مصير تضحيات غزة إلى أين؟
البعض العربي يبذل كل الجهود للضغط على حركة حماس في سبيل خدمة الأميركي، لتهميش واحتواء النصر الفلسطيني وإظهار نتنياهو أنه حقّق النصر، وتحت عناوين تجنّب المزيد من الدمار والإبادة.
تنطلق هذه المقالة من القول المتعارف عليه ومفاده أن التاريخ يكرّر نفسه، وبالتحديد في التحايل واحتواء النضالات والانتفاضات الفلسطينية وإفراغها من محتواها وتعطيل أسباب انطلاقاتها، والمتمثّلة بتقرير المصير والخلاص من الاحتلال، وكأنّ قدر الشعب الفلسطيني عدم قطف ثمار تضحياته وإنهائها من دون تحقيق أي من الأهداف الوطنية.
وكلّ ذلك يتمّ تنفيذه من قبل الولايات المتحدة الأميركية بشكل دائم، حيث تقوم بتنفيذ ذلك من خلال بعض رؤساء الدول العربية الذين ينفّذون الإملاءات الأميركية، فهم دائماً جاهزون لتقديم المساعدة للإدارة الأميركية في تحقيق ما تريد تنفيذه وكلّ ما سبق طوفان الأقصى من انتفاضات تمّ إفراغها من أهدافها، ابتداء من الانتفاضة الأولى عام 1987 التي انتهت باتفاقية أوسلو المشؤومة سنة 1993 ولم تلتزم "إسرائيل" بأيّ بند من بنودها، ومروراً بالانتفاضة الثانية "الأقصى" عام 2000، وصولاً لطوفان الأقصى.
وهذا يدفعنا إلى مناقشة أوجه الشبه في المواقف الأميركية والعربية من انتفاضة الأقصى ومعركة طوفان الأقصى، ممّا يقودنا إلى السؤال الرئيس، هل سيكون مصير التضحيات الجسام في معركة طوفان الأقصى كمصير الانتفاضات السابقة نفسها؟
وبناء على ذلك، لا بدّ لنا من تناول سبب الانتفاضة الثانية وكيف تمّ التحايل على تضحيات الشعب الفلسطيني في قمة بيروت العربية سنة 2002، التي لم يلتزم بها من وقّعوا عليها وذهبوا للتطبيع مع "إسرائيل" قبل الحل السلمي للقضية الفلسطينية، فقد عاد الرئيس ياسر عرفات من كامب ديفيد خالي الوفاض تماماً، بعد رفضه التنازل عن القدس واللاجئين وحقّ العودة، ما دفعه لدعم انتفاضة الأقصى، على أثر زيارة أرئيل شارون الاستفزازية لساحات المسجد الأقصى المبارك.
عمدت "إسرائيل" خلال الانتفاضة إلى استهداف الشعب الفلسطيني عبر القتل والاعتقال والهدم والحصار والاغتيال، كما طال العدوان مؤسسات السلطة من خلال تدمير البنية التحتية للسلطة. وقد حظيت انتفاضة الأقصى في البداية بدعم سري من الرئيس عرفات، فقد أيّد وموّل العمل المسلّح، بسبب قناعته بأن الأمور لا يمكن حلّها مع "إسرائيل" إلا عبر القوة، كما تحالف مع حركة حماس، إلى جانب باقي الفصائل الأخرى، مما فتح المجال لممارسة العمل المقاوم لجميع الفصائل من أوسع أبوابه.
لقد تعرّض الرئيس عرفات في قمة كامب ديفيد لمؤامرة مزدوجة من قبل بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، فقد كان الهدف من القمة هو الضغط على الرئيس عرفات للقبول بالإملاءات والشروط الإسرائيلية التي حدّدها باراك مسبقاً، إلا أن الرئيس عرفات لم يتراجع عن موقفه فيما يتعلق بالسيادة على مدينة القدس.
