لا مكان لقتلة الأطفال تحت الشمس
سقط بنيامين نتنياهو، وسقطت كل أمانيه التي كتبها ونظّر بشأنها في كتابه "مكان تحت الشمس"، إذ لا مكان له تحت الشمس، ولا لأمثاله من قتلة الأطفال وذابحيهم.
"كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلاً فلسطينياً واحداً في قيد الحياة".
وعن نظرتها التوسعية، حيث وقفت على شاطئ خليج العقبة، قالت: "إنى أشم رائحة أجدادى في خيبر".
من أقوال غولدامائير (رئيسة وزراء الكيان الصهيونى، في أثناء حرب أكتوبر عام 1973).
ذكر المكتب الإعلامي الحكومي: "ارتفعت حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي، الذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على قطاع غزة، إلى أكثر من 15 ألفاً، من بين الشهداء أكثر من 6150 طفلاً، وأكثر من 4 آلاف امرأة، وأحصى المكتب نحو 7 آلاف مفقود حتى الآن، وبينهم أكثر من 4700 طفل وامرأة"، وذكر المكتب أن بين الشهداء 207 من الأطباء والممرضين والمسعفين، بالإضافة إلى 26 من طواقم الدفاع المدني، و70 صحافيا.
بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الكيان الصهيوني، كان يروّج في عدد من كتاباته أن "إسرائيل" هي خط الدفاع الأول عن الحضارة الغربية، وهي تقاتل عن كل الغرب، وتدفع "الأثمان العالية لحماية الحضارة الغربية، ضد البرابرة في منطقة الشرق الأوسط"، وإن "لم نفعل ذلك فستجدون البرابرة يهاجمونكم وعند أبوابكم" (اي الدول الغربية). وذكر ذلك في معركة الهجوم على غزة في اجتماع للسفراء الغربيين في الكيان الصهيوني، وهذا ما نظّر له في كتابه "مكان تحت الشمس".
فـ"إسرائيل" هي "نموذج عن التمدن والحضارة، وهي الموقع المتقدم لمواجهة البربرية والتخلف والرجعية"، وهي المثل الذي يجب أن تقتدي به الدول العربية المطبعة مع "إسرائيل". وكان عبر هذا يحاول القفز عن قضية الفلسطينيين ("حل الدولتين") عبر محاولته التطبيع مع الدول العربية، وخصوصاً السعودية، وتوجيه بوصلة العداء العربي ضد إيران، وعدّها العدو المشترك للإسرائيليين والعرب، و"علينا إعداد العدة لمواجهتها معاً". وهو كان يحاول الاستفراد بالفلسطينيين، وقلب "معادلة الدولتين" وإلغاءها بالكامل، من خلال ترويجه نظربته هذه؛ أي أنه من بعد الصلح والتطبيع مع العرب، لن يكون هناك من يعادي "إسرائيل القوية والحامي والصديق للعرب"، من أجل الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.
هذا ما كان يدور في عقل نتنياهو والإدارات المتعاقبة للكيان الصهيوني منذ تأسيسها، أي لا مكان للفلسطينيين داخل الكيان الصهيوني. وأكثر ما يمكن قبوله، وعلى مستوى مرحلي، هو "قيام حكم ذاتي أو كانتونات" في بعض المناطق داخل الأراضي المحتلة، تحت إشراف الكيان الصهيوني ورعايته، ثم ترحيل الفلسطينيين من الضفة الغربية في اتجاه الأردن، والبعض الآخر في اتجاه سيناء.
لكن، جاءت عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لتقلب المعادلات على مستوى الداخل الصهيوني وعلى مستوى العالم العربي، وعالمياً، وكشفت حقيقة الزيف الصهيوني وحجم الكذب الغربي الداعم لهذا الكيان وفضح الأنظمة العالمية الداعمة له أمام شعوبها، وأمام الرأي العام العالمي، الذي لم يكن على معرفة واطّلاع على القضية الفلسطينية كما يجب، إذ كانت وسائل الإعلام الغربية، الممولة من الصهاينة ومعظم الإعلام العربي الممول من جهات عربية وعالمية داعمة للصهيونية العالمية، تروج وتحاول إدخال مفاهيم "الصهاينة" وأساطيرهم وسردياتهم، وإقناع الجماهير بها، وكانت محاولات التطبيع الجارية مع الدول العربية على قدم وساق، وتوقفت في مرحلتها ما قبل الأخيرة مع السعودية، حيث كانت تدور المفاوضات في الكواليس وعلى العلن، لإعلان التطبيع الكامل والشامل مع الكيان الصهيوني، باستثناء بعض الدول الممانعة لهذا الخيار وللكيان الصهيوني في المنطقة.
