بوتين و العقيدة النووية الجديدة.. هل نحن على حافة حرب عالمية شاملة؟
لم يعد سراً أن روسيا باتت اليوم تعمل بشكل صريح على توسيع قائمة حلفائها من الدول، وتعزيز أسطولها العسكري والبحري لمواجهة كل الاحتمالات الغربية والأميركية الممنهجة، والقائمة على زعزعة روسيا وعزلها عن العالم.
كانت إجابة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أسئلة الصحفيين خلال زيارته فيتنام لافتة على مستوى التحليل السياسي للأحداث، وخاصة أن هذا المؤتمر الصحفي عقد بعد المفاوضات الروسية الفيتنامية والبيان الذي وقّعه الطرفان “حول مواصلة تعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة في سياق الذكرى الثلاثين لتنفيذ المعاهدة الروسية الفيتنامية بشأن أساسيات العلاقات الودية".
سُئل الرئيس عن الشروط التي سيتم بموجبها تفعيل أجزاء من الاتفاقية مع كوريا الشمالية بشأن المساعدة العسكرية، ولعل هذا السؤال هو الأكثر كثافة في التحليلات التابعة للمواقع والوسائل الإعلامية، وذلك نظراً إلى وجود بعض الساسة المنظّرين الغربيين والأميركيين الذين تتعالى أصواتهم مؤكدة رغبة روسيا في التهديد باستخدام النووي في ظل الدعم الغربي والأميركي للآلة العسكرية الأوكرانية.
وتلخصت إجابة الرئيس بوتين في أن سبب تقديم مثل هذه المساعدة في حال " العدوان العسكري" – كما جاء في الوثيقة. وأوضح أن الاتفاق المبرم مع كوريا الشمالية ليس جديداً، إذ تم التوقيع على الوثيقة لأن الاتفاقية السابقة لم تعد موجودة ولم يتغير شيء فيها. وأشار الرئيس أيضاً إلى أن كوريا الشمالية لديها اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى. وأضاف الرئيس: "بالطبع، في الظروف العالمية الحديثة، يبدو هذا الأمر حاداً بشكل خاص!
لذلك، وبموازاة هذه الوثيقة الموقّعة بين الطرفين لا يمكننا أن نفصل عملية التقارب الروسي-الكوري عن الدور الغربي الجماعي الذي ساهم بشكل كبير في أن تلقي كوريا الشمالية بنفسها في الحضن والأذرع الروسية، رغم كل العراقيل الكبيرة والكثيرة. ومن غير المستبعد أن تذهب المنظومة الغربية إلى خيار إشعال الحروب الإقليمية والضغوط السياسية بين الأطراف لمنع أي معسكر شرقي يوازي المعسكر الغربي بأدواته العسكرية والعتاد والجنود والقوة النووية!
أما بالنسبة إلى احتمال استخدام روسيا جنوداً متطوّعين من كوريا الشمالية في العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، فهذا ليس ضرورياً، وفقاً لبوتين، إذ قال بكلمات مبسطة "نحن لا نطلب هذا من أحد، ولم يعرضه علينا أحد".
ولعلّ إجابة الرئيس بوتين عن هذا السؤال تعدّ كارثة في التحليلات والتساؤلات الغربية التي وصلت إلى حد الادعاء بأن روسيا باتت تعتمد بشكل كبير على الجنود الكوريين، رغم عدم توافر دليل مقنع يدعم صحة هذه الادعاءات.
وبالتالي، ليس من باب المبالغة إذاً، أن نقول عن الجهود و التحليلات المرتبطة بالإعلام الغربي بأنها جهود مبنية جميعها على عدم المصداقية في التعاطي مع السياسات الخاصة بالدول، بل توحيد المواقف الدولية بناء على معلومات غير صحيحة ولم يتم التحقق منها!
وحول رد فعل الغرب على مقترحات موسكو لحل الصراع في أوكرانيا رد بوتين على سؤال حول سبب قراره في التعبير عن مقترحاته لحل النزاع في أوكرانيا علناً، رغم أن هذه المفاوضات أجريت في الكواليس في آذار/مارس 2022، بأن الآمال في المفاوضات آنذاك لم تكن مبررة. ووفقاً له، "الوقت سيخبرنا كل شيء، سنعتمد على كيفية تغير الوضع على الأرض. وأعتقد أن بعض السياسيين العقلاء سيظلون يفكرون في ما إذا كانت المقترحات التي قدمتها واقعية وموضوعية ومتسقة مع مصالح الأطراف المتعاقدة وأوروبا بأكملها، بما في ذلك ما إذا كانت تريد حقاً إنهاء الصراع في وسط أوروبا.
لذلك، من الواضح أن الكرملين يراقب ردود الأفعال الغربية على هذه المبادرة، ولكن "مثل هذه العدمية الغربية " في ما يتعلق بمقترحات روسيا لن يدوم إلى الأبد، بل سيتغير، بما في ذلك الاعتماد على الوضع أي "على الأرض". ومن الواضح وفق التصريحات العسكرية الروسية أن روسيا هي التي تتحكّم في الميدان والعمليات العسكرية والقتالية.
حول التغييرات المحتملة في العقيدة النووية عندما سُئل بوتين عن الظروف التي قد تكون روسيا مستعدة فيها لإجراء تغييرات على عقيدتها النووية، أجاب بوتين بأن ذلك يعتمد على خفض عتبة استخدام الأسلحة النووية في الغرب، على وجه الخصوص.
وفقاً للرئيس، يجري حالياً تطوير "أجهزة نووية متفجرة منخفضة الطاقة للغاية"، إذ قال "نحن نعلم أنه في دوائر الخبراء في الغرب هناك أفكار حول إمكانية استخدام مثل هذه الأسلحة، ولا يوجد شيء فظيع في ذلك. قد لا يكون الأمر فظيعاً، لكن يجب أن ننتبه إلى ذلك.. وأوضح الزعيم الروسي أن التصريح الخاص بأننا نفكر في التغييرات المحتملة في استراتيجيتنا مرتبط بهذا الأمر.
وشدد الرئيس على أن روسيا ليست بحاجة بعد إلى ضربة وقائية، لأنه في الضربة المضادة "سيتم ضمان تدمير العدو".
بات واضحاً أن روسيا لا تشعر بقلق كبير بشأن ما تفعله الدول الغربية، وذلك بفضل امتلاكها قدرات نووية استراتيجية، واستعدادها الدائم للقتال.
وفي كل الأحوال، لم يعد سراً أن روسيا باتت اليوم تعمل بشكل صريح على توسيع قائمة حلفائها من الدول، وتعزيز أسطولها العسكري والبحري لمواجهة كل الاحتمالات الغربية والأميركية الممنهجة، والقائمة على زعزعة روسيا وعزلها عن العالم، سواء بحرب غير مباشرة عبر حلفائها أو الضغوط الاقتصادية والسياسية والتدريبات العسكرية لحلف شمال الأطلسي المتنوعة في الكم والعدد.