صراع الحصان.. ما سرّ تأكيد السيّد الخامنئي على ضرورة امتلاك تقنيّة الذكاء الاصطناعي؟
ضاعف الذكاء الاصطناعي قوّة أصحابه بسبب سرعته العالية في الاستجابة، إلى جانب قدرته على التعلّم وتقليد نماذج المنطق البشري واللّغة.
ذاتَ يوم، كان المحظوظون في العالم هم الذين يملكون خيولًا سريعةً وذراعين قويّتين. وسواءٌ أكانوا في آسيا، مثل المغول، أم في أوروبا، مثل آل هابسبورغ، فقد تمكّنوا من غزو العالم.
لكن بعد مرور سنوات، بدلًا من الاستثمار في الأحصنة السريعة، ذهب البعض إلى تحويل الحصان إلى "حصان بخاري" (أو ما يعرف بالقدرة الحصانيّة البخاريّة)، فجهّزوا بواخرهم بالقدرة الحصانيّة وانطلقوا لفتح البلاد، ليس من حولهم فحسب، إنما في كلّ أرجاء العالم. ولدى الهنود قصصٌ مريرةٌ عن غزو أحصنة البخار لبلادهم، لكن في المقابل، كان عظماء من أمثال غاندي وإقبال اللاهوري، قادة المقاومة في وجه تلك الغزوات.
من قلب تلك الحروب والتقدّم الهائل في تلك التقنيّات، وصلنا إلى العالم الحديث الذي تمّ ترسيمُه بمسطرة الحدود الدوليّة، فتشكّلت الحكومات الوطنيّة؛ الدول الحديثة التي تميّزت عن بعضها البعض بستّة عناصر: 1- حجم الكثافة السكّانيّة، 2- مساحة الأرض، 3- القوّة الاقتصاديّة، 4- النظام السياسي، 5- الموارد الطبيعيّة كالنفط، 6- القوّة العسكريّة.
وقد وصلت تكنولوجيا "حصان البخار" أو القدرة الحصانيّة تلك وعصر الثورة الصناعيّة إلى تكنولوجيا الإنترنت وعصر الذكاء الاصطناعي. وفي مقابل عناصر القوّة الستّة التي ميّزت الدول الحديثة، أخذت عناصر جديدة:
إذا تأمّلنا منصّة إنستغرام أو تلغرام، لوجدنا أنّها تتمتّع بـ"حاكميّةٍ" تضمّ أكثر من مليار شخصٍ على شكل "شبكة". ومن خلال العملات المشفّرة وألعابٍ من قبيل "هامستر"، أخذت تنشئ نظامًا اقتصاديًّا مستقلًّا لنفسها، مستفيدةً من "النفط" الجديد، أي "البيانات".
وقد وجدت الدول الحديثة منافساً جديداً أمامها، هو المنصّات.
لهذا السبب، حدّد ترامب مهمّة تويتر قبل ظهوره في الحملة الانتخابية الأولى. ماكرون يعتقل رئيس Telegram وزوكربيرغ لم يتمكّن بعد من إقناع الكونغرس بالإفراج عن عملة Meta وانتشارها...
حسنًا، في مثل هذا الصراع، فلتفرضوا أنّ تلك المنصّات التي تتمتّع بعناصر قوّةٍ جديدة أصبحت مجهّزةً بـ "الذكاء الاصطناعي".
لقد ضاعف الذكاء الاصطناعي من قوّة أصحابه بسبب سرعته العالية في الاستجابة، إلى جانب قدرته على التعلّم وتقليد نماذج المنطق البشري واللّغة.
وليس من قبيل المصادفة أنّ الموضوع الرئيسي الذي ناقشته القوى العالمية الكبرى في قمّة دافوس هذا العام كان "تحقيق الأمن والتعاون في عالمٍ مجزّأ".
نعم، إنهم يعتقدون أنّه مع ذوبان قوّة الدول القوميّة، سوف يتفكّك العالم، وسيفوز بالقوّة ويحتكرها مَن يمتلك هذه التكنولوجيا. ومن المهمّ الآن، في يد من تكون هذه التكنولوجيا، في يد مستعمرٍ على شاكلة بريطانيا، أو في يد إقبال وغاندي؟
لعلّ من هذه التجربة التاريخيّة، يمكن استشفاف الحكمة في كلام الإمام الخامنئي المكرّر وتأكيده المتواصل على ضرورة التمكّن من الذكاء الاصطناعي وطبقاته وامتلاكها بإتقان.
واليوم، خاضت إيران هذه التجربة، إذ إنّها حتى في سبيل الحصول على الطاقة النووية السلمية، فإنها واجهت، ولا تزال، عقباتٍ وعقوباتٍ من الولايات المتحدة، ولن يكون بعيداً عن الأميركيين أن يذهبوا إلى احتكار الاستفادة من هذه التكنولوجيا.