محور المقاومة وعملية طوفان الأقصى
قدّم العديد من المحللين الإسرائيليين والأميركيين رأيهم في خطاب الأمين العام للمقاومة اللبنانية، كونه "خطاباً عقلانياً، وحكيماً دقيقاً في الحرب النفسية وقواعد الاشتباك".
بعد متابعتنا لخطاب الأمين العام لحركة المقاومة الإسلامية في لبنان "حزب الله" يوم الجمعة الماضي، وبعد حديثه عن استقلالية قرار معركة "طوفان الأقصى" لدى كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، تبادر لدى أذهان المتابعين ما كان يتحجج به أعداء هذه الحركة منذ أكثر من عقدين من الزمن، كونها فصيلاً إيرانياً في فلسطين وكون تسليحها وتدريبها وتمويلها يأتي من إيران، كما تبادر لدى أنصار هذا المحور إجمالاً أن إيران تقدّم دعماً غير مشروط لحركات المقاومة في المنطقة، فبالرغم من عدم استشارة الحركة لإيران أو لأي حركة مقاومة في الشرق الوسط لدى تنفيذها للعملية، فقد شاركت منذ اليوم الثاني بقية الحركات الأخرى على غرار حزب الله اللبناني أو حركة أنصار الله "الحوثيين" في اليمن أو فصائل المقاومة في العراق.
كانت مشاركة حزب الله منذ البداية وفق قواعد الاشتباك المعروفة منذ نهاية حرب لبنان 2006، ثم تصاعدت هذه العمليات بشكل تدريجي إلى أن كُسِرت هذه القواعد من خلال قيام بعض الحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية الأخرى في هذه العمليات انطلاقاً من جنوب لبنان، وهي سابقة لم تشهدها هذه المنطقة بهذه الكمية والنوعية من الاستهداف، كما اقتصرت عمليات الحزب باستهداف أبراج المراقبة والتجسس لدى جيش الاحتلال، وكذا استهداف ثكنات ومناطق عسكرية ومجنّدين صهاينة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا ومناطق في شمال الجليل الفلسطيني المحتل.
ويأخذ معارضو هذا المحور منذ البداية على الإيرانيين وعلى حزب الله عدم دخولهم في حرب كبرى في المنطقة ضد "إسرائيل"، ولم يأخذوا عنصر المفاجأة الذي عاشه هذا المحور من عمليات 7 أكتوبر في غلاف غزة بعين الاعتبار، فكيف تدخل هذه الدول وهذه الحركات في حرب شاملة مع الكيان الصهيوني وهي لا تعي معطيات الميدان، وتحذر من إمكانية الاستدراج وتتفادى تكرار أخطاء بعض الدول في الماضي التي دخلت في حروب إقليمية عادت عليها بعواقب استراتيجية وخيمة، ونذكر من هذه التجارب الحرب العراقية الإيرانية "حرب الثماني سنوات" التي خاضها صدام ضد إيران بداية الثمانينيات، أو غزوه للكويت بداية التسعينيات، أو تجربة الحرب الليبية التشادية التي خاضها معمر القذافي نهاية الثمانينيات...
وقد اتسمت مثل هذه الحروب بالعشوائية في اتخاذ القرارات من ناحية اتخاذها أو صنع القرار تجاهها، فمتخذ القرار لم يدرك جلّ معطيات الساحة، وبناءً على قاعدة "غير إدراكية" أو "غامضة استراتيجياً أو تكتيكياً" اتخذ صانع القرار فيها قرار الحرب، مما أدى إما إلى استنزاف قدراته العسكرية والبشرية، أو إضعاف دولته مما سهّل فيما بعد إسقاطه، ويبقى النموذج العراقي أفضل نموذج يُستدلُّ به على ذلك إقليمياً.
كما توجد العديد من الأمثلة تاريخياً في مناطق أخرى في العالم كأزمة "خليج الخنازير"، التي وقع صانع القرار الأميركي فيها في أخطاء استراتيجية كلّفته تقديم التنازلات للاتحاد السوفياتي، بسبب نقص الإدراك أو الإلمام بحيثيات المواجهة وضعف التقدير التقني والاستراتيجي لهذه العملية.
