منتدى موسكو الاقتصادي... رؤية لعالم ونظام يتجه إلى التوازن والعدالة
منتدى موسكو 2024 أسهم بشكل مباشر في حل وتحليل أكثر المسائل الاقتصادية ذات الطابع السياسي تعقيداً، مع طرح الاتجاهات ووضع التصورات المحفزة لاتخاذ القرارات.
يحظى منتدى موسكو الاقتصادي 2024 بأهمية استراتيجية في الساحات الاقتصادية العالمية والسياسية، وتعطي المشاركة في منتدى موسكو أهمية كبيرة، نظراً إلى وجود مجتمع من الخبراء الفاعلين في مجالات متعددة، ومشاركة أكثر من 10 آلاف شخص من 35 دولة، إذ يُعقد هذا العام تحت شعارات كثيرة ومتعددة، وبوجود عدد كبير من الصحافيين، بما في ذلك ممثلو وسائل الإعلام الأوروبية والآسيوية والشرق أوسطية.
ومن اللافت للانتباه أن هذا المنتدى تم تصوره من قبل رجل صناعي معروف بكونستانتين بابكين في روسيا قبل 11 عاماً، كبديل للمنتدى الاقتصادي العالمي، وهو "منتدى لدعاة العولمة بقيادة شواب كلاوس وشركائه".
ويغطي المنتدى محاور الأمن والطاقة والتعاون وتوليد فرص العمل في العصر الجديد والصناعة وأهمية ممرات النقل الأوراسية وكذلك الأيديولوجيا التي تحتاجها روسيا كمنهجية جديدة للاقتصاد والسياسة والمجتمعات، كما أن القضايا السياسية، بما فيها السياسة الروسية تجاه الشرق الأوسط، ضمن جدول أعمال المنتدى، كما يتخللها مواضيع ذات أهمية كبيرة مثل دور منظمة بريكس نحو عالم متعدد الأقطاب والذكاء الاصطناعي والبيئة الثقافية والقانون الثقافي الروسي وغيرها من المواضيع ذات التأثير السياسي والاقتصادي والتنموي على الصعيد العالمي والإقليمي والجيوسياسي.
أهمية منتدى موسكو 2024 تكمن في أنه يجمع بين أفضل الخبراء في روسيا والدول المشاركة والمتعددة في تقاطع المصالح من التحليل السياسي في صناع السياسات والحكومات وقادة الدول وقادة أكبر الشراكات الاقتصادية وقادة المجتمع المدني والتنموي، إضافة إلى قادة الرأي العالمي والأكاديميين والخبراء الشباب.
منتدى موسكو 2024 أسهم بشكل مباشر في حل وتحليل أكثر المسائل الاقتصادية ذات الطابع السياسي تعقيداً، مع طرح الاتجاهات ووضع التصورات المحفزة لاتخاذ القرارات، ونحن راقبنا كل ما يطرح من الاتجاهات في الرأي الاقتصادي والسياسي في هذا المنتدى ذائع الصيت بين الاقتصاديين والسياسيين.
ويعد هذا المنتدى من المنتديات التي تجمع بين أقطاب القرار العالمي على مختلف النظم الاقتصادية والسياسية، أي الاقتصادات المتقدمة والنامية. لهذا، حتى الآراء التي تطرح تمثل حالة استشراف على كل المستويات للأعوام المقبلة، إذ يتسم المنتدى بقدرته على تصنيف وتنميط المخاطر العالمية اقتصادياً والسياسية ومدى تأثر السياسات التوجيهية في الاقتصاد العالمي، والتحديات الكبرى على أساس الجغرافيا والمواقف السياسية على الاقتصاد، والتي يتم من خلالها فتح قنوات التعاون الدولي على صعد مختلفة، وذلك بناء على التوافق السياسي والدبلوماسي بين الأقطاب، وأعني بالتعاون والتوافق بين الأقطاب الحكومات والدول العظمى والهيئات الحكومية المنظمة وغير الحكومة.
