بين هجمة "جماعات المعبد" وتجاوب حكومة الاحتلال.. كيف يمكن كبح العدوان الإسرائيلي على الأقصى؟
من الممكن القول إنّ حكومة الاحتلال ستتجاوب مع مطالب "جماعات المعبد" إلى الحد الذي تظنّ فيه أنها قادرة على ضبط تداعيات هذا التجاوب، وضمان غياب ردّ قوي على اعتداءاتها.
لم تنتظر حكومة الاحتلال و"جماعات المعبد" كثيراً لترجمة مخططات عدوانها على الأقصى للمرحلة المقبلة، فلم تكد تمضي ثلاثة أيام من عام 2023 حتى أعلنت "جماعات المعبد" مطالبها بخصوص توسيع عدوانها على الأقصى في عهد وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، الذي عمد إلى اقتحام المسجد بحماية مشددة من قوات الاحتلال، عبر اقتحام "رمزي" اقتصر على 13 دقيقة، حاول بن غفير الإيحاء في أنّه اقتحام "شجاع" في وجه تحذيرات قوى المقاومة التي يتبادل مسؤولو الاحتلال "اتهامات" بالخوف والتراجع أمامها.
مع بداية العام، وضعت "جماعات المعبد" مطالبها بخصوص تصعيد العدوان على الأقصى في المرحلة المقبلة بين يدي إيتمار بن غفير، الذي كان تعهّد، قبيل تشكيل حكومة الاحتلال وتسلّمه وزارة الأمن القومي فيها، العملَ على تغيير الوضع القائم فيما يتعلّق بصلاة اليهود في المسجد.
ففي أول أيام عام 2023، وجّه أفيعاد فيسولي، المحامي عن "مجلس السنهدرين الجديد" رسالةً إلى مفوّض شرطة الاحتلال في القدس، يطلب فيها توضيح السياسة الرسمية التي سيتبعها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ويطالب عبرها بجلسة استماع مباشرة إلى الوزير من أجل سماع مطالب "جماعات المعبد" تلك، على نحو واضح، ثم تحديد موقف حكومة الاحتلال والشرطة الإسرائيلية بشأنها.
تضمّنت رسالة فيسولي 11 مطلباً، شملت: تمديد ساعات الاقتحامات، والسماح بها طوال أيام الأسبوع، والسماح بأداء كل الصلوات والطقوس التوراتية، ورفع أيّ حظر على إدخال "الأدوات المقدسة" إلى الأقصى، وتحديد موقع لكنيس في المسجد، وإنهاء مرافقة شرطة الاحتلال للمجموعات المقتحمة، والسماح بدخول المستوطنين من الأبواب كافةً، وعدم منع الاقتحامات في أي مناسبة إسلامية، وإعلان "الحقّ المتساوي" لجميع الأديان في الأقصى، علاوة على وقف إبعاد المستوطنين عن المسجد، وفتح باب كنيس المحكمة التنكزية، الخاضع حالياً لسيطرة وزارة الجيش، أمام جميع المستوطنين.
وبيّن تقرير نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم"، في 4/1/2023، جملة من المطالب التي تسعى "جماعات المعبد" لتحقيقها في المرحلة المقبلة، ومنها المطالبة باستبدال جسر المغاربة الخشبي الموقت، وإقامة محطة في نهاية الجسر. ومن المطالب أيضاً، الاعتراف بالأقصى مكاناً مقدَّساً لليهود. وذكر التقرير أنّ هذا الاعتراف لا يحتاج إلى تشريع، بل إلى قرار من وزير الأديان، وسيفتح الطريق أمام تشريع صلاة اليهود في الأقصى، لكن من شأنه زيادة التوتر.
وذكرت الصحيفة أنّ مطالب "جماعات المعبد" سيطرحها بن غفير قريباً أمام السلطات المهنية والشرطة والأجهزة الأمنية، وسينتهي بها المطاف على مكتب رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي سبق أن أبلغ بن غفير أنّ أيّ تغييرات جوهرية في الأقصى يجب أن تحظى بموافقته.
