تبخّر أحلام واشنطن و"إسرائيل" بشأن عزل طهران.. الدبلوماسية تخترق جسم نظام البحرين
المعضلة التي تقف أمام العلاقات البحرينية الإيرانية، هي قضية فلسطين، وخصوصاً أن المنامة تسمح، عبر الأسطول الخامس، بتزويد "إسرائيل" بالقنابل لقتل المدنيين من الأطفال والنساء في غزة.
في وقت يتلقى نظام البحرين انتقاداً داخلياً ودولياً بسبب استمرار تطبيع العلاقات بـ"إسرائيل"، التي ترتكب أبشع أنواع الإبادة في قطاع غزة، أرسل نظام المنامة، عبر مسؤوليه، خلال أسبوع واحد من شهر أيار/مايو، أربع رسائل إلى الجمهورية الإسلامية في إيران من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية بها، على حساب حليفيها الأميركي والإسرائيلي.
أولى الرسائل بدأت عقب استشهاد الرئيس الإيراني، السيد إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق لهما، في إثر سقوط مروحيتهم خلال عودتهم من أذربيجان الشرقية إلى مدينة تبريز.
دبلوماسية العزاء لوفود خليجية من السعودية والكويت وقطر والبحرين كانت لافتة. وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني، ممثلاً عن الملك حمد بن عيسى آل خليفة، مثّل البحرين في طهران في 22 أيار/مايو الماضي، من أجل مواساتها في مصابها الأليم، على رغم القطيعة بين البلدين.
ثانية الرسائل جاءت على لسان الملك البحريني عقب لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 23 أيار/مايو الماضي كوسيط، مؤكداً انه لا يوجد سبب لتأجيل عودة العلاقات بين المنامة وطهران.
ثم جاء تأكيد الملك لولي العهد، سلمان بن حمد آل خليفة، في 26 أيار/مايو الماضي، الحرص على بناء جسور التعاون وإقامة الشراكات مع مختلف دول العالم، على قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وأتى، بعد ذلك، تأييد مجلس وزراء البحرين، في 27 أيار/مايو الماضي، المضامين التي أكدها الملك بشأن تطلع البحرين إلى تحقيق مبادئ حسن الجوار، من أجل المحافظة على علاقات جيدة بدول الجوار.
رسائل تأتي بعد أن تصاعدت التحركات في الفترة الأخيرة من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البحرين وإيران إلى سابق عهدها، بعد أن تدهورت بصورة كبيرة، في أوائل عام 2016.
البحرين تحمي "إسرائيل" عبر الأسطول الأميركي الخامس
تشكل جزيرة البحرين، ذات المساحة الصغيرة، والتي تقع قبالة السعودية، نقطة مهمة لأميركا، نظراً إلى موقع الأسطول الخامس، الذي يتخذ المياه الإقليمية لمملكة البحرين قاعدة له، وفقاً لاتفاقية عسكرية عُقدت بين الطرفين في نهاية حرب الخليج الثانية، بحيث وقّعت المنامة وواشنطن في تشرين الأول/أكتوبر 1991 اتفاقاً عُرف باسم "التعاون الدفاعي".
وبعده بعامين، اتخذت القيادة المركزية للبحرية الأميركية مقرا لها في البحرين، التي تُعَدّ من أوائل الدول العربية التي أقامت تعاوناً عسكرياً مع الولايات المتحدة.
من خلال هذا الأسطول، تحمي واشنطن "تل أبيب" عبر تعاون مع نظام المنامة، الذي أصبح، بصورة رسمية، يشارك في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
كما تُعَدّ البحرين، المطبعة مع "إسرائيل" منذ عام 2020، الدولة العربية الوحيدة التي تشارك في التحالف الأميركي البريطاني لصد هجمات القوات المسلحة اليمنية النوعية والمتكررة ضد السفن المرتبطة بـ "إسرائيل" في البحر الأحمر وبحر العرب والأبيض المتوسط، دعماً لغزة ومقاومتها.
أمام ذلك، تبقى المعضلة، التي تقف أمام العلاقات البحرينية الإيرانية، هي قضية فلسطين، وخصوصاً أن المنامة تسمح، عبر الأسطول الخامس، بتزويد "إسرائيل" بالقنابل لقتل المدنيين من الأطفال والنساء في غزة.
