سرديّة البحرين الرسمية لطوفان الأقصى.. ما الرسائل؟

يبرز الموقف الشعبي البحريني بشكل لا لبس فيه، مؤيّداً المقاومة ومندداً بالعدوان الإسرائيلي على غزة، سواء عبر تظاهرات شبه يومية أو عبر تعزيز ثقافة المقاطعة التي تسهم في معركة التحرير والوعي. 

  • الموقف البحريني من عملية طوفان الأقصى.
    الموقف البحريني من عملية طوفان الأقصى.

بمنطق المساواة بين القاتل والضحية، انطلقت مقاربات ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة لما يحصل في فلسطين المحتلة، على مرأى ومسمع أكثر من 450 شخصية من 40 دولة خلال النسخة التاسعة عشرة لحوار المنامة 2023. 

ولي العهد البحريني رأى في هذه القمة السنوية فرصة ذهبية ليطلق فيها الموقف الرسمي لبلاده من ملحمة طوفان الأقصى، بما يضمن استرضاء الجانب الأميركي وتدارك أي عتب "إسرائيلي" لاحق، لتكون إدانة العدوان على غزة مجرّد "تحصيل حاصل"، فيما كان التنديد بالمقاومة الفلسطينية سيد الموقف. فما الرسالة التي أراد إيصالها؟

الورطة البحرينية

في أيلول/سبتمبر 2020، ارتأى النظام في البحرين الإعلان بشكل رسمي عن تدشين فصل من علاقات التطبيع مع "إسرائيل"، متجاوزاً الموقف الشعبي الرافض لها بشكل قطعي. وخلال السنوات الثلاث الماضية، رسب هذا النظام في أكثر من موقف متعلّق بالقضية الفلسطينية ونصرتها –عدا القليل من بيانات الإدانة الشكلية على أي حال- إذ لم تؤثر اقتحامات الأقصى أو استهداف الفلسطينيين في علاقته بـ"تل أبيب"، بل إنّ حرصه على هذه العلاقة وصل أكثر من مرة إلى حدّ إدانة عمليات إطلاق النار أو الطعن التي لطالما نفّذها مقاومون فلسطينيون مستهدفين جيش الاحتلال والمستوطنين.

الورطة البحرينية هذه المرة كانت قاصمة وفاضحة جداً، فبينما كانت آلة الحرب الإسرائيلية ترتكب المجزرة تلو الأخرى في قطاع غزة، وتزامناً مع استهدافها المستشفيات والنازحين والأطفال والنساء، اعتلى ولي عهد البحرين منبر قمّة "حوار المنامة 2023"، لا ليعلن اتّخاذ بلاده إجراءات صارمة لوقف هذا العدوان، ولا ليتحدث عن قطعٍ لأشكال العلاقات كافة مع "تل أبيب"، بل ليتبنّى الرواية الإسرائيلية ويدين بكلّ صراحة ملحمة طوفان الأقصى، مؤكداً أن "ما قامت به حماس في 7 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي يعدّ عملاً بربرياً ومروعاً"، فيما دان في السياق ما اعتبره خطفاً للرهائن، قائلاً إن الأولوية اليوم هي إعادتهم. 

 "مع المدنيين لا السياسة"!

سلمان بن حمد آثر تذكير الحاضرين بأن بلاده دانت هذه العملية بعد يومين من وقوعها، ورأى أن هذا الموقف يعدّ دليلاً على وقوفه "في صف المدنيين الأبرياء، لا في صف المواقف السياسية"، إلاّ أن ذلك كشف بوضوح الرؤية البحرينية الرسمية المتعلقة بالمشهد الفلسطيني اليوم، وما قد يطرأ عليه في الفترة المقبلة، بعيداً من أي استعراضات مغايرة لذلك، فأي حسابات سياسية هذه التي تسدل الستار على كارثة إنسانية كبرى تجري في غزة وقد عدّها العالم بغالبيته جريمة حرب؟! علامَ استند ولي عهد البحرين في مقارباته الأحداث والمساواة بين القاتل والضحية؟ ماذا وراء إدانة المقاومة الفلسطينية بهذه الصراحة؟ وما ثمنها؟ وما الرسالة المبتغاة منها؟

