من سعر صرف الدولار الأميركي إلى نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية: حدود الذكاء الاصطناعي وآفاقه
هل يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تتوقع نتائج الانتخابات مسبقاً بعد أن تتم عملية توقع سلوك كل مقترع على حدة؟
لم يعد خافياً على أحد اليوم أنّ كل ما يمكننا تخيله، بات إما مطبقاً وموجوداً في مكانٍ ما من العالم، وإما من الممكن أن يطبق في المدى المنظور.
نعم، لقد بات الكثير من التطبيقات بحكم الإعجاز لدى كثير من الناس لما قد تقدمه وتفعله، ولم تكن لتخطر في خيال أحد منذ بضع سنوات تلك التطبيقات التي تتوقع الأمراض التي قد تصيبك بعد عدة سنوات، أو تلك التي تستخرج الكثير من المعلومات من الصور مثل أسماء الأشخاص وأعمارهم وأكثر.
مما لا شك فيه أنّ دخول الذكاء الاصطناعي إلى عالمنا الحديث كان أكثر من كافياً للتحول الجذري لكل ما تُستخدم به التكنولوجيا الحديثة.
يرتبط مفهوم الذكاء الاصطناعي بالذكاء المتعلق بالأجهزة الرقمية أو الإلكترونية مثل؛ الكمبيوتر والأجهزة الخلوية أو الروبوتات، ويعبّر الذكاء الاصطناعي عن قدرة هذه الأجهزة الرقمية على أداء المهمات المرتبطة بالكائنات الذكية. ينطبق مصطلح الذكاء الاصطناعي على الأنظمة التي تتمتع بالعمليات الفكرية للإنسان مثل القدرة على التفكير، واكتشاف المعنى والتعلم من التجارب السابقة. ومن الأمثلة على العمليات التي تؤديها الأجهزة الرقمية والتي تعود إلى وجود الذكاء الاصطناعي، اكتشاف البراهين للنظريات الرياضية، ولعب الشطرنج، والتشخيص الطبي، ومحركات البحث على الشبكة، والتعرف على الصوت أو خط اليد.
يعمل الذكاء الاصطناعي في البيئة الرقمية من خلال توفر الأجهزة الرقمية والبرامج المتخصصة لتحليل الخوارزميات وتصميمها ، والتعلم الآلي. وبشكل عام، فإنّ نظام الذكاء الاصطناعي يستوعب كميات كبيرة من البيانات التدريبية. تستخدم البيانات التدريبية في تكوين الارتباطات والأنماط التي تستخدم فيما بعد في بناء التنبؤات المستقبلية، مثل الرد الآلي في الروبوتات الذكية، وعملية تحديد الكائنات في الصور ووصفها من خلال مراجعة ملايين الأمثلة المحفوظة لدى الجهاز الذكي.
يستخدم الذكاء الاصطناعي في العديد من التطبيقات التكنولوجية والحياتية المهمة، والتي سهلت الكثير من مناحي الحياة، وقامت بأداء وظائف مختلفة كانت مقتصرة على العقل البشري وحده، ومن أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي تلك المرتبطة بالروبوتات والصحة والفضاء والسلوك الاجتماعي للأفراد والجماعات وغيرها.
مع كل تلك الاحتمالات وغيرها من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، هل يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تتوقع نتائج الانتخابات مسبقاً بعد أن تتم عملية توقع سلوك كل مقترع على حدة؟
الجواب هو نعم، وبكل تأكيد. تعتبر المجتمعات اللبنانية مكشوفة بالبيانات من داخلها، إذ يُقدَّر لكل ماكينة انتخابية في المدن والقرى اللبنانية جمع الكثير من المعلومات والبيانات عن معظم الناخبين. وكذلك، تستطيع هذه الماكينات الانتخابية تصنيف السلوك الانتخابي لنسبة معتد بها من الناخبين.
من هنا، نستطيع القول بأنّه إذا ما تمكنّا من تحديد المتغيرات التي قد تساهم في تحديد السلوك الانتخابي للفرد مثل:
· العمر
· المهنة
· قطاع العمل (خاص أو عام)
· الراتب الشهري
· مكان السكن
· مكان القيد
· شارك في الانتخابات من قبل أم لا
فإنه وباستخدام العديد من الخوارزميات التي تسمى بخوارزميات التصنيف، يمكننا تحديد أو توقع المسلك الانتخابي لكل فرد من المجتمع، قياساً ومقارنةً مع تلك البيانات للأفراد الناخبين التي نعرف مسبقاً مسلكهم الانتخابي.
بالطبع، هناك العديد من الأحداث التي تشهدها المجتمعات قد تعدل مزاج الناخب اللبناني في اللحظات الأخيرة كتصريحات مراجع روحية مثلاً أو حدث أمني أو إقليمي أو غير ذلك. هذه الأحداث، إن حصلت، تصعب المهمة على أي تطبيق يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوقع المسلك الانتخابي للأفراد.
إذا أكدنا إمكانية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوقع المسلك الانتخابي، فهل يمكن لهذه التقنيات توقع مسار سعر صرف الدولار؟
الجواب لا، وأيضاً بكل تأكيد. إنّ تحديد سعر صرف الدولار في لبنان يتأثر بالكثير من المتغيرات والعوامل التي نسميها غير مرئية، ولا تقاس بتصريح أي مسؤول رسمي أو حدث أمني ما، ليس في لبنان فقط بل في كل المنطقة، وغيرها من الأمثال والقصص التي نعيشها كل يوم.
السياسة اللبنانية الداخلية بكل تعقيداتها يمكنها أن تكون محور دراسة تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل توقع مسلك الناخب اللبناني مع انكشاف جزء كبير من المسلك الانتخابي لأفراد المجتمع. ولكنّ هذا التعقيد المترافق مع الوضع السياسي والاقتصادي الهش الذي أدخل ويدخل العديد من المتغيرات غير المتوقعة والتي تتحكم بسعر الصرف، يجعل من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوقع سعر صرف الدولار مهمة شبه مستحيلة أو ذات معدل خطأ عال جداً.
عزيزي القارىء، لا تعجب يوماً إن لم تشعر بأحد يكاد يدخل معك إلى الغرفة العازلة للانتخاب، فهم يعرفون من ستنتخب مسبقاً حتى ولو لم تصرح لأحد.