بين الهجرة والبطالة.. لبنان مجتمع هَرِم
تؤثّر الأوضاع السياسية والاجتماعية في لبنان في الشبّان، وتحفّزهم على الهجرة، إذ يشعر كثيرون بعدم الاستقرار والأمان في بلدهم، بسبب الفساد وعدم الاستقرار السياسي والتوترات الطائفية، الأمر الذي يدفعهم إلى البحث عن بلدان أكثر استقراراً وأماناً.
تحوُّلُ لبنان إلى مجتمع هرم هو نتيجة لسلسلة من العوامل المتعددة، والتي أثّرت في البلاد على مدى العقود الماضية.
بدأت هذه العوامل التفاعلَ والتداخل، مع بعضها البعض، لتشكل ما يُعرف الآن بمجتمع هَرِم.
تدهوُرُ الأوضاع الصحية والتعليمية والاقتصادية في البلاد، ساهم في تقليص الفرص الاقتصادية والعملية، وأدى بالتالي إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون الفقر والبطالة، وكلها أسباب قادت إلى هجرة الشباب.
تُعَدّ الهجرة الشبابية من الظواهر السلبية التي يعاني من جرّائها كثير من البلدان، ولبنان واحد منها. وازدادت هذه الظاهرة بصورة ملحوظة خلال الأعوام الأخيرة، نتيجة عدة أسباب.
أحد الأسباب الرئيسة هو الوضع الاقتصادي الصعب، بحيث يواجه اللبنانيون تحديات اقتصادية كبيرة منذ أعوام، وخصوصاً بعد الأزمة المالية التي بدأت في عام 2019، الأمر الذي جعل البلد يعاني نقصاً حادّاً في العملة الصعبة، وانخفاضاً في القدرة الشرائية للمواطنين.
وتؤثّر الأوضاع السياسية والاجتماعية في لبنان في الشبّان، وتحفّزهم على الهجرة، إذ يشعر كثيرون بعدم الاستقرار والأمان في بلدهم، بسبب الفساد وعدم الاستقرار السياسي والتوترات الطائفية، الأمر الذي يدفعهم إلى البحث عن بلدان أكثر استقراراً وأماناً.
بالإضافة إلى ذلك، تؤثّر الأوضاع الاجتماعية في لبنان، مثل ارتفاع معدلات البطالة وضعف البنية التحتية ونقص الخدمات العامة، في رغبة الشبان في عدم البقاء في بلدهم، وتجعل الهجرة الخارجية الخيار الأفضل لهم لتحسين مستقبلهم، في ظل
المحسوبيات في التوظيف، وتركيز أصحاب الشركات والمصالح على اليد العاملة الرخيصة، بالإضافة إلى انقسام الرواتب بين العملة الوطنية المتهالكة والعملة الاجنبية (الدولار).
نعم، يُعَدّ لبنان اليوم بلداً يفتقر إلى عنصر الشباب، بحيث يشهد البلد ارتفاعاً كبيراً في نسبة هجرة الشبان. وتبيّن الإحصاءات أن نسبة الشبان، الذين يفكرون في الهجرة، خلال الأعوام الأخيرة، ارتفعت بصورة ملحوظة. وهذا يُعَدّ تحدياً كبيراً للبنان، وخصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر فيها البلاد.
في سياق متصل، قال الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، في إحدى المقابلات، إن عدد المسافرين والمهاجرين من لبنان وصل حتى نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2022 إلى 55 ألفاً و500 شخص، في حين سجلت إحصاءات عام 2021 خروج 80 ألفاً، مقارنةً بـ17 ألفاً و721 شخصاً في عام 2020.
وتَبَيَّن أن عدد اللبنانيين الذين هاجروا وسافروا من لبنان خلال الأعوام 2018-2021 وصل إلى 195,433 لبنانياً.
وبحسب «macrotrends.net»، ويكاد يكون التقدير الوحيد المنشور عن الهجرة في لبنان، ولا سيما الذي يتيح المقارنة بين فترات سابقة والفترة الراهنة، تفيد الدراسة بأنه هاجر من لبنان أكثر من مليون شخص في الأعوام الـ15 الأخيرة.
وهناك نسبة كبيرة من هذه الهجرة هاجرت في الفترة الممتدة بين عامَي 2018 و2022، وهو مسار لم يتوقف بعدُ، أو لم تطرأ عليه تغييرات جوهرية. وهذا يُعَدّ تحدياً كبيراً للبنان، وخصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر فيها البلاد.
ننتقل إلى سبب آخر رئيس في تحوُّل لبنان إلى مجتمع هَرِم، وهو أزمة الزواج في لبنان، والتي تعود إلى عدة عوامل، منها الوضع الاقتصادي الصعب، الذي يعيشه البلد، بحيث يجد الشبان صعوبة في تأمين تكاليف الزواج والمعيشة بصورة عامة. وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع معدلات البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي بصورة عامة في البلد، الأمر الذي يجعل الحصول على عمل مستقر وملائم تحدياً كبيراً للشبان.
وتُعزى أزمة الزواج أيضاً إلى تغيرات اجتماعية وثقافية في المجتمع اللبناني، بحيث يتزايد عدد الشبان، الذين يفضّلون تأجيل الزواج والتركيز على التعليم والحياة المهنية، الأمر الذي يؤدي إلى تأخر الزواج، وعدم الاستقرار الزوجي.
في سياق متّصل، أجرى موقع "pyramid.net" دراسة عن توزُّع السكان في لبنان، في عام 2023، وقد بلغ العدد الإجمالي للسكّان 5,425,538. وبلغت نسبة السكان من فئة الشباب، 27,37 %، أي ما يعادل 1,485,123 من عدد الكّان الإجمالي. وأظهرت الدراسة أن نسبة السكان في سن العمل 62,58%، وعددهم 3,395,143، في حين بلغت نسبة المسنّين 10,05%، وعددهم 545,272.
وبيّنت الدراسة أن نسبة السكان في سن العمل ستكون أقل من 60٪ عام 2046، وأن عدد المسنّين سيكون أكثر من ضعف السكان في سِن الشباب في عام 2086.
في الخلاصة، وبناءً على الأرقام الواردة أعلاه، فإنّ لبنان متّجه نحو الانزلاق إلى دوامة الكهولة. وإذا استمرّت هذه الأرقام في التصاعد، فسيكون مستقبل المجتمع اللبناني هَرِماً من دون أدنى شكّ، الأمر الذي سيفاقم أزماته، بسبب خسارته القوة الشبابيّة.
فهل يمكن للبنان النجاة من أتون الشيخوخة؟