إن فشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بسبب رفض الرئيس عرفات التنازل عن القدس، أدى إلى تغيير السياسة الأميركية والأوروبية والعربية تجاهه، فبدأت محاصرة الرئيس عرفات، الذي أدرك حينها أن راعي السلام الأميركي لم يكن طرفاً محايداً، وأن القمة لم تكن سوى مؤامرة، وتأكّد بأنه كان على صواب برفضه للاقتراحات الإسرائيلية، واطمأن إلى هذه القناعة أكثر حين خرجت مظاهرات التأييد الحاشدة، والتي عبّرت عن أضخم دعم شعبي له.
وبعد فشل القمة قامت كل من أميركا وأوروبا بقطع علاقتهما بالرئيس عرفات والسلطة، وفرض حصار اقتصادي عليها، كما وجّه كلينتون تحذيراً شديد اللهجة للرئيس، بأن واشنطن سوف تعيد النظر في العلاقات الثنائية مع السلطة، كما مارست عدد من الدول العربية ضغوطاً على السلطة ورئيسها، فخلال حصاره في رام الله لم يزره أحد من الرؤساء العرب، ولم يهاتفه إلا واحد أو اثنان خلال أربع سنوات.
لقد حدّدت الدول العربية موقفها من القضايا المطروحة لحلّ القضية الفلسطينية من خلال القمة العربية التي عقدت في بيروت في 27 آذار/مارس 2002، لمواجهة التصعيد العسكري الإسرائيلي لحكومة أرئيل شارون ضد الشعب الفلسطيني، وقد تغيّب الرئيس عرفات عنها بسبب الحصار الإسرائيلي، ولم يتح له العرب المجال لإلقاء كلمته في القمة من مكتبه في رام الله كما كان مقرّراً، وهذا يدلل على أن غالبية القادة العرب كانوا موافقين على حصار الرئيس وعقابه على موقفه في كامب ديفيد.
إن السياسات الأميركية والإسرائيلية نجحت في تحويل حلّ الصراع من الداخل الفلسطيني إلى الخارج العربي، حيث تزايدت وتيرة التطبيع من قبل الدول العربية مع "إسرائيل". ومن شأن ذلك قبول "إسرائيل" في محيطها العربي قبل إنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ما يعني تهميش القضية الفلسطينية.
أما في عهد الرئيس دونالد ترامب، فيؤكد الموقف العربي الرسمي تجاه قراره باعتبار القدس عاصمة "دولة" الاحتلال ونقل السفارة الأميركية إليها، بأن علاقاتهم مع "إسرائيل" أهم من المقدّسات الإسلامية ومن القضية الفلسطينية.
فردود الفعل الرسمية على القرار لم تصل لمستوى الشجب والاستنكار، فاجتماع رؤساء الدول العربية والإسلامية في قمة إسطنبول لم ينتج عنه حتى قرار واحد على المستوى الرسمي، يؤكد رفض هذه الدول المجتمعة لقرار ترامب، فعلى سبيل المثال لم يتم قطع العلاقات مع "إسرائيل" وأميركا، أو سحب سفرائهم أو حتى طرد السفراء الإسرائيليين والأميركيين من بلادهم. إضافة إلى أن بعض الدول العربية كانت متواطئة مع هذا القرار، وتريد منع أيّ حراك ضده، وتمّ التطبيع مع "إسرائيل".
وبالطريقة والأدوات القديمة نفسها لكن مع انحياز أكبر لـ "إسرائيل" وعداء واضح للشعب الفلسطيني من قبل أميركا، والذي تعرّى بعد معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر2023، الذي جاء نتاج الفشل المتعمّد والمستمر بإيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية، بل تعمّدت الإدارة الأميركية تصفية القضية من خلال الاعتراف بحقّ "إسرائيل" في القدس واعتبارها عاصمة "إسرائيل"، وإجبار الدول العربية على التطبيع قبل إحلال "السلام الفلسطيني الإسرائيلي"، وهذا يتبدّى في سياسة الإدارة الأميركية القديمة الجديدة.