غضب الداخل.. وإرضاء النظام للحليفين الأميركي والإسرائيلي
منذ إبرام النظام صفقة التطبيع مع "إسرائيل"، تتواصل التظاهرات الغاضبة في البحرين، مطالبةً بإلغاء اتفاقيات التطبيع مع "تل أبيب"، وإغلاق السفارة الإسرائيلية التي أُنشئت في المنامة رغماً عن كل مكونات الشعب البحريني، المرتبط بفلسطين منذ الأزل. كما يرفض البحرينيون في احتجاجاتهم وجود الأسطول الخامس في مياه البحرين الإقليمية، والذي تتخذ واشنطن منه قاعدة لضرب اليمن، الذي أخذ على عاتقه الدفاع عن غزة وشعبها.
ومن أجل إسكات الصوت الشعبي المعارض، قمعت حكومة البحرين كثيراً من التحركات السلمية المتضامنة مع فلسطين، والمنددة بالمجازر الاسرائيلية في غزة، في أكثر من 30 منطقة وقرية. وشنّت حملات اعتقال واستدعاءات طالت العشرات من المشاركين في هذه الفعاليات، في انتهاك فاضح لحرية التجمع والتعبير عن الرأي.
توقيت التحرك البحريني.. ما علاقة السعودية؟
تأتي خطوة مساعي نظام البحرين للتقارب مع إيران، عبر روسيا والصين، مع دخول الاتفاق الإيراني السعودي عامه الثاني، في حين لا تزال الولايات المتحدة تسعى لإبرام اتفاق بين الرياض و"تل أبيب".
ولدى حديثنا إلى الدكتور نبيل ميخائيل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن الأميركية، وصف الخطوة بالإيجابية، مؤكداً أن البحرين تسعى لأداء دور ناشط في المنطقة، قوامه سياسة الوفاق مع الدول، وهذه الدبلوماسية بدأت مع استضافة المنامة القمة العربية في منتصف شهر أيار/مايو الماضي، ثم جاءت المساعي للتقارب مع إيران عبر روسيا والصين، على أن تستضيف، في وقت لاحق، مؤتمر سلام دولي بشأن فلسطين، وأوضح ان كل حلفاء أميركا، وضمنهم البحرين، أصبح لديهم شكوك متزايدة في قدرة واشنطن على التعامل مع قضايا المنطقة، وخصوصاً القضية الأم، فلسطين.
وبشأن تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، أكد الدكتور نبيل ميخائيل أنه لن يتحقق الأمر في ظل تمسك الرياض بالاعتراف بدولة فلسطين.
موقف إيران تجاه دبلوماسية البحرين
لقيت المساعي البحرينية للتقارب مع إيران أجواءً إيجابية من طهران، جاءت على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الذي ثمّن رسالة التعزية والمواساة من ملك البحرين، كما رحب بتصريحاته الداعية إلى إعادة العلاقة ببلاده.
وأكد كنعاني أن الوصول إلى هذه المرحلة هو ثمرة سياسة الجوار الاستراتيجية، التي اتبعتها حكومة الشهيد الرئيس إبراهيم رئيسي، في فترة حكمه، وهي تعزيز العلاقات بدول الجوار، وخصوصاً الخليجية.
تقارب يؤكد فشل السياسة الأميركية في عزل الجمهورية الإسلامية، وخلق الفجوة بينها وبين الدول العربية.
تبخّر أحلام بايدن
فشلت واشنطن، بقيادة رئيسها جو بايدن، في تحقيق أهدافها في المنطقة، وخصوصاً فيما يتعلق بالتطبيع الإسرائيلي - السعودي، وقضية فلسطين، وعزل إيران.
ويكشف العدوان الاسرائيلي على غزة تضاؤل النفوذ الأميركي في المنطقة، كقوة عالمية، لتصبح شبه مهمَّشة، وعدم استجابة "إسرائيل" والسعودية لها (الدولتين الأكثر أهمية بالنسبة إليها في المنطقة، من الناحية الاستراتيجية)، تراجُعَ سلطتها في جميع أنحاء العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط.
وشكّلت انتفاضة الجامعات داخل الولايات المتحدة الأميركية، احتجاجاً على الإبادة والوحشية الإسرائيليتين في غزة، وعلى استمرار الدعم الأميركي اللامحدود للكيان، نقطتَي ضعف وتحول لواشنطن، وخطراً استراتيجياً على "تل أبيب".
ومع اعتراف عواصم أوروبية، مثل مدريد ودبلن وأوسلو، بدولة فلسطين، تتكشَّف المزاعم الأميركية بشأن "حل الدولتين"، وخصوصاً أن واشنطن مارست عملية ابتزاز واسعة من أجل ثني كثير من الدول عن الاعتراف بدولة فلسطين.