يعد منتدى موسكو 2014 منصة لمناقشة القضايا الاقتصادية والسياسية المهمة، بحيث يمكن لجميع المشاركين الحصول على رؤى استراتيجية حول التوجهات المستقبلية للاقتصاد العالمي والسياسات الحكومية المحتملة التي تؤدي دوراً حيوياً في اتخاذ قرارات أعمال الاقتصادية وتوجيه الاستثمارات بشكل أفضل، ما يفسر حرص الخبراء وجميع المشاركين على متابعة كل ما يدور في المنتدى، ويضعهم في صورة رأس الهرم الاقتصادي في الساحة العالمية. هذا التأثير يؤدي إلى زيادة الثقة والاهتمام الذي يفتح الآفاق الجديدة والفرص الحلول السياسية والاقتصادية، ليس على مستوى روسيا، إنما على المستوى الإقليمي والدولي.
ومن اللافت للانتباه وجود الخبراء رفيعي المستوى الذين حظوا بانتباه المشاركين من خلال نقاشاتهم التي تركزت على عدة قضايا، ولعل أبرزها القضايا السياسية في الشرق الأوسط وتحليل السياسي في قضية الصراع "الفلسطيني-الإسرائيلي"، إذ عبر مناقشة مثمرة في المنتدى الاقتصادي جرت جلسة مخصصة للنقاش فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. وليس من المستغرب أن روسيا من أوائل الدول المهتمة والمنخرطة في مساعي الاستقرار الأمني الاستراتيجي والجيوسياسي في الشرق الأوسط.
هذه المناقشة ركزت على عدة قضايا محورية وإقليمية مبنية على صراعات سياسية وعسكرية لم تنتهِ. ولطالما كان لهذه القضايا الأثر الكبير في التنبؤ بنشوب صراعٍ بين الدول اللاعبة والدول العظمى. وكانت إحدى تلك القضايا التي حيث لا شك أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من أهم القضايا في الشرق الأوسط والعالم العربي والغربي، وخصوصاً بعد 7 أكتوبر والحرب الإسرائيلية العسكرية الصارمة على قطاع غزة، التي أخرت بشكل كامل عملية التفاوض بين الطرفين في ظل انخراط جبهات عسكرية متعددة شملت قطاع غزة وجنوب لبنان وسوريا والعراق واليمن والضربات الانتقامية على القنصلية الإيرانية في دمشق.
كل هذه العوامل العسكرية والسياسة الإسرائيلية والانقسام الداخلي الفلسطيني والدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل بأحدث أنواع الذخائر والعتاد العسكري ساهم في جعل باب الحل النهائي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني صعباً أمام الطرفين، إذ إن السياسة الأحادية الجانب التي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية في هذه القضية على وجه الخصوص جعلتها من أعقد وأطول الصراعات الدولية في العالم، وذلك بخلاف الموقف الروسي الذي يطالب بعالم متعدد الأقطاب؛ عالم يسود فيه السلام والحوار الدبلوماسي.
ليس من الغريب أن الساسة الفلسطينيين يثنون على الدور والموقف الروسي الرامي إلى توحيد الفصائل الفلسطينية وإنهاء حالة الصراع التي يبدو أنها بدأت في مرحلتها الخطيرة، وهي "الصراع الديني"، إذ إن هذه العداوات الدينية أدت إلى تأجيج حدة الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين وجعل طابع الحرب الدينية يطغى على قضية الصراع.
لذلك، اليوم، في عالم جديد يتشكل على سياسة التعددية القطبية وحرية الشعوب، هناك رهان حقيقي على الموقف الروسي في مجلس الأمن والأمم المتحدة وغيرها من المنابر الدولية التي تستغلها روسيا في التعبير عن موقفها بإيقاف الحرب على غزة والبدء الفوري بعملية المفاوضات بين كل الطرفين مع الاعتراف بالدولة فلسطينية على حدود عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية.
لذلك، إنَّ مناقشة تلك القضايا السياسية الهامة والحساسة في منتدى موسكو بهذا الحجم أعطى أهمية كبيرة لشرائح متنوعة من الأكاديميين والشباب الطموح. وفي الوقت ذاته، أتاح المجال لتبادل المعرفة والمعلومات الهامة عن الشرق الأوسط.
أخيراً، منتدى موسكو 2024 فتح مجالات وتواصلاً بين جميع المشاركين والخبراء رفيعي المستوى والاقتصاديين والسياسين والمجتمع المدني والتنموي والأكاديميين وقادة الرأي والمؤثرين العالمين والخبراء، إضافة إلى فئة الشباب، أي أنه ارتقى في النهاية إلى منصة لتعزيز الصورة المشتركة لعالم متعدد الأقطاب وتوليد مسارات التقدم، مهما كان شكل القضايا المطروحة وطبيعتها.