روسيا وأوكرانيا.. المفاوضات مستمرة وموسكو تحرر المزيد من الأراضي
تدرك القيادة الروسية أن وقف إطلاق النار في أوكرانيا ستستخدمه الدول الغربية لالتقاط الأنفاس من أجل بناء وتقوية الآلة العسكرية الأوكرانية لدفعها إلى معركة جديدة.
على الرغم من التحركات النشطة التي يقوم بها السياسيون من مختلف البلدان على مدار الأسبوع في محاولة للتفاوض على هدنة مع بوتين، تواصل القوات الروسية تحرير المزيد والمزيد من الأراضي ببطء، ولكن بثبات.
ليس هناك عجلة في الجبهة، فكل الأعمال تتم وفق سيناريو فعال معدّ وموجه نحو الحد الأقصى من الخسائر في صفوف الأفراد، وأول ما يقوم به الطيران هو العمل الجوي، ففي اليوم الواحد يسقط على العدو ما يصل إلى 250 قنبلة جوية عالية الدقة ذات قدرات مختلفة لا تعطي تأثيراً جدياً في تدمير مخازن العدو ومعاقله وتقنياته فحسب، بل تحمل تأثيراً نفسياً هائلاً أيضاً. وبعد عمل كثيف من الطيران والمدفعية، تقوم قوات المشاة بالهجوم.
وقد تمت السيطرة هذا الأسبوع على العديد من المناطق المحصنة الخطيرة للجيش الأوكراني، كما أن عدداً من المستوطنات في اتجاه خاركيف أصبحت تحت سيطرة القوات الروسية، والجزء الجنوبي من الجبهة يبتعد باستمرار عن حدود الاتحاد الروسي.
حاول الجانب الروسي من خلال عدد من العمليات الخاصة الناجحة أن يظهر لدول الناتو بأكبر قدر ممكن من الوضوح أن طائرات إف-16 لن تعطي النتيجة المتوقعة، وستواجه مصير الطائرات السبع التي تعرضت للهجوم من القوات الأوكرانية في مطار ميرغورود، وكذلك طائرة ميغ-29 التي أصيبت بصاروخ على بعد 140 كيلومتراً من خط الجبهة في مطار كريفوي روغ، وأنظمة ناسامس التي دمرت قرب أوديسا.
وعلى خلفية عدم تحقيق أي نجاحات على الجبهة، يواصل الجانب الأوكراني قصف المدنيين في البلدات الحدودية، فقد تعرض هذا الأسبوع مرة أخرى للهجوم على بيلغورود ودونيتسك وشبه جزيرة القرم وروستوف، وسقط ضحايا بين المدنيين، بمن فيهم الأطفال.
كل هذه الهجمات على المدنيين تتناسب تماماً مع الاعترافات الجديدة التي أدلى بها أحد المرتزقة الأميركيين الذين قاتلوا إلى جانب أوكرانيا حول كيفية استهزائهم وقتلهم الجنود الروس الأسرى الجرحى، منتهكين اتفاقية جنيف، بل وأيضاً أي أعراف إنسانية.
ورغم كل هذا، فإن روسيا مستعدة للحديث عن معاهدة سلام، ولكنها معاهدة سلام بضمانات جدية لاحترامها! إذ يدرك بوتين وبقية القيادة الروسية أن وقف إطلاق النار ستستخدمه الدول الغربية لالتقاط الأنفاس من أجل بناء وتقوية الآلة العسكرية الأوكرانية لدفعها إلى معركة جديدة.
وتوضح تصرفات روسيا الأخيرة أنه لن يكون هناك المزيد من التنازلات أو التخفيف على الجبهة، على الرغم من وصول ضيف رفيع المستوى من الهند وقمة الناتو القادمة، فقد شن سلاح الجو الروسي هجوماً صاروخياً واسع النطاق في النهار على كييف دمر 4 محطات كهربائية رئيسية، وهاجم عدداً من المصانع العسكرية مثل أنتونوف.
هذا كله يوضح تماماً أن رأي الآخرين وموافقتهم على تصرفات روسيا ليس مهماً جداً بالنسبة إلى بوتين والمواطنين. هذا النهج لا يظهر في المجال العسكري فحسب، فزيارة القمة في كازاخستان، والعودة إلى الحوار مع إيران حول معاهدة الشمال والجنوب، والهجمات الناجحة للحوثيين في البحر الأحمر بعد تصريحات حول توثيق التعاون العسكري، ونشر فرقة عسكرية رسمية في أفريقيا وزيادة المساعدة في تحريرها من النفوذ الفرنسي، والسفن الحربية والغواصات قبالة سواحل كوبا، كل هذا على سبيل المثال مثال على النهج العسكري لروسيا.
على الدول الغربية أن تتصرف بحذر أكبر، ويجب دراسة وتحليل كل عمل من مختلف الجوانب بشكل أكثر دقة، لأن الرد يمكن أن يكون غير متماثل، ويأتي من اتجاه لم يكن يعتبر خطيراً في السابق، كما هو الحال في البحر الأحمر وأفريقيا.