محطّات المواجهة بين الشّعب البحريني والسّلطة
أدى تزايد التدخل البريطاني في الشؤون الداخلية البحرينية، واستمرار العقلية المتسلطة من قبل آل خليفة، إلى تزايد الوعي السياسي وسط المواطنين.
على الرغم من الممارسات القمعية والتعسفية التي تمارسها الدولة البحرينية ضد أبناء شعبها، فإن الشعب البحريني لم يكفّ عن الانتفاض في مراحل مختلفة ضد أي قرار لا يتماشى مع هوية المجتمع وأخلاقه. نضال الشعب البحريني على سلطات بلاده قديم قدم آل خليفة في البحرين، إذ لم يقبل بالأمس التخاذل مع البريطاني، ولا يقبل اليوم التطبيع مع الصهيوني.
كان أسلاف الأسرة الحاكمة الحالية في البحرين، آل خليفة، من بين القبائل البدوية والمعروفة مجتمعة باسم بني عتبة/العتوب، الذين هاجروا من وسط الجزيرة العربية إلى الكويت، ثم قطر، وبعدها البحرين.
انتقل رجال قبائل العتوب في العام 1782 إلى جزر البحرين، ثم خضعوا لسيطرة الفرس من خلال حاكم عماني. حاول العمانيون والفرس طرد العتوب من المنطقة في العام 1783، لكنهم فشلوا في ذلك، والنتيجة كانت حصول عشيرة آل خليفة على السيادة في البحرين. ومن الجدير ذكره، أن المد القومي لم يكن طاغياً في تلك الحقبة، أي لا يمكننا أن نقول إن آل خليفة خاضوا معركة تحرر وطني ضد الفرس.
في تلك الفترة، كانت بريطانيا تسعى للسيطرة على طرق التجارة الهندية. لذا، أبرمت في القرن التاسع عشر العديد من المعاهدات مع زعماء القبائل على طول الخليج العربي، وأولها كانت المعاهدة البحرية العامة للعام 1820 (المعاهدة العامة لوقف النهب والقرصنة عن طريق البر والبحر)، والتي على أثرها اعترفت بريطانيا بآل خليفة بصفتهم الحكام الشرعيين للبحرين، وتلتها اتفاقية "الهدنة الدائمة للسلام والصداقة"، التي جعلت البحرين محمية بريطانية في العام 1861، إذ أدت هذه الاتفاقية إلى سيطرة بريطانيا على السياسة الخارجية البحرينية، مقابل حماية الحكومة من العدوان الخارجي.
في العام 1869، نَصب المقيم السياسي في بوشهر (الواقعة في جنوب إيران)، لويس بيلي (مسؤول بريطاني مهمته تنظيم علاقات الحكومة البريطانية في الدولة التي يعين فيها) عيسى بن علي آل خليفة حاكماً جديداً للبحرين. قام عيسى بتوزيع البحرين على أفراد عائلته، وأصبح كل واحد فيهم حاكماً في منطقته، وجعلوا أهالي المناطق خدماً للأمراء وحاشيتهم.
من جهة أخرى، برزت ظاهرة الفداوية خلال حكم عيسى بن علي، والفداوية هم أشخاص مرتبطون بالشيوخ، سواء كانوا حلفاءهم من أبناء القبائل أو عبيدهم، إذ اعتبر الفداوية الشيوخ أولياء نعمتهم. لذا، رسخوا أنفسهم لحمايتهم.
إلى جانب ذلك، كانوا، ومن دون أي رادع، يهجمون على القرى، ويسلبون كل ما تقع عليه أعينهم وأيديهم. وإضافة إلى مصطلح الفداوية، كان الأهالي يسمون هذه المجموعة "الدكاكة"، لأنهم كانوا يدكون البيوت، وينفذون قرصنتهم في الليل. استمر هذا الوضع إلى ثلاثينيات القرن الماضي، قبل أن تنشب معارك طاحنة بين الفداوية وأهالي القرى، والنتيجة كانت انحدار الفداوية الذين كانوا يجتاحون القرى بالخيول والحمير والبنادق الطويلة (العثمانية).