ويتجلّى ذلك في جولة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن للشرق الأوسط، التي استهلّها بزيارة تركيا ثم الأردن وقطر والإمارات والسعودية، ووصل إلى الأراضي المحتلة، ومصر، والضفة الغربية، في السادس من كانون الثاني/يناير 2024، حيث قال بلينكن إن "السعودية والأردن وقطر والإمارات وتركيا ستبحث المشاركة في (اليوم التالي) للحرب بغزة".
وقال بلينكن: "وجدت في كل مكان ذهبت إليه قادة مصمّمين على منع اتساع دائرة الصراع"، مشيراً إلى أن زعماء تركيا والأردن وقطر والإمارات والسعودية اتفقوا على بذل الجهود لمساعدة غزة في الاستقرار والتعافي ورسم مسار سياسي مستقبلي. مضيفاً: "زعماء تلك الدول مستعدون لتقديم الالتزامات اللازمة لاتخاذ القرارات الصعبة وتحقيق كل هذه الأهداف"، وعرض الالتزامات العربية على نتنياهو ومجلس حربه والرئيسين الفلسطيني والمصري.
ويلاحظ أن بعض الدول العربية تعمل على تهميش النصر للمقاومة في القطاع، وهذه الدول بالتعاون مع الإدارة الأميركية التي يمثّلها بلينكن، الذي قام منذ السابع من أكتوبر وحتى كتابة المقالة بخمس زيارات مكوكية للمنطقة في ظل دعمه الكامل والواضح والسافر والوقح لـ "إسرائيل"، حيث صرّح خلال زيارته إلى الأراضي المحتلة في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2024، "بأن إدارة الكونغرس تعمل للتأكّد من أن احتياجات "إسرائيل" الدفاعية المتزايدة تُلبّى"، موضحاً بأنه لم يأتِ إلى "إسرائيل" كونه وزيراً للخارجية فقط؛ ولكن بصفته يهودياً.
وفي إحدى زيارته التضامنية لـ "إسرائيل" بعد عملية "طوفان الأقصى"، قال إن زيارته تحمل رسالة مفادها، أنهم سيكونون دائماً موجودين إلى جانب الإسرائيليين، وليسوا مضطرّين للدفاع عن أنفسهم بمفردهم، على حد قوله.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن بلينكين طالب "إسرائيل" على مدار أكثر من ثلاثة شهور بتحويل أموال الضرائب للسلطة، إلا أن وزير المالية سموترتيش رفض تحويلها للسلطة، وهذا يوضح بشكل جلي أن بلينكن لم يستطع إجبار "إسرائيل" على الإفراج عن أموال الفلسطينيين المحجوزة، فكيف به أن يحقّق تصريحاته في إقامة دولة فلسطينية. وهذا يتمثّل في بيع الوهم للشعب الفلسطيني، فكل ما سبق من بداية أوسلو وحتى اليوم يؤكد كلّ ما ذهبنا إليه من تحايل على تضحيات الشعب الفلسطيني.
وعلى المنوال نفسه، طالب بلينكن، خلال اجتماعه بحكومة الحرب الإسرائيلية، بضرورة بلورة آلية لعودة النازحين الفلسطينيين إلى مناطقهم في شمال غزة، فيما تمسّكت "إسرائيل" بربط ذلك بالوصول إلى صفقة تبادل جديدة مع حماس، حيث تركّز مسار بلينكن لما بعد الحرب الإسرائيلية على تمكين إقامة دولة فلسطينية واندماج "إسرائيل" أكثر في محيطها، وشدّد على ضرورة تكثيف إدخال المساعدات الإنسانية لغزة على الفور، ولكنّ نتنياهو ومسؤولي حكومته أبلغوا بلينكن بأنهم لن يسمحوا الآن بعودة النازحين إلى شمال القطاع، كونها مسألة مشروطة بإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في غزة.
وعلى المستوى العربي في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، تمّ عقد قمة طارئة لوقف العدوان على الشعب الفلسطيني، إلا أن العدوان ما زال مستمراً بعد أكثر من شهرين من الاجتماع، ولأول مرة منذ بدء الحرب مع حلول اليوم الـ 95 تمّ عقد قمة أردنية مصرية فلسطينية بعد شهرين من انعقاد القمة العربية، تهدف للعمل على دفع وتكثيف الجهود الرامية لإنقاذ أهالي القطاع، ووقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية، حيث جاءت القمة لتشدّد على إدخال المساعدات، وكأن معبر رفح ليس تحت السيادة المصرية!
