نتنياهو: مناورة أم تفجير المنطقة؟
نتنياهو لا يريد إيقاف الحرب، لأن نهاية الحرب بالنسبة له تعني نهايته السياسية كما يجمع العدو والصديق، والكيان الصهيوني يتهاوى بفعل الأزمات الاقتصادية والضربات المخابراتية الأمنية والعسكرية التي لم نشهد لها مثيل.
هل نحن أمام مناورة جديدة يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوأف غالانت، أم أنّ هناك فعلاً خلافاً حقيقياً بينهما، وهل التوقيت مناسب الآن لإظهار هذا الخلاف إلى سطح المشهد المتأزّم، في وقت تشهد فيها منطقة الشرق الأوسط هذا الكمّ الهائل من الحضور العسكري لمعظم قوى الغرب الاستعماري بحجة ردع أي عملية عسكرية قد تقوم بها إيران ضد الكيان الصهيوني، أو غيرها من محور المقاومة إن كان على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية أو اليمنية – الإسرائيلية.
كما نعلم من خلال وسائل الإعلام "الإسرائيلية" أن الخلافات اشتعلت وزاد السجال، خلال الساعات الأخيرة، بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، مما دفع مراقبين لوصف الوضع القائم بينهما بأنه "حرب خاصة". وردّ نتنياهو بعنف على غالانت الذي اتهم الأول، وفق تقارير إعلامية، بتأخير التوصّل إلى اتفاق هدنة في قطاع غزة.
وأمام لجنة برلمانية، قال غالانت، الاثنين الماضي، إن السبب في تأخير الهدنة في غزة حيث تخوض "إسرائيل" حرباً مع حركة حماس الفلسطينية منذ 10 أشهر "هو، من بين أمور أخرى". وأضاف: "هناك خيار لاتفاق من شأنه أن يؤدي إلى ترتيبات في شمال وجنوب إسرائيل، مع حزب الله اللبناني وحماس الفلسطينية"، "وخيار ثانٍ وهو التصعيد الذي سيؤدي إلى حرب." و"أنا والجهاز العسكري ندعم الخيار الأول".
وكتب غالانت عبر منصة "إكس": "من نقاط الضعف التي تمّ اكتشافها في الحرب وعلينا التحرّك ضدّها بكل شدة هي التسريبات المستمرة من الاجتماعات الحسّاسة والسرية". فمن المعروف في "الكيان الصهيوني" أنه في الأوقات العادية ومن دون أي حروب، يجري التكتّم وبشكل صارم على طبيعة المباحثات التي تجري في الحكومة لما لها من أثر سلبي على الكيان إن كانت تخصّ الداخل أو الخارج، فكيف إذا كان هذا الكيان يعيش أزمة وجودية بحسب ما صرّح مراراً نتنياهو، وفي حالة حرب لم يشهد لها الكيان مثيلاً منذ نشؤه، والتسريبات ليست من "مصادر" حكومية كما جرت العادة بل على منصة "x"، أي أمام العالم أجمع!
منذ بداية حرب الإبادة التي يشنها نتنياهو على غزة، وأمام الإخفاقات التي مني بها "جيشه" أمام ضراوة وشراسة المقاومة، يحاول جرّ الولايات المتحدة الأميركية إلى حروبه التي يشنها على 7 جبهات كما يدّعي هو، وحاول مراراً وتكراراً طلب الحماية من أميركا، وهرعت 3 مرات لمساعدته بالإضافة إلى الجسر الجوي القائم منذ 7 أكتوبر 2023 ولغاية هذه الساعة، ولكن ما تغيّر الآن وبعد قيام "إسرائيل" باغتيال المسؤول العسكري الأول في المقاومة الإسلامية اللبنانية الشهيد السيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتيال الشهيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، تجاوز بنيامين نتنياهو كلّ الخطوط الحمر المتعارف عليها ضمن خطوط وقواعد الاشتباك القائمة منذ 7 أكتوبر.
كلّ هذا يجري في حالة "الفراغ" الرئاسي الأميركي، فالرئيس جو بايدن بالنسبة لنتنياهو غير موجود، أو على الأقل في مرحلة التسليم لرئيس آخر، إمّا للمرشحة كامالا هاريس أو للرئيس السابق دونالد ترامب، ونتنياهو يلعب على التناقضات بينهما في لحظة انتخابات مصيرية بالنسبة لكلا المرشّحين.