عزل الشيخ عيسى آل خليفة
جاء في رسالة المعتمد السياسي، الميجر ديلي، إلى الخارجية البريطانية، رقم "S-222" المؤرخة في 11 آذار/مارس 1922، أن ما لا يتوقعه الحاكم حدث في شباط/فبراير 1922، إذ كان أحد "الدكاكة" يختطف مواطناً بحرينياً من إحدى القرى في المنامة، فهاجمته مجموعة من المواطنين لتخليص المخطوف.
وباعتراف المعتمد السياسي، فإن الاعتقال كان بلا سبب، مضيفاً أنه تم تعذيب المختطف بالضرب الشديد. من جهة أخرى، قام بعض المواطنين بإضراب عام في سوق المنامة، ولزموا بيوتهم، فيما قام البعض الآخر بالتظاهر ضد التعسف السلطوي.
أثارت هذه الأحداث قلق حكومة الشيخ عيسى، ما جعله يلجأ إلى المعتمد البريطاني ليستشيره في ما يفعله. وقدم المواطنون مجموعة من المطالب الإصلاحية للسلطة والمعتمد البريطاني. وبخصوصها، كتب نائب الملك البريطاني ديلي رسالة إلى وزير الخارجية في حكومة الهند البريطانية في لندن بتاريخ 17 نيسان/أبريل 1923، رقم ""S475، قال فيها:
"إننا نوافق على إدخال إصلاحات إدارية ومالية في البحرين ضمن الخطوط العامة التي رسمها المقيم، لأن سوء الحكم وصل إلى الحضيض... ونعتقد أنه يمكن حمل الشيخ على القيام بذلك، فيما إذا شُرح له بوضوح بأن رعاياه مُنعوا حتى الآن من الثورة عليه بسبب حمايتنا له وحدها، ونحن سوف ندعمه في القيام بالإصلاحات إذا أدخلها الآن. وفي حال فشله، فإننا مصممون على إدخالها بأنفسنا، حتى لو تطلب ذلك عزله بالقوة".
بالفعل، قام البريطانيون بعزل الشيخ عيسى في العام 1923، ونُصب ابنه الأكبر حمد أميراً للبلاد، وبلغت القوة البريطانية في تلك الفترة ذروتها في الخليج على وجه العموم، والبحرين على وجه الخصوص.
مرحلة تشارلز دي بلغريف
خصص البريطانيون جزءاً من إيرادات النفط الذي تم العثور عليه في جبل الدخان في العام 1932 لبناء إدارة استعمارية بُنيت عليها دولة البحرين الحديثة. وقبل اكتشاف النفط بنحو 6 سنوات، أي في العام 1926، كانت الحكومة البريطانية في الهند عينت المستشار البريطاني دي بلغريف في العام 1926 "سكرتيراً شخصياً" لحمد بن عيسى آل خليفة، وذلك لتعزيز السيطرة البريطانية على الشؤون الداخلية البحرينية.
وكان بلغريف هو الحاكم الفعلي للبحرين لمدة تصل إلى 30 عاماً، إذ أرسى وأسّس إدارة دولة البحرين الحديثة والبنية التحتية المادية وجهاز الأمن، وذلك من خلال إنشاء قوة شرطة ونفي المعارضين السياسيين إلى الهند. ورسم البريطانيون أيضاً مخططاً للنظام السياسي القمعي الذي سيعتمد عليه حكام آل خليفة بعد الاستقلال.
