ما مصير المستوطنات الإسرائيلية بعد عملية طوفان الأقصى؟
فقدان عاملَي الحماية والأمن اللذين شكّلا دافعاً للاستيطان لهو مؤشر مهم جداً في عملية انهيار المشروع الصهيوني، وإفراغه من محتواه.
تحت عنوان "إلى أي واقع سنعود"، كتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أن المستوطنين يشعرون بالخوف من العودة إلى بيوتهم حتى مع الإعلان عن نهاية الحرب.
إن أي مجتمع يحتاج إلى دولة قوية وسلطة قادرة على حماية مواطنيها في الداخل، وصدّ الأخطار المحدقة التي تتأتى من الخارج.
"إسرائيل"، الكيان المصطنع لم تولد من أبناء اليهود القاطنين في فلسطين التاريخية، بل كانت عبارة عن تجمعات مافيوية لعصابات "الهاغاناه" وغيرها التي كانت مدعومة آنذاك من بريطانيا العظمى.
بعد أن أقدمت بريطانيا من خلال اتفاقية "سايكس بيكو" المشؤومة على تقسيم فلسطين إلى أجزاء، وإعطاء اليهود حق الاستيطان والتوسع فيها تحت شعار أرض الرب المزعوم، ووجود هيكل سليمان في بيت المقدس، شكلت قوة "الجيش" الإسرائيلي في مواجهة أعداء الخارج ضرورة لقيام هذا الكيان وحماية المهاجرين اليهود المستوطنين لأرض فلسطين المغتصبة.
بالتالي، فإن أي اهتزاز لهذا العنصر الهام والأساسي، أي الأمن، سيؤدي من دون أدنى شك إلى تصدّع كبير في أصل البنيان المجتمعي، وانهيار المشروع الصهيوني برمّته القائم على عقيدة "الجيش الذي لا يقهر"...
لعلّها المرة الأولى-وهذا ما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، منذ نشأة هذا الكيان يرفض المستوطنون العودة إلى منازلهم في غلاف غزة أو إلى شمال فلسطين، كل ذلك بسبب تداعيات عملية "طوفان الأقصى" المزلزلة، وما تبعها من عمليات الإسناد العسكري التي تقوم بها المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان في كل يوم، والتي أخليت على إثرها المستوطنات التي تبعد من 4 إلى 5 كيلومترات من الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.
نعم، لقد نجحت المقاومة في غزة ولبنان مع الدعم اليمني والعراقي في تعزيز واقع جديد وحقيقي عند المستوطنين الصهاينة، من خلال ترسيخ عجز "جيشهم الذي لا يقهر" عن تأمين الحماية والأمن لهم من هجمات المقاومين على حدود فلسطين الشمالية والجنوبية، هذا الأمر قد أنهى بالفعل المقولة آنفة الذكر، ليحل محلها، لا أمن ولا أمان لأي مستوطن في تلكم المناطق على الإطلاق، وأن عليكم العودة إلى البلاد التي أتيتم منها.
الترجمة العملية لعمليات الردع في شمال فلسطين وتداعيات "طوفان الأقصى" أثمرت تهجير آلاف المستوطنين من أصحاب الجوازات المزدوجة إلى بلدان أوروبية؛ خوفاً من مصيرهم المحتّم لو بقوا في مستوطناتهم القريبة من مناطق الاشتباك.
انطلاقاً مما تقدم، ينبغي التركيز على نقطة بالغة الأهمية، وهي أنه مهما حاول الصهاينة تدمير غزة بسلاح الجو وقتل الأبرياء من النساء والأطفال وإعدام شبابها، فإن المقاومة الصامدة في المقابل، قد حسمت أمرها بعدم التراجع قيد أنملة عن الأهداف التي وضعتها، من تبييض السجون من المعتقلين، والدفاع عن انتهاكات المسجد الأقصى، وصولاً إلى هدف تحرير فلسطين من المغتصبين الصهاينة...
إن فقدان عاملَي الحماية والأمن اللذين شكّلا دافعاً للاستيطان لهو مؤشر مهم جداً في عملية انهيار المشروع الصهيوني، وإفراغه من محتواه.
هذا ما خططت له المقاومة من وجهة نظرنا، بحيث لم يعد الفلسطيني هو من يترك أرضه وبيته ويهاجر، بل أضحت المعادلة معكوسة، ها هم أهل غزة أشد تعلقاً بأرضهم ومقاومتهم بصلابة وشجاعة منقطعة النظير، بحيث لم يكتب التاريخ لشعب تعرض لمجازر مهولة وصمد في مواجهة أعدائه كما يحصل في غزة، في مقابل الهروب الجماعي للمستوطنين الصهاينة من مستوطنات جنوب فلسطين وشمالها...
بالفعل، انقلب السحر على الساحر وأضحت المقاومة بكل أشكالها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية رمزاً لكل حر في العالم.