دوافع زيارة مودي لموسكو.. منافع ومصالح متبادلة وأهداف متباينة
تقدر موسكو كثيراً زيارة مودي الأخيرة، بحيث تكتسب أهمية سياسية بارزة بالنسبة إليها، على الصعيد السياسي، تكمن أهميتها من خلال تأكيد فشل العزلة المفروضة من الغرب على موسكو، وإظهار نيودلهي شريكاً يرفض النظام الدولي القائم الذي يهيمن عليه الغرب.
شكّلت زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، الأخيرة لموسكو، ضربة "معنوية" جديدة للغرب الجماعي، الذي اجتمع في واشنطن تحت عباءة "الناتو"، بحيث اتجهت أنظار الدول الأعضاء في الحلف إلى اللقاء الروسي الهندي في موسكو، منتظرين ما سيحمل في طياته من نتائج واتفاقيات بين موسكو ونيودلهي.
استطاع مودي، في ظل الظروف الدولية والسياسية الراهنة، أن يخطف الأضواء ويكسر المحرمات الغربية، التي لطالما نادت بأهمية عزل روسيا سياسياً، فالزيارة الأخيرة لمودي كانت منذ 5 أعوام (2019) قبل بدء الصراع الأوكراني، وبالتالي ما قبل الحرب الأوكرانية ليس كما بعدها، بحيث حملت الزيارة في طياتها كثيراً من الدلالات والمؤشرات والرسائل المهمة في مختلف الاتجاهات.
مودي ومهمة حصد مزيد من المنافع للهند
بعبارة "مصائب قوم عند قوم فوائد" يمكن تلخيص وضع الهند الحالي، بحيث نجحت خلال السنتين الأخيرتين من جني كثير من المنافع الاقتصادية والتجارية على حساب الصراع الأوكراني، وذلك من خلال تحولها إلى منصة بديلة من أوروبا لإمدادات نفط الخام الروسي الرخيص، وتعمل على تكريره وتصديره بعدها إلى الدول الغربية والعالمية الأخرى، بحيث أصبحت اليوم أكبر مورد للنفط الخام الروسي. وبالتالي، تشكل قضية إبرام عقود جديدة طويلة الأجل لتوريد النفط الخام بأسعار وحسومات إضافية من أبرز أهداف زيارة مودي لروسيا.
وفي هذا الصدد، يوضح الخبير الاقتصادي في مركز روسيا ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، حسن رمضانوف، أنه في الفترة الممتدة من كانون الثاني/يناير إلى نيسان/أبريل 2024، قامت الهند بتصدير نحو 18.4 مليار دولار من البنزين والديزل، معظمها إلى هولندا (10.9 مليارات دولار)، وكذلك إلى سنغافورة (5.7 مليارات دولار)، والإمارات العربية المتحدة (5.4 مليارات دولار)، والولايات المتحدة الأميركية (5 مليارات دولار)، وأستراليا (3.5 مليارات دولار)، وجنوب أفريقيا (3.2 مليارات دولار).
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي الروسي إيغور يوشكوف هذا الهدف، بحيث أكّد أن الهند تسعى للحصول على مزيد من الحسومات المرتبطة بأسعار النفط الخام، وذلك على خلفية استقرار السوق في الأشهر الأخيرة، مضيفاً أن صادرات موسكو من النفط الخام إلى الصين والهند تبلغ نحو 85%.
وفي الشأن التجاري، ارتفع التبادل التجاري بين روسيا والهند بصورة قياسية منذ عام 2022، بحيث زادت حصة روسيا من الواردات الهندية من 1.2% (8.7 مليارات دولار) في عام 2022 إلى 10% (67.1 مليار دولار) في عام 2023، بحيث شكلت فيها موارد الطاقة الروسية نحو (87.5%).
وفي المحصلة، بناءً على بيانات وزارة التجارة الروسية يمكن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين على مدى الأعوام العشرة الماضية نحو 11 مرة. وتؤكد موسكو، من خلال رئيس الديوان الرئاسي الروسي، مكسيم أوريشكين، أنها تتوقع أن يتجاوز حجم التجارة بين البلدين 100 مليار دولار، بعد أن بلغ 65 ملياراً نهاية عام 2023.