التغوّل والتوحّش، اللذان مارستهما حكومة العدو الصهيوني وجيشه، كشفا أي نوع من "الحضارة والتمدن والرقي"، يقوم على جماجم الأطفال الخدّج والرضع وقتل النساء والأطفال والعجزة والمرضى في المستشفيات، حتى إن مجموعة من الخطب والتحليلات والصور، من إعلام الكيان العبري، كشفت حجم الحقد الذي تتمتع به نخب المجتمع الصهيوني عبر الممارسة الفعلية والتنظير لكتّابه وسياسييّه ونخبه الثقافية وحاخاماته التلموديين، (مذكور في سفر صموئيل 15/3: "فالآن اذهب واضرب عماليق، وحركوا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً"). هذه عقيدتهم، وهذا ديدنهم على مر التاريخ، وهذا يقودنا مرة أخرة إلى ما ذكرناه سالفاً في المقدمة بشأن رؤية غولدامائير، عن قتل الاطفال وغيرهم من العرب والفلسطينيين تحديداً.
وبرّر بنيامين نتنياهو قتل الأطفال والمدنيين، واصفاً إياهم بأنهم "أضرار جانبية"، بل في الواقع إنهم أهداف لآلات السحق والقتل الصهيونية التي تمرست عن قصد في قتلهم، من خلال أحدث الطائرات والدبابات، ومن خلال المساعدات التي تلقتها من حلفائها في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية والناتو بعد إعطائها الضوء الأخضر وعدم قبول وقف إطلاق النار على مدار عمليات القتل التي استمرت أكثر من 45 يوماً.
أمام آلات القتل هذه، لا تفريق بين عسكري ومدني. فوفق عقيدة الجيش الصهيوني والجيوش الغربية (وهذا ثبت على مدار التاريخ في الحرب العالمية الثانية، أو ما جرى من مجازر في أفغانستان والعراق وغيرهما من الدول والمناطق التي هاجمتها أميركا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من دول الغرب، وموثق في مراكز الأبحاث وفي وسائل الإعلام)، فالبلد المُهاجَم يُعَدّ كل شيء يتحرك فيه هدفاً للعسكري المُهاجِم، فلا فارق بين عسكري ومدني، فالمجتمع المدني هدف أساسي لأنه يشكل البيئة الحاضنة لحركات المقاومة ولجيوش المناطق المُهاجمة، ومن منا لا يتذكر ما قالته وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، عندما سألتها الصحافية ليزلي شتال: هل تستحق هذه العملية قتل أكثر من نصف مليون طفل عراقي: فأجابت عن سؤالها، نعم، يستحق ذلك!
بانضمام شهداء فضائية الميادين، فرح عمر وربيع معماري وحسين عقيل، وقبلهم المصور عصام عبد الله، وقبلهم أكثر من 62 صحافياً فلسطينياً، ناهز عدد شهداء الإعلام والصحافة نحو سبعين شهيداً، فعن أي تمدن وحضارة وحرية يتحدثون؟
العالم يواصل مسيرات الاحتجاج على المذابح التي ترتكبها "إسرائيل" وحلفاؤها، والداعمة لفلسطين (100 مسيرة مؤيدة لغزة في بريطانيا، و600 في أميركا، و3700 احتجاج في عواصم العالم خلال 20 يوماً) ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي. ونشر مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تقريرا "أظهر من خلاله ارتفاعاً في عدد المظاهرات ضد إسرائيل، مقارنة بانخفاض عدد المظاهرات المؤيدة لها حول العالم".
وأحصى المركز عدد المظاهرات التي اندلعت منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، "بما يزيد على 3891 مظاهرة حول العالم، بين مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين وأخرى مؤيدة لإسرائيل في نحو 92 دولة حول العالم". وأكد المركز، في تقريره المطول، أن "عدد المظاهرات المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني تزيد على 95 % بعد أن كانت، خلال الأسبوع الأول من الحرب على قطاع غزة، نحو 69 %".
سقط بنيامين نتنياهو، وسقطت كل أمانيه التي كتبها ونظّر بشأنها في كتابه "مكان تحت الشمس"، إذ لا مكان له تحت الشمس، ولا لأمثاله من قتلة الأطفال وذابحيهم، وسقط الغرب وسقطت أميركا وسقطت معهما كل شعارات الديموقراطية المزيفة، وجمعيات حقوق الإنسان، والامم المتحدة وجمعيات حرية الصحافة والإعلام ووسائل التواصل، التي صنعتها واحتكرتها وفرضت قوانينها التي تتلاءم مع رؤيتها بشأن التسلط على الكون بأسره، وسقطت القيم الأخلاقية التي يتغنى الغرب بها وفُضحت عوراته، وأساطيره. فأميركا والدول الغربية ساهمت بصورة فاضحة في المذبحة، التي ما زالت مفاعيلها على قطاع غزة والشعب الفلسطيني وكل من يناصر هذا الشعب المظلوم. والنصر معقود لمن نصر الله ونصر المظلوم.