ماذا في جعبة القمّة العربية الطارئة في الرياض وما الذي ستصدره من قرارات؟
سيكتب التاريخ أن العرب اجتمعوا ولم يتفقوا، سيكتب التاريخ أن العرب لم يستطيعوا إنقاذ شعب دمّره الكيان الصهيوني، سيكتب التاريخ أن المقاومة في غزة قهرت الكيان الصهيوني.
ماذا بقي للاحتلال الصهيوني ولم يفعله في غزة؟ فقد قطع كلّ منابع الحياة على أهلها، قطع عنهم الكهرباء والماء والغذاء والدواء والوقود، وقصف جميع المستشفيات بدعوى أن المقاومين يعملون تحتها ويخطّطون لمحاربة "إسرائيل"، فقد قذف الله الرعب في قلوب الإسرائيليين حتى ظنّوا أن المستشفيات يخرج منها المجاهدون، أو أنهم يفعلون ذلك للتأثير عليهم حتى يستسلموا ويقدّموا تنازلات، وهي سياسة الفاشل المهزوم أمام إرادة صلبة وقوية وعزيمة لا تلين، فالشهداء الأبرار ينعمون إلى جوار الله سبحانه وتعالى، والجرحى والمرضى يدعون الله ليلا ونهاراً أن يساعدهم وينجّيهم من الوحش الكاسر، العدو الصهيوني الفاشي والنازي الذي خرق كل المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية والإنسانية والأخلاقية.
اهتزّت "إسرائيل" بمن فيها بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها، فأصبحت مذعورة ومضطربة وتتصرّف بجنون وبتهوّر وبلا مسؤولية، ولا تسمع أحداً بل تتحدّى كلّ أحد، وتصبّ جام غضبها على المدنيين الأبرياء من النساء والشيوخ والولدان، ولا يهدأ لها بال حتى تدمّر كل شيء، وهذا شأن الجبابرة والأكاسرة حينما يشعرون بالخوف من الهزيمة القاسية والمدمّرة، وكلما زاد العدو الصهيوني في جنونه وكبريائه، اقترب من نهايته، وهي نهاية مأساوية وكارثية لا شك بعد بيانات للمقاومة متتالية بدكّ حصون العدو الصهيوني وتكبيده خسائر فادحة في الأرواح والآليات، وتستمر معاناة الفلسطينيين في ظل هذا التوحّش والتغوّل الصهيوني غير الأخلاقي مع صمت العالم العربي والإسلامي والغربي وكل من على الأرض.
إنها حرب الإبادة التي لم يشهدها التاريخ، حينما نرى عدوّاً كاسراً يقطع كلّ ما يتعلق بالحياة، ويقضي على كل خُلق في الحرب الشرسة الدائرة، ويتمادى في عدوانه ويتجبّر ويتكبّر حتى تأتي الضربة الموجعة التي ستؤلمه كثيراً، فكل جبّار في التاريخ قُصم ظهره وانتهت حياته بألم وحزن شديدين، قد يستهويه الانتقام فيهلك الحرث والنسل، ولكن هناك من سينتقم منه طال الزمان أو قصر، وبالتالي فإن لا شيء يبرر ما يفعله بالمدنيين الأبرياء.
أما القمة العربية الطارئة فإن اقتصرت في بياناتها على الشجب والتنديد والمطالبة فإنها خيبة أمل، لأنها تطالب مَنْ؟ هل تطالب المجتمع الدولي الذي يشاهد ما يفعله العدو الصهيوني كل يوم؟ هل يشاهد أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ؟ هل يشاهد قصف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس؟ هل يشاهد قتل كل من يتحرّك في شوارع غزة ومن لا يتحرك وهو في بيته؟ هل يشاهد أطنان الصواريخ والقنابل والمتفجرات التي يلقيها على غزة؟ أم أن القمة ستكون جريئة وستتحدث عن أفعال تجبر "إسرائيل" على وقف نزيف الدم ومحاسبتها على أفعالها الإجرامية، ومحاكمتها؟ أم ستبقى "إسرائيل" تتحدّاهم جميعاً وتقصف كل من تريد.
ماذا في جعبة القمة العربية الطارئة التي تُعقد في الرياض؟ وما المأمول منها في ظل هذا التصعيد الخطير والإجرامي للعدو الصهيوني، وما دامت تعتقد "إسرائيل" أنها بمنأى عن المحاسبة والعقاب فهي تستمر في إجرامها وعقاب الشعب الفلسطيني في غزة، وتستلذ بتعذيبه وإذلاله لأنها فشلت فشلاً ذريعاً في إلحاق الهزيمة بحماس، وهي تبحث عن نصر مزيّف لقواتها الجبانة أمام شعبها المهترئ الذي بدأ ينتفض في وجه نتنياهو المجرم الذي تنتظره محاكمات ثقيلة، إذ يعتبره الكثيرون المسؤول الأول عما جرى لـ "إسرائيل" منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وقد أقدمت "إسرائيل" ولا تزال على مجازر كبيرة وهذا ديدنها، وتاريخها المليء بالإجرام وسفك الدماء شاهد عليها، لكن العرب ما زالوا يعتقدون بأنه يمكن الحديث مع هذه "الدولة" الإرهابية وهذا المجرم المدعو نتنياهو، وما زالوا يتململون ويتردّدون في اتخاذ مواقف حازمة وصارمة ضدّ هذا الكيان المجرم، وما زال الخوف يدبّ إلى نفوسهم من اللوم الأميركي حيث كانت أميركا ولا تزال سبباً رئيساً في سُعار هذه الحرب، فقد رفضت وما زالت ترفض رفضاً قاطعاً أن تتوقّف الحرب زعماً منها أن "إسرائيل" سوف تنتصر، ولكن المعادلة كانت خلاف ذلك إلى حدّ الآن حيث أثبتت المقاومة قدرتها الكبيرة على الصمود.
سيكتب التاريخ أن العرب اجتمعوا ولم يتفقوا، سيكتب التاريخ أن العرب لم يستطيعوا إنقاذ شعب دمّره الكيان الصهيوني، سيكتب التاريخ أن المقاومة في غزة قهرت الكيان الصهيوني، سيكتب التاريخ أن علماء الأمة كانوا صامتين إلا بعض الأصوات التي كانت تدافع عن غزة منذ بدء هذه الحرب مثل سماحة الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عُمان، الذي أطلق نداء استغاثة لجميع علماء الأمة بأن ينهضوا بمسؤولياتهم ويدافعوا عن غزة، وأن يقوموا بواجبهم تجاه ما يجري من إبادة جماعية لأهلنا هناك، ولكن لا حياة لمن تنادي، أين هم مما يجري؟ ليبقى صوت الشيخ الخليلي صوتاً يزوّد المقاومة بدعم معنوي كبير يحفّزها على مواصلة القتال والدفاع عن العرض والشرف والأرض والنفس والمقدّسات بكل قوّة وشجاعة وبسالة.
فإذا لم تخرج القمة العربية بقرارات مصيرية تقطع أوصال الصهيونية، فإن هذه الأمة تصير في عداد الموتى، وإن جامعتها المشهود لها بالفشل الذريع في معالجة المشاكل العربية لا فائدة من وجودها أصلاً، ولا تعتبر الشعوب العربية هذه الجامعة قائمة لأنها عاجزة كل العجز عن توحيد الصف في وجه النازي والفاشي وفرعون زمانه الذي اسمه بنيامين نتنياهو.