بين دوافع مودي الأخرى إلى زيارة موسكو، عقدُ مفاوضات مع الجانب الروسي لإبرام اتفاقية جديدة مرتبطة ببناء محطات طاقة نووية، وتوريد الوقود النووي الروسي، بحيث تعمل موسكو في الوقت الراهن على إكمال بناء وحدات إضافية لمحطة كودانكولام الهندية للطاقة النووية، التي تم بناؤها بين عامي 2013 و2017، بحيث يَعُدّ مودي خطوة إبرام اتفاقية طويلة الأمد بشأن اليورانيوم والوقود أمراً في غاية الأهمية، وخصوصاً في حال فرض حظر أميركي شامل على شراء اليورانيوم والوقود النووي، وبالتالي سيكون لدى نيودلهي عقداً جاهزاً يعزز بدوره موقف الهند التفاوضي أمام واشنطن والغرب.
بناءً على ما تقدم، يمكن القول إن رئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، يسعى من خلال خطواته لتعزيز مصالح بلاده على حساب الصراع الغربي الروسي، من خلال تحقيق المنافع الاقتصادية الخاصة عبر عقد الاتفاقات مع روسيا من جهة، وتوجيه رسائل ضمنية إلى الولايات المتحدة والغرب، مفادها أن نيودلهي لديها سياسة خارجية مستقلة، لكنها قادرة من جهة أخرى على سماع العروض الغربية والأميركية سعيا للحصول على مكاسب وعروض مغرية أخرى.
مصالح روسيا من الزيارة الهندية
تقدر موسكو كثيراً زيارة مودي الأخيرة، بحيث تكتسب أهمية سياسية واقتصادية بارزة بالنسبة إليها، على الصعيد السياسي، تكمن أهميتها من خلال تأكيد فشل العزلة المفروضة من الغرب على موسكو، وإظهار نيودلهي شريكاً يرفض النظام الدولي القائم الذي يهيمن عليه الغرب.
من زاوية أخرى، تريد موسكو إظهار مدى استقلال سياستها الخارجية عن بكين، والتأكيد أن اعتمادها، اقتصادياً وتجارياً، على الصين ليس مطلقاً، رداً على المزاعم الغربية التي تشير إلى جريها وراء الصين. بالإضافة إلى ذلك، تسعى موسكو لتوثيق العلاقات وتشبيكها بين الدول بهدف خلق خريطة طريق استراتيجية مشتركة ضمن إطار "بريكس" تساهم من خلالها في تعزيز قوة المنظمة الإقليمية في سبيل بناء عالم متعدد الأقطاب.
أما على الصعيد الاقتصادي، فتعد الهند شريكاً تاريخياً لها، بحيث تسعى موسكو لتوثيق علاقاتها بالهند ومختلف الدول، بما فيها دول عالم جنوب، بالإضافة إلى الدور الهندي الكبير في شراء نفط الخام الذي مكن روسيا من التحايل على العقوبات الاقتصادية وإدخال إيرادات مالية تساعدها على مواصلة العملية العسكرية في أوكرانيا ومواجهة مخططات الغرب وأطماعه.
في المحصّلة، يمكن عدّ زيارة مودي لموسكو "اقتصادية" خالصة يسعى فيها لتحقيق عدد من المنافع والفوائد الاقتصادية، من خلال مصالح متبادلة مع موسكو، لكن وفق أهداف متباينة لكِلا الطرفين، بحيث من الصعب على الهند أداء دور سياسي معين بشأن الصراع الأوكراني، نظراً إلى موقفها المتقارب من الغرب بهذا الشأن. ومن جانبها، تدرك موسكو جيداً أن العلاقات بالهند محصورة في مجالات معينة تقتصر على المجال التجاري وبعض القضايا السياسية المشتركة، ليس أكثر.