كلّها تساؤلات مشروعة بدأت تُطرح بمجرّد انتهاء كلمة ولي العهد في قمة حوار المنامة، تزامناً مع موجة واسعة من التبرّؤ السياسي المعارض والشعبي منها، ومن جملتها موقف سجّله نائب الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ حسين الديهي، أكد فيه أن شعب البحرين بريء من "هذه المواقف الرسمية التي تعطي صك البراءة للكيان"، وشدد على أن كلمة الشعب اجتمعت على المطالبة بالإنهاء الفوري لاتفاقيات التطبيع، وأن "قوى المقاومة وبقية مكونات الشعب الفلسطيني يمارسون حقهم المشروع في النضال لاستعادة كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحرير أسراهم ونيل حقوقهم".

انقسام رسمي حول طوفان الأقصى أم احتيال نيابي؟

قبل أسبوعين من تصريحات ولي عهد البحرين، بدأ الحديث عن استدارة بحرينية رسمية نحو فلسطين كقضية أمّ في أعقاب ارتفاع منسوب العدوان الإسرائيلي على غزة. مجلس النواب أصدر حينها بياناً قال فيه إن المملكة أوقفت علاقاتها الاقتصادية مع "إسرائيل"، وإن سفير الاحتلال غادر المنامة، فيما عاد السفير البحريني من "تل أبيب".

هذا البيان، ورغم أنه لم يصدر عن وزارة الخارجية، أثار مروحة من التحليلات التي بدأت تقرأ دلالات هذه الخطوة وما بعدها، فيما رأى البعض أن البحرين، وفي حال تمّ تأكيد الأمر، ستكون أول دولة عربية مطبّعة تقدم على خطوة من هذا النوع منذ اندلاع الحرب، ولكن هذا الجو التفاؤلي لم يستمر طويلاً.

مركز الاتصال الوطني لحكومة البحرين سارع إلى القول إن سفير "إسرائيل" غادر المنامة منذ فترة، وإن سفير البحرين عاد من "تل أبيب" كإجراء روتيني فقط. من جهتها، وزارة الخارجية الإسرائيلية قالت إنها لم تتبلغ أي قرار من جانب البحرين، فيما حرص سفيرها لدى المنامة إيتان نائيه على أن يؤكد خلال مقابلة تلفزيونية أن علاقات "تل أبيب" بالبحرين في أحسن أحوالها، وأن بيان مجلس النواب مجرّد "تقديم سيّئ للحقيقة". أمام كل ذلك، صمت مجلس النواب، ولم ينبس ببنت شفه أمام تكذيبه رسمياً وإسرائيلياً.

شعب البحرين: ثابتون مع فلسطين

وفي مقابل هذا التحايل الرسمي، يبرز الموقف الشعبي بشكل لا لبس فيه، مؤيّداً المقاومة ومندداً بالعدوان الإسرائيلي على غزة، سواء عبر تظاهرات شبه يومية تشهدها البلدات والقرى البحرينية أو عبر تعزيز ثقافة المقاطعة التي تسهم في معركة التحرير والوعي. 

من هنا، يؤكد القيادي في جمعية وعد إبراهيم شريف أن "العدوان الهمجي على غزة كان له رعاة دوليون، على رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا، وهم من منحوا الكيان "كارتاً" مفتوحاً للعدوان، وأرسلوا أساطيلهم وأسلحتهم وذخائرهم للمساعدة في هذه المجزرة"، وخاطب شعب البحرين بالقول: "لا تستهينوا بفعل المقاطعة، فهو ذو آثار معنوية وتربوية كبرى علينا، ربما تكون أهم من آثارها الاقتصادية في الكيان".

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.