الحركات العمالية والطلابية
أدى تزايد التدخل البريطاني في الشؤون الداخلية البحرينية، واستمرار العقلية المتسلطة من قبل آل خليفة، إلى تزايد الوعي السياسي وسط المواطنين، وبدأت الحركات الطلابية والسياسية والعمالية بالظهور في مطلع الثلاثينيات. أطاحت الحركة الوطنية بلغريف في العام 1957، واضطر إلى مغادرة البحرين، بعد أن أصبح هدفاً ومحوراً أساسياً للتظاهرات العربية القومية المناهضة للاستعمار البريطاني.
وظهرت الطبقة العاملة في البحرين بعد اكتشاف النفط في العام 1932، والذي يعتبر أول اكتشاف للنفط في الخليج. عَملت هذه الطبقة في شركة نفط البحرين "بابكو"، المُدارة من قبل الاستعمار البريطاني حينها. وبظهور الطبقة العاملة، اندمج أبناء المجتمع البحريني، وبكل طوائفه، في نسيج وطني واجتماعي واحد، مشكلاً صراعاً طبقياً أمام استغلال المستعمر والطبقة الحاكمة. حينها، طالب العمال بإصلاحات سياسية وتشكيل نقابة عمالية في البلاد، ووزعوا منشورات تندد بسياسة شركة "بابكو" والمستعمر البريطاني، وذلك من قبل رابطة وطنية معارضة لوجود الأجنبي في البلاد.
تحولت التنديدات إلى احتجاجات عمت البحرين، ما أدى إلى اعتقال البعض، ونفي الآخر إلى الهند من قبل البريطانيين. وبعد مرور 9 أعوام على اكتشاف النفط، أي في العام 1948، نشأ الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين بمساعدة المستعمر البريطاني، ما أثار غضب الجماهير البحرينية، فخرجوا إلى الشوارع غاضبين ومنددين بقيام الكيان الصهيوني وبالاستعمار البريطاني، فأشعلوا النيران في المنشآت التابعة لشركة "بباكو" والبيوت الخاصة بالبريطانيين.
هيئة الاتحاد الوطني
كادت أن تشتعل فتنة طائفية في العام 1953 في البحرين، عندما اعتدى بعض المندسين الذين يقال إنَّ وراءهم واحداً من أفراد الأسرة الحاكمة على موكب عزاء في المنامة، لكن استطاع بعض عقلاء البحرين السيطرة على الوضع، واجتمعوا بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر 1954، ليعلنوا تشكيل هيئة الاتحاد الوطني، والتي تكونت من 120 شخصية بحرينية من مختلف الطوائف، وكانت بعض القيادات في الهيئة تؤمن بالفكر الناصري، وهذا يعود إلى تأثير ثورة تموز/يوليو 1952 في مصر.
اعترف البريطانيون والسلطة البحرينية بهيئة الاتحاد الوطنية كحزب سياسي، فنشطت الهيئة، وقادت الجماهير البحرينية في العديد من التظاهرات والاعتصامات، ورفعت العديد من المطالب الوطنية التي كان من أهمها تأسيس مجلس تشريعي، والسماح بتشكيل نقابة عمالية، وتأسيس محكمة عليا للنقض، وتأسيس مجلس عسكري.
تزامناً مع الأحداث الجارية في مصر، بين العامين 1954 و1956، خرجت الجماهير البحرينية في تظاهرات تنديداً بالعدوان الثلاثي، فاستغل الاستعمار البريطاني بمشاركة السلطة الحاكمة التظاهرات المناهضة للعدوان، ما أدى إلى القضاء على هيئة الاتحاد الوطني، وذلك باعتقال قادتها أو نفيهم إلى جزيرة سانت هيلانة في المحيط الهندي.
مرحلة الأحزاب السرية
تأسست الأحزاب السرية في البحرين بعد أن تم إجهاض هيئة الاتحاد الوطني في العام 1956، وهي تختلف عن الهيئة من حيث المنظومة الفكرية والسياسية، وكانت جبهة التحرير الوطني البحرينية أولى الأحزاب السرية التي تأسست في العام 1955، وكان مؤسسوها من العمال والشباب المثقفين المؤمنين بأفكار الطبقة العاملة - الفكر الماركسي -وهي أول حزب تقدمي في البحرين والخليج العربي قاطبة.
