذي اتهم آنذاك كليجدار أوغلو "بالتعاون مع أعداء الديمقراطية والتحالف مع الانقلابيين"، الذين يقصد بهم السيسي.
ونسي إردوغان أو تناسى، ومعه أنصاره وأتباعه، كل هذا الكلام عن السيسي، فزاره في القاهرة في 14 شباط/فبراير الماضي، فيما تستعد أنقرة لاستضافة السيسي أواسط نيسان/أبريل القادم، في الوقت الذي تقول المعارضة إن إردوغان خلال لقائه السيسي في القاهرة أو في مباحثاته معه في أنقرة سيتبادل وإياه الخبرات فيما يتعلق بإجراء التعديلات الدستورية لضمان ترشيح نفسه مرة أخرى أو مرتين ليبقيا في السلطة معاً، ومعهما الرئيس بوتين، وهو صديق السيسي وإردوغان.
وبدورهما، هما صديقان مقربان جداً من واشنطن والعواصم الغربية التي تعادي بوتين، ولكنها لا تريد أن تخسر تركيا ومصر، لما للدولتين من أهمية استراتيجية بالغة بالنسبة إلى العواصم المذكورة التي تطلق شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنها لا تلتزم بها في علاقاتها مع الأنظمة الأخرى، كما هو الحال مع حكام الخليج أيضاً، فقد دعمت العواصم المذكورة ما يسمى بالربيع العربي، وساعدت إردوغان كي يؤدي دوراً أساسياً في هذا الربيع، إلا أنها عادت وتخلت عن الإسلاميين ودعمت انقلاب السيسي الذي أطاحهم.
كما تخلت عن إردوغان عندما استغل الدعم الغربي له، فحقق مكاسبه المعروفة في المنطقة بفضل هذا الدعم. وانتهى المطاف بإردوغان والسيسي، فتحوّلا من عدوين لدودين إلى صديقين حميمين قاسمهما المشترك هو ضمان البقاء في السلطة "ديمقراطياً" ما دامت الغاية تبرر الوسيلة، وأيًا كان تعريف هذه الوسيلة بالشكل أو المضمون، ما دام الغرب غير مبالٍ بما ذلك، ما دامت مصالحه مستمرة في الوقت الذي يعرف الجميع أن الشعوب مغلوبة على أمرها!