وطبقاً لما سبق ذكره من أمثلة وتجارب تاريخية، يمكننا تحليل خطاب الأمين العام لحزب الله، أو القرار الإيراني أيضاً بعدم الدخول في حرب شاملة، يعود لمعطيات استراتيجية كبرى تحول دون اتخاذ مثل هكذا قرارات استراتيجية.
ويبقى القرار العقلاني سيد المواقف من خلال الحفاظ على قواعد الاشتباك الحالية من خلال استهداف نوعيّ من وراء الحدود، وإشغال "جيش" الاحتلال باستدراج ثلثه نحو الحدود الشمالية لتخفيف الضغط عن حلفائهم في غزة، وكذا استدراج البوارج والأساطيل البحرية الأميركية والغربية نحو الواجهة البحرية اللبنانية، وإيهام العدو مبدئياً بأن حزب الله قد يدخل في حرب شاملة مع حلفائه العراقيين واليمنيين وحتى السوريين في الجبهة الشمالية وإبقاء هذا التهديد قائماً فعلاً، وتتحكّم فيه مسارات المعارك في غزة والاستهداف الذي يتعرّض له لبنان.
وقد قدّم العديد من المحللين الإسرائيليين والأميركيين رأيهم في خطاب الأمين العام للمقاومة اللبنانية، كونه "خطاباً عقلانياً، وحكيماً دقيقاً في الحرب النفسية وقواعد الاشتباك، واتخاذ المبادرة بحرب شاملة في حال حدوث أي تطورات في الجبهة الجنوبية من الحرب، أو في حال أي حرب مفروضة على لبنان".
وكان الحزب قد دخل الحرب بشكل فعلي في الشمال بتصعيد تدريجي للعمليات العسكرية التي خلّفت المئات من القتلى والجرحى، وباستهداف نوعيّ للقواعد العسكرية والأمنية والتقنية الإسرائيلية، وهو ما يمكننا توصيفه "بالدور المساند لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة".
إذاً فخلاصة الكلام أن قرار الدخول في حرب شاملة بشكل مفاجئ لدول وحركات محور المقاومة إجمالاً في الظروف الحالية مستبعد، فمسار المعارك في غزة وغلافها، ومساندة بعض الحركات المقاومة في لبنان، والعراق، واليمن، سيفضي قريباً إلى انتصار مدوٍّ لكتائب القسام في مواجهة "جيش" الاحتلال، التي ستشكر في نهاية هذه الحرب كل فواعل المحور على مساندتهم بطرق مختلفة، وسيردون على "المرتجفين" من بقية الدول العربية والحركات الأخرى الذين كانوا في موقع المتفرج أو الناقد لعمل محور المقاومة من دون إدراك لحيثيات الساحة الإقليمية والدولية، التي تنتظر تدخّل العديد من الفواعل في دعمهم للقسام وبقية الفصائل لتستجلب الشرعية لإكمال مشاريعها الاستراتيجية في تهجير أهالي غزة والضفة، وحلّ القضية الفلسطينية نهائياً على هذا الأساس.
أما الحديث عن حرب إقليمية بالنسبة لمحور المقاومة فلن يكون محدوداً، والمخططات سارية نحو التجهيز والتنفيذ في القريب، وما حرب غزة إلا مقدمة قد تنزلق في أي وقت نحو الدخول في حرب إقليمية أو دولية شاملة، أو قد تحقّق انتصاراً أولاً في هذا السياق العام الذي يسعى فيه محور المقاومة لاستنزاف قدرات العدو والحصول على المعرفة والإدراك الاستراتيجي لحدود قدرات العدو للقيام بحرب كبرى في ظرف خمس سنوات مقبلة، وهذا توقّع شخصي في ظل ما تشهده ميادين القتال والجبهات والمواقف الدولية والإقليمية حالياً.