طرحت جبهة التحرير الوطني البحرينية أول برنامج سياسي تحت عنوان "الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والسلم والتقدم الاجتماعي". ومنذ العام 1957 حتى تسعينيات القرن الماضي، تعرّض أعضاء الجبهة ومناصروها لحملات اعتقالات واسعة. ويعد حزب البعث العربي الاشتراكي ثاني حزب سياسي يتأسّس في البحرين في العام 1958. وقد جاء بعده بعام الجبهة الشعبية لتحرير البحرين، والتي تعود إلى حركة القوميين العرب.
الإضراب العمالي
انطلقت أول انتفاضة شعبية يتلاحم فيها الشارع السياسي في البحرين من دون فرقة مذهبية أو طائفية أو حتى أيدولوجية في آذار/مارس 1965، عندما قررت شركة "بابكو" الاستغناء عن 1500 عامل على دفعات، وذلك بحجة استبدال آلات حديثة بهم، قد تكون قدرتها على الإنتاج أفضل من العمال، ما أدى إلى إضراب العمال بعد فصل أول 450 عامل في الشركة، وخرج الطلاب في الشوارع دعماً لهم.
واندلعت اشتباكات في باحة مدرسة للبنين في المنامة، إذ أدخلت السلطات البحرينية بأمر من الضباط البريطانيين مجموعة من الخيالة إلى ساحة المدرسة، وانهالوا بالضرب على الطلبة باستخدام الهراوات. وعند خروجهم، استمروا بإلقاء مسيلات الدموع من خارج الجدران.
دعمت القوى السياسية الإضراب العمالي، وملأت التظاهرات شوارع المنامة والمحرق وغالبية القرى البحرينية بقيادة القوى السياسية، وخصوصاً القومية (الناصرية) منها. وفي حين كانت التظاهرات تعم الشوارع، حلقت مروحيات بريطانية كتب عليها "شرطة البحرين" فوق المتظاهرين لتمطرهم بالغاز المسيل للدموع، ما جعل الأهالي في المحرق (بلد الثورة والمقاومة) يفتحون بيوتهم كمستشفى ميداني، ليتلقى المتظاهرون الإسعافات جراء استنشاقهم الغاز. كما تعاملت قوات الشرطة بقسوة مع المتظاهرين، فسقط العديد من الجرحى، وقُتل ما يقارب 13 شخصاً.
وبطبيعة الحال، شاركت القوات البريطانية التي كانت تقود الجهاز الأمني في قمع الانتفاضة الشعبية، إذ طالبت القوى الوطنية التقدمية، أثناء الانتفاضة، ببحرنة جهاز الأمن الذي كان يدار من قبل بريطانيا. أما أفراده، فكانوا من جنسيات مختلفة، وغالبيتهم من غير البحرينيين.
مرحلة ما بعد الاستقلال
استقلت البحرين سياسياً في 16 كانون الأول/ديسمبر 1970. وبمناسبة العيد الوطني الأول للبحرين، أي في العام 1971، أعلن أمير الدولة عيسى بن سلمان آل خليفة رغبة الحكومة في تكليف مجلس الوزراء بوضع مشروع دستور حديث للبلاد. وبعد عدة اجتماعات، تم تقديم مسودة دستورية، ثم أصدر الأمير مرسوماً بقانون رقم 12 للعام 1972 بشأن إنشاء مجلس تأسيسي لإعداد دستور للدولة.
قاطعت أغلب تنظيمات الحركة الوطنية البحرينية الانتخابات، وكان على رأسها جبهة التحرير الوطني البحريني والجبهة الشعبية، إذ جاء نصف أعضاء المجلس بالتعيين، إضافة إلى أنه لم يتم إطلاق سراح المعتقلين الوطنيين من السجون.
