مفارقات الانتخابات الصورية والفصل بين السلطات في البحرين

نظام الحكم في البحرين أُسّس بناء على مفارقة عجيبة، فهو نظام ملكي استبدادي يدّعي الديمقراطية عبر مؤسسات غير منتخبة وغير شرعية. 

  • مفارقات الانتخابات الصورية والفصل بين السلطات في البحرين
    مفارقات الانتخابات الصورية والفصل بين السلطات في البحرين

قبل البدء بانتقاد العملية الانتخابية الصورية والنتائج التي زوّرها النظام في البحرين علينا أولاً أن نخوض في تركيبة البلاد السياسية لفهم كيف تجري عملية صنع القرار السياسي وما أهدافها.

الفصل الوهمي بين السلطات في البحرين

يعد مبدأ الفصل بين السلطات من أهم المبادئ الديمقراطية التي تقوم عليها أسس الديمقراطية الحديثة. ويعود الفضل في التأسيس والتنظير لهذا الأصل إلى الفيلسوف والمفكر السياسي الفرنسي "مونتسكيو". ويقوم مبدأ مونتسكيو هذا على توزيع السلطة على هيئات وسلطات متعددة لمنع الاستبداد وحماية الحريات الفردية والاجتماعية. تقوم هذه السلطات بالحد من السلطات الأخرى ومراقبة عملها لمنع ظهور الاستبداد إذ إن تركز السلطة سيقود حتماً إلى استبدادية دكتاتورية. منذ تبني الثورة الفرنسية هذا المبدأ الديمقراطي وترسخه في أصول الحكم، تحوّل هذا المبدأ إلى مبدأ تشريعي مستقر في أغلب دول العالم. وإذا ما أردنا أن نسلط الضوء على هذا المبدأ في مملكة البحرين التي يروج حكامها على أنهم أجروا عملية انتخابية ديمقراطية في البلاد، علينا العودة إلى الدستور البحريني. 

النظام في البحرين نظام فريد في نوعه واستثنائي، وذلك لكونه لا ينتمي إلى النظام الملكي الدستوري بحسب النموذج البريطاني القائم على أن الملك يملك ولا يحكم، ولا هو قائم على النظام الملكي المطلق الذي يقوم على أن الملك يملك ويحكم في الوقت نفسه. نظام الحكم في البحرين أُسّس بناء على مفارقة عجيبة، فهو نظام ملكي استبدادي يدّعي الديمقراطية عبر مؤسسات غير منتخبة وغير شرعية. 

في توضيح هذه المفارقة، علينا أن نشير إلى أن الملك حمد بن عيسى (كما تشير لطيفة الحسيني) ألغى العمل بدستور البلاد عام 2002، وبهذا فقد ألغى حمد بن عيسى دستور البلاد المعمول به بعد عام 1973 الذي حظي بتأييد شعبي واسع. الدستور البحريني فصّل السلطة في البلاد على مقاس الملك، فقام بتركيز السلطات الثلاث بيد الملك وسلب السلطة التشريعية حقها في سن القوانين التي تخالف إرادة الملك، وذلك عبر تقسيم السلطة التشريعية إلى غرفتين: الأولى هي مجلس الشورى المؤلف من 40 عضواً يعينهم الملك مباشرةً، ومجلس النواب المؤلف من 40 نائباً يجري اختيارهم بالاقتراع. 

وهنا تظهر أبشع مظاهر الخداع السياسي التي صمت الغرب عنها سنوات، إذ إن مجلس الشورى غير المنتخب لديه سلطة أعلى من البرلمان المنتخب، ويستطيع الأول عرقلة أي مشروع قانون يقرّ في البرلمان. وعليه فإن مجلس الشورى الذي يعينه الملك يجهض أي مشروع قانون لا يوافق سياسات الملك، أو لا يأتي ملائماً لرؤيته.

العملية الانتخابية الصورية

لم يكتفِ النظام في البحرين بإجهاض العملية الديمقراطية في البلاد بتزييف مبدأ الفصل بين السلطات أو إجهاض الحراك الشعبي الذي دعا إلى إسقاط النظام بعد عام 2011 فيما سميّ الربيع البحريني، بل أجهض كتلاً برلمانية وازنة وعمل لحل الأحزاب السياسية المعارضة في البلاد التي امتلكت أكبر كتل وتمثيل شعبي على مستوى البلاد. ففي الوقت الذي كان ينتظر أن ترسم هذه الكتل السياسات الداخلية والخارجية للبلاد على المستوى الثقافي والاقتصادي والعلاقات الخارجية حل النظام "جمعية الوفاق" عام 2016، وأتبع هذا الإجراء بحل "جمعية وعد" العلمانية عام 2017، ثم أقر قانون العزل السياسي الذي أشرنا إليه في مقالنا السابق، وهو ما ساهم في منع نصف شعب البحرين من ممارسة حقه المشروع في الانتخاب والترشح.

لم يعد يخفى على أحد، سواء في الداخل البحريني أم في الخارج أن العملية الانتخابية هي عملية صورية يقوم بها النظام كل أربع سنين، وكذلك لم يعد يخفى على أحد أنّ نسب المشاركة في هذه الانتخابات لم تتعدَّ 35%، وذلك لأن أحزاب المعارضة التي تحظى بالأغلبية الشعبية في البلاد قرّرت مقاطعة هذه الانتخابات، ولم تعد كذلك تخفى على أحد حال عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، خصوصاً بعد تعرض المواقع الحكومة في البحرين لهجمات سيبرانية واسعة نفذتها مجموعة الطوفان بحسب "أسوشيتد برس". 

ختاماً، لقد جاءت العملية الانتخابية في البحرين بنتائج عكسية تماماً لما تطلع إليه النظام القمعي هناك، فبدلاً من ترويج الملكة على أنها مملكة ديمقراطية -كما يرغب النظام الحاكم هناك- أظهرت الانتخابات استبدادية هذا النظام وقمعه الحريات ومحاولته المتكررة إلغاء المعارضة السياسية والسعي للتفرد في الحكم. ونجحت كذلك إستراتيجية المعارضة الشعبية القائمة على مقاطعة الانتخابات في تحويل هذه الانتخابات إلى فضيحة دولية للنظام وإجباره على تزوير نتائجها. كذلك سلطت الضوء على عملية القمع الممنهج الذي تتعرض له هذه المعارضة والفئات الشعبية المؤيدة لها. بعد هذه الفضيحة المدويّة على النظام في البحرين أن يفهم أن لا حلول أخرى سوى الجلوس مع المعارضة ومفاوضتها، إذ إن المعارضة في البحرين قوية وذات تأييد شعبي واسع لا يمكن تجاهله. هذا التفاوض هو الذي سيخرج البلاد من أزماتها المستعصية لا الانتخابات الصورية.