"الأرمادا" الغربية من مدمّرات حربية وحاملات طائرات وغوّاصات نووية، تتوزّع على سواحل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي وفي الأعماق، وبالتالي نحن نشهد أكبر استنفار عسكري غربي في منطقتنا.
السؤال الذي يفرض نفسه، هل كل هذا الكم الهائل من تسليح المحيطات هو فقط لردع إيران عن القيام بضربة لـ "إسرائيل" رداً على عملية اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران، أو لردع حزب الله عن الردّ على اغتيال الشهيد فؤاد شكر (المسؤول العسكري في المقاومة الإسلامية) أم أن هناك أمراً آخر؟
فإذا كان نتنياهو والمعروف بكذبه وألاعيبه الملتوية كما عبّر الإعلام الأميركي، وكما ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية ـــــ نقلاً عن مسؤول في الإدارة الأميركية ـــــ أن الرئيس الأميركي جو بايدن أدرك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يكذب عليه بشأن التوصّل إلى صفقة لإطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق النار خلال زيارته الأسبوع الماضي لواشنطن.
من الجدير التذكير أنه "في 8 حزيران/يونيو1967 تعرّضت المدمّرة الأميركية يو.أس.أس ليبرتي التابعة للولايات المتحدة والتي كانت تبحر على بعد 13 ميلاً بحرياً قبالة العريش خارج المياه الإقليمية المصريّة لهجوم من قبل سلاح الجو وزوارق طوربيد إسرائيلية؛ وقد أدى الهجوم إلى مقتل 34 من البحارة و171 إصابة. وقالت "إسرائيل" إن الهجوم نجم عن خطأ في تحديد هوية المدمّرة، سيّما مع كونها تبحر على مقربة من المياه المصرية. غير أن أعضاء الطاقم الذين ظلوا على قيد الحياة، لا يزالوا يعتقدون ويقدّمون عدداً من الأدلة، على أنّ الهجوم مفتعل".
وبعد دعوة كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية مصر العربية ودولة قطر، بصفة وسطاء في المناقشات الجارية لضمان وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، دعوة كلّ من حماس و"إسرائيل" لإبرام اتفاق يجسّد المبادئ التي حدَّدها الرئيس بايدن في 31 أيار/مايو 2024.
ردّ بنيامين نتنياهو بارتكاب مجزرة بعد أن قصفت طائرات العدو الصهيوني، فجر السبت الماضي، مدرسة التابعين بحي الدرج في مدينة غزة، وبحسب المصادر فإن الاستهداف كان لطابقين، الأول يؤوي النساء النازحات والأطفال، والطابق الأرضي وهو عبارة عن مصلّى، ما أدى إلى مقتل أكثر من 100 مواطن بينهم 11 طفلاً و6 نساء، وإصابة نحو 170 آخرين العشرات منهم حالتهم خطيرة من جراء اشتعال النيران في المكان.
مما يدلّل على أنّ نتنياهو لا يريد إيقاف الحرب، لأن نهاية الحرب بالنسبة له تعني نهايته السياسية كما يجمع العدو والصديق، والكيان الصهيوني يتهاوى بفعل الأزمات الاقتصادية والضربات المخابراتية الأمنية والعسكرية التي لم نشهد لها مثيل، ناهيك عمّا نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" (ما سمح بنشره) من أنّ 10 آلاف بين قتيل وجريح في صفوف "الجيش" الصهيوني، وهي خسارة لم يتعرّض لها هذا "الجيش" من قبل، وبالتالي حجم الاستثمارات الغربية في الكيان تعرّض لخسائر كبيرة جداً، والغرب يحاول قدر المستطاع إنقاذ استثماراته، والإبقاء على هذا الكيان لإعادة ترميم ما يمكن ترميمه للمحافظة على استمراره، قبل أن يفقد ما تبقّى من الوظيفة التي أُسس لها.
وبالتالي أو ليس من الممكن أن يقوم نتنياهو بعمل "أحمق"، ويقوم بضرب إحدى هذه البوارج الحربية في إحدى المحيطات وإغراقها، لتكون ذريعة للولايات المتحدة للقيام بضرب إيران أو أي منطقة أخرى في المنطقة؟ هل تنجح القوى الغربية بإنقاذ هذا الكيان أم نحن ذاهبون إلى حرب كبيرة؟ ومن ثم إشعال المنطقة بحرب قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة لا تحمد عقباها؟