على الرغم من إعلان الأمير، فإن الوضع السياسي والعمالي كان متوتراً، إذ قادت اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال البحرين، المكونة من كوادر جبهة التحرير الوطني البحرينية والجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي، في آذار/مارس من العام 1972، العديد من الإضرابات والتظاهرات والاعتصامات المطالبة بتحسين ظروف العمال، إذ جلبت الدولة البحرينية مجموعة من العمال الباكستانيين للعمل في قسم الصيانة في شركة "طيران الخليج"، طالبةً من العمال البحرينيين تدريبهم، ما أثار شكوكهم حول مصيرهم الوظيفي، وأدى إلى إضرابهم في قسم صيانة الطائرات. جدد العمال مطالبهم القديمة، وعلى رأسها إتاحة الفرصة للبحرينيين وتحقيق "بحرنة الوظائف"، ورفضوا تدريب العمال الباكستانيين.
انتشر خبر إضراب عمال شركة الطيران، فاتسع الإضراب ليشمل عمال وزارة الصحة والمنطقة الصناعية وغيرهم، فيما امتد الأمر إلى خروج مسيرات في الشوارع، شارك فيها بعض طلاب المدارس. من جهتها، أرسلت الدولة مجموعة من فرق الشغب لمراقبة الإضرابات والمسيرات، كما كانت تلاحق العمال وتعتقلهم حتى من داخل منازلهم، محاولةً خنق الحراك العمالي.
استخدمت الدولة قنابل مسيلة للدموع، موجهةً بندقيتها إلى صدور العمال بشكل مباشر، وكانت تختلف عن تلك التي تم استخدامها في انتفاضة 1965، إذ إن الأخيرة كانت خانقة جداً وأكثر فعالية. كما استخدمت الدولة أعيرة نارية من بنادق "أف. أن"، واستخدمت الهراوات لتشتيت المتظاهرين، إضافة إلى استعانتها بمجموعة من البدو الذين حضروا من السعودية تحديداً لقمع العمال في شركة "بابكو". ونشطت الاعتقالات العشوائية في الشوارع، وأصبح أعضاء اللجنة التأسيسية ملاحقين، وتم اعتقال معظمهم، واتسعت الاعتقالات لتشمل الطلبة والمدرسين.
برلمان 1973
أصدر الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة، بعد إنجاز الدستور، مرسوماً بشأن انتخاب مجلس وطني في 11 تموز/يوليو 1973. وجرت الانتخابات النيابية الأولى في 7 كانون الأول/ديسمبر 1973، وحقق اليساريون وحلفاؤهم فيها انتصاراً عظيماً، إذ استطاعت كتلة الشعب التي أسستها جبهة التحرير الوطني البحرينية إيصال 8 نواب من أصل 12 مرشحاً لكتلة المجلس، وكان لهم دور كبير في طرح القضايا المهمة التي تعني بحقوق الشعب ومطالبه، من بينها تشكيل النقابات العمالية، والتي شُكل بعضها بالفعل، إضافة إلى الاعتراف بالأول من أيار عيداً رسمياً للعمال.
قانون أمن الدولة
عقد المجلس الوطني أولى جلساته الفعلية في 23 كانون الأول/ديسمبر 1973. وبعد فترة، بدأت الخلافات تنشب بين بعض أعضاء المجلس والحكومة، بسبب قانون أمن الدولة الذي جاء في العام 1974، والذي سُمح فيه للحكومة بسجن الأفراد لمدة تصل إلى 3 سنوات، بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بأمن الدولة، وذلك من دون إجراء أي محاكمة للمتهم.
