عام تاسع من الصمود اليمني: نحو السلام الشامل أو المعركة الحاسمة

التأكيد أن الصواريخ ستكون "فتّاكة" يحمل إشارة إلى أن عمليات المرحلة المقبلة ستكون عقابية أكثر منها تحذيرية.

  • قصف مدفعي سعودي على مديرية شدا شمالي اليمن (أرشيف).
     المماطلة ومحاولة استغلال المفاوضات كغطاء ستكون لها عواقب وخيمة

احتفاء بالصبر والصمود وفي الحشد استعداد للمزيد، لسنين من الصبر والدم والعزم، خرج اليمنيون في اليوم الوطني للصمود مودّعين بيد تحمي ثامنة صمودهم ومستفتحين بالتي تبني تاسعة انتصارهم. تجتمع في الحشد الذي خرج بصور الصمود من الغارة الأولى إلى الردع الأخير، وتستحضر في الذاكرة سنين الثبات الثماني وإقدام الخمسين جبهة، وبينهما تغطي المديات صواريخهم بأجيالها وتجوبها المسيّرات. 

يوم الصمود الوطني في نسخته لهذا العام يختلف عن سابقه من السنوات لتوقيته وأهدافه ورسائله، إذ يجمع اليمنيون كافة أنه يمثّل مدخلاً لمرحلة جديدة من المواجهة، حيث تزامن مع جملة من الرسائل والتأكيدات التي وجّهتها صنعاء متمثّلة بالقيادات الوطنية اليمنية، حذّرت من خلالها دول العدوان من التداعيات المترتّبة على التنصّل من التزاماتها، ومؤكدة جاهزيّتها لاتخاذ جملة من الخيارات الاستراتيجية الرادعة والتي حاول تحالف العدوان طيلة الفترة الماضية تحييدها.

خلال خطابه الأخير، رسم قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي معالم المرحلة المقبلة بتأكيدات حاسمة لثبات الموقف الوطني واستحالة القبول بمراوغات دول التحالف الهادفة للالتفاف على محدّدات السلام العادل. وبرسائل شديدة اللهجة، أكد الاستعداد لخوض عام قتالي جديد بإمكانيات وقدرات عسكرية متطوّرة وبعيدة المدى، قادرة على أن تطال بنك أهداف استراتيجياً في حال أصرّت دول العدوان على التعنّت. 

وفي هذا السياق، أوضح السيد الحوثي أن محاولات دول التحالف ورعاتها "الاستمرار في الحرب والحصار والبقاء في حالة بين السلم والحرب وإثارة الفتن وحرمان الشعب اليمني من حقه في الثروات الوطنية، هي تكتيكات غير مقبولة سيتم التعامل معها كحالة حرب". وتعزيزاً لرسالته، وجّه النصح مجدداً لكل من السعودية والإمارات بعدم "الاستمرار في العدوان والحصار والتعامل بجديّة في الحوارات". 

هذا في إشارة واضحة إلى أن المماطلة ومحاولة استغلال المفاوضات كغطاء "ستكون لها عواقب وخيمة"، معيداً التذكير بعدها بالطريق الوحيد للسلام الفعلي وبمحدّداته الثابتة الواضحة المتمثلة بـ "إنهاء الحصار والعدوان والاحتلال وإعادة الإعمار وتعويض الأضرار وإتمام عملية تبادل الأسرى". 

هذه التأكيدات والرسائل كانت كفيلة بإغلاق الباب أمام أي مسارات بديلة تحاول دول العدوان أن تسلكها للتهرّب من متطلبات السلام ولكسب الوقت، كما تذكّرها بأن كل مساعيها للتشويش على الموقف الوطني خلال الفترة الماضية فشلت بالكامل، وأن مخاطر استمرار التعنّت ما زالت قائمة ولا سبيل لتجنّبها إلا بالمحدّدات المعلنة. 

وفيما يتعلّق بملامح المرحلة المقبلة وخاصة على المستوى القتالي أردف السيد الحوثي قائلاً: "قادمون في العام التاسع بجيش اكتسب الخبرة من تجربة ثماني سنوات ومنتقلّاً من الدفاع إلى الهجوم، وبترسانة صاروخية فتاكة بعيدة المدى، دقيقة الإصابة، قوية التدمير تطال منشآت الأعداء التي يعتمدون عليها، وبطيران مسيّر يتجاوز كل الدفاعات الجوية، وبقدرات بحرية تطال كل هدف". 

تحدّد هذه الكلمات بأبعادها المختلفة والدقيقة طبيعة المرحلة التي ستنطلق بعد انتهاء حالة "خفض التصعيد"، حيث تبلور فكرة واضحة عن طبيعة التوجّه القتالي لصنعاء وعن طبيعة العمليات العسكرية التي ستنفّذ، والتي بات واضحاً أنها ستستهدف المنشآت الاقتصادية والحيوية الحساسة لدول التحالف. 

والتأكيد أن الصواريخ ستكون "فتّاكة" يحمل إشارة إلى أن عمليات المرحلة المقبلة ستكون عقابية أكثر منها تحذيرية، وأن دول التحالف قد تجد نفسها أمام ضربات تدمّر منشآتها الحيوية بشكل كامل بدلاً من تدمير خزانات أو مرافق معيّنة، وهو ما سيكون له أثر غير مسبوق. وإشارته كذلك إلى انتقال القوات المسلحة إلى "تكتيكات الهجوم" يعني حدوث تغيير جذري في طبيعة وتأثير العمليات العسكرية، بما في ذلك العمليات العابرة للحدود.

ومن جانب آخر، أوصلت القوات المسلحة اليمنية بدورها رسائل أيضاً، تمثّل أبرزها من خلال المناورة التي أجرتها بالقرب من الحدود السعودية وتحديداً في محافظة الجوف، بمشاركة وحدات من مختلف التشكيلات العسكرية المتمثلة بالقوة الصاروخية والطيران المسيّر بمعيّة القوات الهجومية التي حاكت عملية هجوم للاستيلاء على مواقع وفق الإعلان الرسمي الذي بثّته وكالة سبأ الرسمية في صنعاء. وهذه المناورة بحسب المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع "لن تكون الأولى ولن تكون الأخيرة، وهي تأتي في إطار إعلان جاهزية القوات بمختلف تشكيلاتها للمواجهة ولرد أي عدوان أو اعتداء على اليمن". 

كل هذا الوعيد الدقيق في تفاصيله، يمنح دول التحالف فرصة أخيرة لمراجعة حساباتها، فإذا كانت العمليات العسكرية السابقة قد أحدثت تأثيرات دفعتها للجنوح نحو التهدئة والهدنة، فإن الانتقال إلى مستوى أعلى من الردع سيؤدي بلا شك إلى أضرار يصعب العودة إلى ما قبلها. 

وبالإجمال، فإن الرسائل والتحذيرات التي رافقت إحياء يوم الصمود هذا العام بما في ذلك رسائل التفويض الشعبي الكبير، تشير وبوضوح إلى أن فترة التهدئة التي استمرت عاماً كاملاً، لم تكن نتيجة لنجاح دول التحالف في مراوغته لتفادي كلفة استمرار العدوان والحصار، بل كانت فاصلاً عملت فيه صنعاء على إعداد العدة لإطلاق مرحلة جديدة من المواجهة تختلف كثيراً عن المرحلة الأولى التي استمرت طوال ثماني سنوات، وإن هذا الفاصل لم يعد يتّسع إلا لاتخاذ الخيار الأخير من قبل دول التحالف والعدوان: إما السلام الشامل الفعلي غير المنقوص، أو الحرب الحاسمة.