المسيرات الإيرانية في أوكرانيا.. كيف ترصدها العين الإسرائيلية؟
خشية إسرائيلية كبيرة من كل تقدّم على مستوى الأسلحة الإيرانية وخصوصاً المسيرات، سوف تستفيد منه مباشرة كل أطراف محور المقاومة، ولا سيما من هم على تماس مباشر معها.
حتى الآن، من غير الواضح على نحو مؤكد أن الوحدات الروسية بدأت تستعمل مسيرات انتحارية إيرانية في عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، حيث لم تعلن أي من طهران أو موسكو ذلك رسمياً، وعلى الرغم من انتشار عدد كبير من الصور والمشاهد لبعض نماذج هذه المسيرات الإيرانية المنفجرة في الميدان الأوكراني، يبقى الكلام الرسمي عن هذا الأمر غير موجود إلى حين صدور ما يؤكده من قبل الجهات المعنية، الإيرانية أو الروسية، خصوصاً أن تركيب المشاهد والصور ممكن ولا يمكن استبعاده.
في مطلق الأحوال، وبمعزل عن حقيقة استعمال الوحدات الروسية المسيرات الإيرانية في معركتها، سنحاول في هذه المساحة الإضاءة على أهمية ما تقدّمه المسيرات على نحو عام في الحرب الحديثة، والإضاءة على حساسية الدور الذي يمكن أن تؤديه هذه المسيرات فيما لو استعملها الروس في أوكرانيا، والأهم من كل ذلك، سنحاول الإضاءة على نظرة "إسرائيل" وموقفها من هذا الأمر.
بداية، روسيا تعد عالمياً الدولة الثانية، من حيث امتلاك الطائرات المسيرة بمختلف نماذجها الهجومية، والهجومية الانتحارية، والراصدة، والراصدة الهجومية، مثل كورنتشتات أوريون والتيوس وسيريوس وهيليوس وكروم والمسيرة سوخوي B6، ومع ذلك، فإن الوحدات الروسية تحتاج إلى إمدادها بعدد أكبر -يفوق إمكاناتها الذاتية- من هذا السلاح النوعي، ومن جميع النماذج، وذلك للأسباب التالية:
- صحيح أن دعم الغرب والناتو تحديداً للوحدات الأوكرانية تضمن تقريباً أغلب أنواع الأسلحة النوعية مثل مضاد الدبابات (جافلين)، وطائرات (ستنينغر)، والمدفعية الذاتية الحركة (155 هاوتزر) والرادارات الميدانية المتعددة المميزات والمهمات، وأخيراً قاذفات الصواريخ البعيدة هيمارس، ولكن بقيت المسيّرات الغربية التي حصلت عليها الوحدات الأوكرانية، هي أكثر الأسلحة فعالية في المعركة، مثل بيرقدار التركية أو Phoenix Ghost أو witchblade الأميركيتين وسوى ذلك من النماذج، وهو أكثر ما أثّر سلباً في القدرات الهجومية والدفاعية للوحدات الروسية.
- لقد أثبت سلاح المسيرات، في المواجهة ضد دول العدوان على اليمن، وفي المواجهة في ليبيا أو في ناغورنو كاراباخ، واليوم في أوكرانيا، أنه السلاح الغادر والصادم والعصي إلى حد كبير على الإيقاع به أو تقييد حركته أو شلّه.
كل ذلك يزيد الحاجة الروسية إلى أكبر عدد من المسيرات، حيث الميدان الأوكراني واسع وتنتشر فيه شبكة متشعبة من مجاري المياه التي تعوّق حركة المدرعات وناقلات الجند وقاطرات المدفعية، فتأتي المسيرات الانتحارية أو غير الانتحارية، لتتجاوز كل هذه الحواجز، فترصد وتهاجم آليات ومراكز الخصم، بعيداً من تعريض فرق الأسلحة الأخرى للخطر.
من هنا، لا يمكن استبعاد حاجة الروس إلى المسيرات الإيرانية، ولا يمكن أبداً استبعاد حصولهم على عدد كافٍ منها، ومن مختلف النماذج مثل شاهد 129 و191 و136، ومثل مهاجر 6. وما يعزز إمكانية حصول ذلك، غير حاجة الروس إليها، أن هذه المسيرات الإيرانية أثبتت وفي غير مناسبة أو مواجهة، أنها تملك فرصاً مرتفعة جداً للإفلات من أحدث منظومات الدفاع الجوي الأميركية والغربية، التي ينشر اليوم عدةَ نماذج منها الناتو في أوكرانيا بمواجهة الطائرات والصواريخ الروسية.
لا شك أمام هذه القدرة التي تملكها المسيرات الإيرانية، وأمام الدور الفعال والمساهم بنسبة كبيرة في مساعدة الروس لحسم معركتهم في أوكرانيا، سيكون الأميركيون غير راضين لا بل مستائين من حصول موسكو على مسيرات إيرانية واستعمالها في أوكرانيا، ولكن...
تبقى الخشية الأميركية الفعلية من عمل هذه المسيرات الإيرانية في أوكرانيا في مكان آخر، حيث "إسرائيل" ترصد بعين الخشية والخوف هذا الأمر وترى فيه نقطة جد سلبية، ستتجاوز تأثيراتها مساعدة الروس في أوكرانيا، على أهمية الموضوع بالنسبة إلى "تل أبيب"، ليكون هذا الخوف الإسرائيلي من النقاط التالية بالتحديد:
- بعد أن أثبتت كل المعارك أخيراً حول العالم، أن المعركة الحية هي حقل التجارب الأنسب والأكثر إفادة لتطوير وتحسين أداء كل الأسلحة، وفائدة الميدان الحي أو الحرب الفعلية، تضاعف بدرجات، ما يمكن أن تقدّمه المناورات التدريبية أو التجارب التشغيلية لأداء الأسلحة، وهذا ما يمكن متابعته من المعارك في اليمن أولاً وفي ناغورنو كاراباخ وفي ليبيا وفي أوكرانيا.
- ترى "إسرائيل"، وهي مصيبة في ذلك، أن انخراط المسيرات الإيرانية في الميدان الحي الأوكراني، سيكون فرصة ذهبية لن تتكرر، لتطوير هذه المسيرات والاستفادة من ثغرات الأسلحة التي تواجهها، خصوصاً أن هذه الأسلحة التي تواجه الأسلحةَ الروسية ومعها المسيرات الإيرانية، هي الأسلحة نفسها التي تمتلكها "إسرائيل" أو الأقرب إليها من حيث المميزات والتقنيات، وخصوصاً رادارات الرصد، التي تشترك "إسرائيل" مع دول الناتو في تصنيع وتشغيل أغلب تقنياتها.
من هنا تأتي الخشية الإسرائيلية الفعلية حيث ترى "تل أبيب" أن كل تقدم في مستوى الأسلحة الإيرانية وخصوصاً المسيرات، سوف تستفيد منه مباشرة كل أطراف محور المقاومة، لا سيما من هم على تماس مباشر معها، مثل حزب الله في لبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، وربما قريباً، في الضفة الغربية..
وهكذا، ستجد واشنطن و"تل أبيب"، الخطر مضاعفاً في مشاركة المسيرات الإيرانية في الحرب على الناتو في أوكرانيا.