وجاء لاحقاً مرسوم تقرر فيه إنشاء محاكم أمن الدولة، إضافة إلى تهيئة الظروف المؤاتية لممارسة الاعتقال التعسفي والتعذيب. وكان هناك اعتراضات ساحقة على القانون الذي وصفه بعض أعضاء المجلس بـ"غير الدستوري"، ما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء في 24 آب/أغسطس 1975. وبعد الاستقالة بيومين، صدر مرسوم أميري بحل المجلس الوطني.
فرضت الحكومة البحرينية قانون العقوبات الجديد في العام 1976، والذي ألغى العديد من الحريات المدنية والحقوق السياسية التي كان يضمنها دستور 1973. وجرم القانون مجموعة واسعة من الأنشطة السياسية السلمية، إذ أصبح المواطنون عرضة للتفتيش أو السجن من دون تهمة أو محاكمة، إضافة إلى رصد الاتصالات الهاتفية الخارجية والداخلية للمواطنين والأحزاب السياسية، كما سيطرت الدولة على الصحافة، وذلك عن طريق فرض رقابة على المواد السياسية الداخلية.
وبلغ تدهور الوضع الإنساني ذروته في منتصف تسعينيات القرن الماضي، إذ قامت الدولة باعتقال الآلاف من الرجال والنساء والأطفال بصورة عشوائية وغير شرعية. من جهتها، كشفت منظمات حقوق الإنسان (في التسعينيات) تقارير تثبت أن قانون أمن الدولة سهّل استخدام التعذيب الدائم للسجناء السياسيين.
ثورة التسعين
اندلعت احتجاجات واسعة النطاق في البحرين في أوائل كانون الأول/ديسمبر 1994، وطالب الآلاف باستعادة الحقوق الديمقراطية، أي إعادة عقد البرلمان واحترام دستور البلاد (دستور 1973)، وتجاهلت الحكومة البحرينية المطالب.
وعلى مدى ما يقارب 6 سنوات (من 1994 حتى 2000)، قُبض على العديد من المواطنين، بمن فيهم النساء والأطفال، من دون تهمة أو محاكمة، وتعرض المعتقلون للتعذيب أثناء الاستجواب، وقُتل بعضهم خلال الاعتقال (أثناء مداهمة منازلهم)، وانتشرت قوات الأمن وشرطة مكافحة الشغب بأعداد كبيرة في الشوارع لقمع المتظاهرين، وتم استخدام مجموعة متنوعة من الأسلحة، بما فيها الذخيرة الحية.
ونفت حكومة البحرين أن تكون القوات الخاضعة لسلطتها ارتكبت هذه الانتهاكات الواسعة النطاق. وسعت إلى التأكيد أنها تصرفت في إطار القانون في ما يتعلق بإجراءات الاعتقال والاحتجاز، وأن المحكوم عليهم يستفيدون من المحاكمات العادلة.
وبحسب منظمات حقوق الإنسان، فإن الحكومة البحرينية فشلت في تقديم الأدلة لدعم تصريحاتها العامة، سواء في ما يتعلق بمسألة التدخل الأجنبي في الاضطرابات السياسية، أو في ما يتعلق بالطريقة التي تعاملت بها السلطات مع الاحتجاجات الجماهيرية.
كما أخفقت في الكشف عن أسماء المعتقلين وأماكن احتجازهم، ومنعت الغالبية العظمى منهم من الاتصال بأقاربهم ومحاميهم، فيما حوكم معظم المدانين أمام محكمة أمن الدولة التي لا تفي إجراءاتها بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
من جهتها، حصلت منظمة العفو الدولية على شهادات من ضحايا التعذيب عن سوء المعاملة، ودعم بعض ضحايا التعذيب أقوالهم بالأدلة الطبية. كما تم الحصول على العديد من شهادات ومعلومات من شهود عيان على مقتل المتظاهرين، ومن أقارب المدانين الذين حوكموا محاكمات جائرة.