تشكّل مطالب هذه الجماعات تكريساً لمخططات حاول الاحتلال فرضها في الأعوام السابقة، ويمكن إجمالها تحت عناوين التقسيم الزماني، والتقسيم المكاني، وفرض الطقوس التوراتية في المسجد. وتقدّم الاحتلال في بعضها، واضطر في بعضها الآخر إلى التراجع في مواجهة إرادة المقاومة وتصدّيها للعدوان، كما في هبّة القدس، وهبّة باب الأسباط، وهبّة باب الرحمة، بالإضافة إلى هبّة باب العمود ومعركة سيف القدس. وتحاول "جماعات المعبد" الاستفادة من تركيبة الحكومة المتطرّفة من أجل فرض مزيد من العدوان في عهدها.
على الرغم من خطورة المطالب التي تسعى "جماعات المعبد" لتحقيقها، على مستوى المساس بالوضع القائم التاريخي وتداعيات ذلك، فإنه لا يُتوقَّع أن تهملها حكومة الاحتلال، فهي حكومة يؤيّد نحو نصف أعضائها فكرة "المعبد"، أو مطالب "جماعات المعبد"، ويشارك عدد منهم في الاقتحامات.
من الممكن القول إنّ حكومة الاحتلال ستتجاوب مع مطالب "جماعات المعبد" إلى الحد الذي تظنّ فيه أنها قادرة على ضبط تداعيات هذا التجاوب، وضمان غياب ردّ قوي على اعتداءاتها.
ولعلّ اقتحام وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، المسجد الأقصى في 3/1/2023، والذي تمّ بموافقة أمنية، يؤشّر على مدى أهمية أن يشعر الاحتلال بأنّ عدوانه لن يكون من دون ثمن. فوفق إعلام الاحتلال، لم يلقَ الاقتحام معارضة من نتنياهو، بينما وضعت المؤسسة الأمنية مجموعة من الشروط على بن غفير، شملت التنسيق الكامل معها قبل الاقتحام في ساعات الصباح الأولى، والتقيّد بالتعليمات المعلنة بشأن عدم الصلاة في المكان، في حين عدّت أنّه ما من تهديدات حرجة تمنع الاقتحام.
إذاً، تسعى "جماعات المعبد" لتحقيق أكثر ما يمكن من المكاسب في عدوانها على الأقصى، على نحو يساهم في تقويض الوضع القائم وتغييره، مستفيدة من التركيبة المتطرفة لحكومة الاحتلال الجديدة، ولاسيما وزير الأمن القومي بن غفير، الذي يسعى بدوره للظهور في مظهر المدافع عن "سيادة إسرائيل"، والرافض للخضوع أمام الفلسطينيين.
إنّ خطورة المرحلة المقبلة، مع ما تحمله من تساوق بين "جماعات المعبد" وحكومة الاحتلال، تُوْلي أهمية لعدم ترك الاحتلال ينفذ سياساته ويصعّد عدوانه. وإنّ الواجب هنا ليس مقتصراً على جهة من دون غيرها، بل إنّ كلّ معنيّ بالأقصى والقدس والقضية الفلسطينية عليه واجب المشاركة في إعادة فرض معنى "الأقصى خطّ أحمر". وإذا كانت جماهير القدس وأبناء الداخل المحتلّ رأس حربة الدفاع عن الأقصى، بحكم الجغرافيا وإمكان الوصول إلى المسجد (وإن تحت تضييق الاحتلال وقيوده)، فإنّ ذلك لا يُعفي الشعوب العربية والإسلامية من واجب التصّدي والمساندة، والضغط على حكوماتهم لاتخاذ موقف صارم في وجه الاحتلال وصلفه، بينما تبقى المقاومة، في كلّ أشكالها ومستوياتها، ومع تفعيل الاشتباك والمواجهة مع الاحتلال، ركناً أساسياً في معادلة الدفاع عن الأقصى والمقدّسات.