لهذا السبب أعادت واشنطن تنشيط "داعش" في البادية السورية
تسعى واشنطن إلى تمرير مشروع "السلام الأميركي في كل أنحاء الشرق الأوسط الكبير"، المعروف بـ"الباكس أميركانا"، تمهيداً لإنجاح فرض "طريق الهند-حيفا" في إطار المواجهة الاقتصادية المفتوحة مع الصين، وليس كرمى لعيون العرب.
إثر الضربات التي وجهتها المقاومة العراقية إلى قواعد قوات الاحتلال الأميركي وتجمعاته في سوريا والعراق نصرةً لغزة والغزيين، من خلال محاولة الضغط على الاحتلال الأميركي بفعل هذه الضربات، لعلّه يمارس بدوره الضغوط على الكيان الصهيوني لوقف حرب الإبادة على الغزيين... إثر ذلك، يسعى الاحتلال الأميركي إلى الانتقام من محور المقاومة بمختلف مكوناته من خلال إعادة تنشيط تنظيم "داعش" الإرهابي في المنطقة عموماً، وفي سوريا والعراق خصوصاً.
لذا، عاود هذا التنظيم التكفيري المسلح ممارسة أنشطته الإرهابية ضد مواقع الجيش السوري والقوات الرديفة في البادية السورية وسواها. سبق ذلك قصف تمهيدي نفذته الطائرات الحربية الأميركية على مواقع القوات الرديفة للجيش السوري شرق البلاد، بذريعة الرد على المقاومة العراقية التي بادرت بدورها إلى استهداف جنود الاحتلال الأميركي ومراكزه في سوريا والعراق، بحسب ما أعلن هذا الاحتلال في بياناته المتعلقة بتنفيذ الغارات الجوية على مواقع قوى المقاومة في سوريا.
ومن البديهي أن يساهم هذا العمل العدواني في تسهيل تحركات "داعش" وأنشطته الإرهابية في المنطقة عموماً، وفي سوريا خصوصاً، على اعتبار أن هذه القوى حاضرة لمواجهة تمدد الخطر التكفيري الإرهابي.
ويأتي هذا العدوان الأميركي في سياق المحاولات الأميركية الرامية إلى إرساء توازن القوى مع محور المقاومة في المنطقة، من خلال إعادة تنشيط خلايا "داعش" فيها؛ فكلما تلقت قوات الاحتلال الأميركي ضربةً، ذهبت إلى المزيد من تنشيط المجموعات الإرهابية المسلحة في البادية السورية وسواها، في إطار محاولة فرض "معادلة توازن القوى مع محور المقاومة"، غير أن الجيشين السوري والروسي والقوات الرديفة حاضرون لمواجهة الخطر التكفيري، فالطائرات الحربية السورية والروسية لا تهدأ في عمليات رصد الإرهابيين وملاحقتهم ثم استهدافهم جواً وبراً أيضاً.
ورغم كل هذه الممارسات العدوانية من واشنطن، ورغم الأوضاع المتدهورة في المنطقة من اليمن إلى البحر الأحمر إلى العراق إلى فلسطين، ثم سورياً، وصولاً إلى لبنان، فإن الولايات المتحدة لا ترغب في نشوب حربٍ إقليميةٍ، وإن أصبحت أمراً واقعاً، ولكن من دون أن تكون معلنةً.
وبدت هذه الرغبة الأميركية جليةً بعدما أعلن وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان "أن واشنطن طلبت من إيران، لما لها من تأثيرٍ في محور المقاومة، منع توسع الحرب، كما يشتهي رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو"، فلا مصلحة أميركية في ذلك، على اعتبار أن لدى الولايات المتحدة هدفاً اقتصادياً استراتيجياً كبيراً، وهو محاولة فرض الخط التجاري بين الهند وحيفا الذي يمر في المملكة السعودية، وينافس "طريق الحرير الصيني" الذي يمتد بين الصين وأوروبا عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
ومن البديهي أن هذا المشروع الأميركي ليس قابلاً للتنفيذ قبل تطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل"، فالمملكة ترفض إقامة العلاقات الثنائية مع الكيان الصهيوني إلا بعد قيام دولة فلسطينية، أي بعد بلورة "حل الدولتين".
لذا، تسعى واشنطن إلى تمرير مشروع "السلام الأميركي في كل أنحاء الشرق الأوسط الكبير"، المعروف بـ"الباكس أميركانا"، تمهيداً لإنجاح فرض "طريق الهند-حيفا" في إطار المواجهة الاقتصادية المفتوحة مع الصين، وليس كرمى لعيون العرب، على أن يسبق ذلك تطبيع العلاقات العربية مع الكيان العبري.
وهنا، "تجري الرياح الأميركية بما لا تشتهي السفن الإسرائيلية"، فلا ريب في أن لدى نتنياهو رغبة في توسيع الحرب مع مختلف مكونات محور المقاومة، سواء أكان مع إيران أم سوريا أم حزب الله. عندها، قد ينال رئيس وزراء العدو عطف الدول الغربية ودعمها المطلق، ما يتعارض مع المشروع الاقتصادي الأميركي المذكور أو "خط بايدن" الذي يمتد من الهند نحو شبه الجزيرة العربية إلى الأردن، ثم إلى حيفا، لينافس الطريق الشمالي أو "الحزام والطريق".