قتلت السلطات البحرينية حوالى 40 شخصاً في الانتفاضة التسعينية، أصغرهم الطفل عقيل سلمان الصفار، الذي لم يتجاوز عمره عاماً، إذ استنشق الغاز المسيل للدموع لفترة طويلة، ما أدى إلى استشهاده، وأكبرهم الحاج ميرزا علي عبد الرضا (70 عاماً)، الذي تعرّض للضرب حتى الموت على أيدي قوات الأمن. حجم الانتهاكات في انتفاضة التسعينات لم يسبق له مثيل في البحرين حينها.
انتهت انتفاضة التسعينيات بتولي الملك حمد بن عيسى آل خليفة العرش في العام 1999، وكانت هناك آمال بتغيير في السياسة البحرينية، إذ سمح باستفتاء على ميثاق العمل الوطني، وهو وثيقة دعت لاستعادة البرلمان. ووافق على الوثيقة أغلبية ساحقة بنسبة 98%، في استفتاء عُقد بتاريخ 14 شباط/فبراير 2001.
وأنهى حمد حالة الطوارئ، وألغى قانون أمن الدولة، إضافة إلى دعوته إلى عودة المنفيين السياسيين. ولم تنفذ الدولة الاتفاق، بل وضعت السلطات دستوراً جديداً يقلل من صلاحيات النواب المنتخبين، ومنحت النواب المعينين ملكياً الصلاحيات نفسها.
تقرير البندر (بندر غيبت)
كتب المستشار السابق في الحكومة البحرينية، والذي يحمل الجنسية البريطانية، صلاح البندر، تقريراً أوضح فيه التزوير في الانتخابات من داخل الحكومة لأسباب طائفية. نُشر التقرير (وثائق حكومية سرية) في العام 2006، وأشار كاتبه إلى وجود شبكة تُنسق من قبل الجهاز المركزي للمعلومات، تعمل على تأجيج التوترات الطائفية من خلال وسائل الإعلام، إضافةً إلى منظمات وهمية (غير حكومية) تساعد الشبكة على تزوير الانتخابات النيابية لمصلحة المرشحين السنة المؤيدين للحكومة، وفقاً للتقرير.
ولم تنفِ الحكومة، من جهتها، ما ورد في التقرير، وتم ترحيل البندر، واتُهم غيابياً بسرقة وثائق حكومية. كما ذكر التقرير أن الحكومة تقوم بتجنيس مواطنين جدد من الطائفة السنية، سعياً منها لتغيير الديموغرافية البحرينية وتغيير التوازن الطائفي.
من جهة أخرى، أظهرت البيانات السكانية للعام 2008 تجنيس أكثر من 70 ألف شخص بين العامين 2001 و2007، ما أعطى تقرير بندر مصداقية أكبر. كما لاحظ البحرينيون وجود مواطنين جدد من مختلف الدول العربية وغير العربية. ومن الجدير ذكره، أن الملك لديه السلطة الشرعية بتجاوز المتطلبات الاعتيادية، مثل الإقامة واللغة، عند منح الجنسية.
بناء على ذلك، قررت جمعية الوفاق في العام 2006 وعدد من الجمعيات الأخرى المشاركة في الانتخابات الاستفادة من الحيز السياسي المحدود. وأسفر قرار جمعية الوفاق عن انقسام المعارضة التي كان جزء منها مصراً على المقاطعة. وانتهى ذلك الانقسام في العام 2011، إذ شنت الحكومة حملة على نواب جمعية الوفاق الـ18، ما أدى إلى استقالتهم من البرلمان.
الصراع القائم بين الشعب البحريني وسلطة البلاد ليس جديداً، فمن يعرف كيف نُصب آل خليفة شيوخاً على الشعب، يستنتج أن من البديهي أن يخلف الغرب له أتباعاً يأتمرون بقراراته، مهملين مصالح البلاد وتطلعات الناس.
إقرأ أيضاً: ثورة البحرين.. تطبيع سابق وقمع لاحق