لقد طالب بلينكن، الرئيس عباس، في 10 كانون الثاني/يناير2024، بإجراء إصلاحات في الحكم، وأكدت مصادر أن الاجتماع "كان متوتراً وشابه تلاسن ومناكفات"، وطالب الرئيس من بلينكن الضغط للإفراج عن أموال الضرائب الفلسطينية، وقال الفلسطينيون لبلينكن إنه "إذا لم يكن عندكم القدرة على تحرير الأموال، فكيف ستكون عندكم القدرة للضغط على إسرائيل وتحقيق السلام والدولة الفلسطينية"؟!.
وعقب اللقاء، صرّح المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أنّ بلينكن أكد موقف واشنطن الثابت على وجوب قيام دولة فلسطينية إلى جانب "إسرائيل والعيش في سلام وأمن". فالدولة بالمفهوم الأميركي لا تعني التحرير، فالخلاص من الاحتلال يسبق قيام الدولة.
بلينكن أتى بخطة وبموافقة كل من تركيا والأردن والسعودية وقطر والإمارات من أجل تحقيق المطالب الإسرائيلية، ويريد فرضها على عباس ومصر والتي تتمحور حول إحضار قوات متعددة الجنسيات إسلامية وعربية عمادها الجيش التركي للقطاع، وتشكيل حكومة فلسطينية من المستقلين، وإعمار القطاع من قبل الدول الخليجية، وتنفيذ صفقة تبادل للأسرى، مقابل إغراء نتنياهو لإيجاد مخرج له من خلال التطبيع مع السعودية، وفي حال تم هذا المخطط الأميركي، ستحقّق "إسرائيل" جميع أهدافها، ويبدو أن مهمة القوات متعددة الجنسيات التركية والعربية هو تحجيم المقاومة وحفظ أمن "إسرائيل".
وأبلغ بلينكن المسؤولين الإسرائيليين، بأنه "من المستحيل القضاء على حماس بشكل كامل"، وطرح خلال اجتماعه في مجلس الحرب طلب الولايات المتحدة تطبيق حل الدولتين بصفته رؤية لـ "اليوم التالي" ـــــ انتهاء ـــــ للحرب في غزة. وقال بلينكن للوزراء: "مثلما لديكم طموحات، الفلسطينيون لديهم أيضاً طموحات. عليكم قبول ذلك". وقال مسؤولون إسرائيليون إن رسالة بلينكن كانت "أنه إذا لم يُطرح حلّ الدولتين بوصفه رؤية، فإن إسرائيل لن تتقدّم سياسياً، ولا حتى (في ملف التطبيع) مع السعودية".
أعتقد أن البعض العربي يبذل كل الجهود للضغط على حركة حماس في سبيل خدمة الأميركي، لتهميش واحتواء النصر الفلسطيني وإظهار نتنياهو أنه حقّق النصر، وتحت عناوين تجنّب المزيد من الدمار والإبادة، يعني استغلال الوضع في غزة لتحقيق ما لم يستطع تحقيقه العدو في الميدان.
فهناك سابقة للعرب من خلال الدور الأساسي في تمويل تدمير العديد من الدول العربية وباعتراف رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم، فمن دعم التدمير خدمة للأميركي فلا مانع لديه من تقديم طروحات تخدم الأميركي من جديد، خاصة بعد السابع من أكتوبر الذي أنهى كل المحاولات العربية لتدجين حركة حماس، ولعل قمة بيروت ما زالت ماثلة أمام الشعب الفلسطيني وكيف ذهب العرب للتطبيع مع "إسرائيل" قبل تطبيق حتى بنود القمة نفسها، وستكون هناك قمة أو اجتماع عربي مستقبلي لإحباط واحتواء النصر الفلسطيني.
إنّ التقدّم من قبل جنوب أفريقيا بالدعوى ضد "إسرائيل" في11- 12 كانون الثاني/يناير2024، وعدم تقدّم أي دولة عربية بالدعوى نفسها يوضح الموقف العربي من القضية الفلسطينية، وأن تدخّل العرب لا ينصبّ في مصلحة الشعب الفلسطيني، ولكن يجب الحذر من التحرّك الأميركي العربي ما بعد المحكمة لإيجاد محاولات جديدة لسحب الأوراق الرابحة من أيادي الشعب الفلسطيني من خلال الخدعة الأميركية العربية المتمثّلة في الحلول المطروحة، وفي مقدّمتها الدولة بالمفهوم الأميركي، وهذا ما يؤكده تصريح أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب في مقابلة خاصة مع العربي في 11 كانون الثاني/يناير 2024، "أنّ هناك أطرافاً إقليمية ترفض قيام دولة فلسطينية، ولن يتمكّن أحد من فرض أي إملاءات علينا"، وهذا يؤكّد ما ذهبنا إليه بأن هناك العديد من الدول العربية تعمل على عدم قطف ثمار التضحيات الهائلة للشعب الفلسطيني إرضاء لأميركا و"إسرائيل".
وفي المحصلة النهائية، لقد أرادت كلّ من "إسرائيل" والولايات المتحدة من الرئيس عرفات أن ينهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال التنازل عن القضايا التي تمّ تأجيلها خلال اتفاق أوسلو ـــــ القدس واللاجئين والحدود والسيادة ـــــ وبعد رفض الرئيس التنازل عنها في كامب ديفيد، تمّت تصفيته.
فكلّ من قمة كامب ديفيد الثانية، والانتفاضة الثانية، واستشهاد الرئيس عرفات، وصفقة القرن، وقضية الأسرى، ومعركة طوفان الأقصى جميعها أحداث مترابطة ومتشابكة كحلقات السلسلة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، فكل منها كان نتيجة لما قبلها.
أما بخصوص الموقف الأميركي فهو نفسه الموقف الإسرائيلي من جميع القضايا المركزية الخلافية، فالموقف الأميركي نابع من الضغط على الفلسطينيين للقبول بما تطرحه "إسرائيل" وهذا ما عبّر عنه كلينتون، وما جسّده دونالد ترامب بمنح القدس لـ "إسرائيل" ونقل السفارة الأميركية للقدس، واستهداف قضية اللاجئين وغيرها من القضايا المصيرية.
ولعل الدعم اللامحدود والمشاركة في حرب الإبادة على القطاع من قبل الرئيس جو بايدن، يؤكد أن الموقف الأميركي هو الموقف الإسرائيلي، أما بالنسبة للموقف العربي فهو موقف خانع ومنفّذ للمطالب الأميركية التي تنصّ على عدم حصول الشعب الفلسطيني على أبسط حقوقه، أما الموقف الفلسطيني الرسمي في السابق فهو متمسّك بالثوابت الوطنية التي دفع ثمنها الرئيس عرفات، وتمّ التخلّص منه عبر تسميمه ومن ثم استشهاده في 11 تشرين الثاني/نوفمبر2004، أما الموقف الرسمي الحالي فهو ضعيف ومتمسّك باتفاقيات أوسلو والتي قد عفا عليها الزمن.
إلا أن قيادة المقاومة وبالتحديد بعد السابع من أكتوبر جادة في تحرير الأسرى وإحداث تغييرات جذرية بمصير القضية الفلسطينية نحو الخلاص من الحصار والاحتلال.
وفي النهاية ينطبق على فلسطين قول كارل ماركس إن "التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة، وفي المرة الثانية كمهزلة"؛ فالمرة الأولى تتمثّل في حجم التضحية والشهداء والدمار ومعاناة الشعب، والمرة الثانية تتمثّل في الوعود الكاذبة واحتواء الانتفاضات والثورات الفلسطينية من قبل بعض الدول العربية التي تعمل على إرضاء السادة في البيت الأبيض.