الميادين منّا أهل اليمن
لم تقتصر قناة الميادين على ساحة واحدة، ولا على الساحات العربية والإسلامية أيضاً، بل كانت ساحتها الإنسان في كل البقاع.
احتفلت قناة الميادين بالذكرى العاشرة لانطلاقتها، ودشّنت عشريتها الثانية بهوية بصرية جديدة. على امتداد سنواتها العشر التي مضت، ظلت الميادين قناة عربية تسير بخطّها المبدئي المنحاز إلى الشعوب والحامل هموم العرب والمسلمين وقضاياهم، وقدمت أنموذجاً فاضلاً في المبادئ والقيم الإنسانية، وفي الإبداع المهني والاحتراف الإنتاجي. كلّ ذلك جعلها مدرسة إعلامية نوعية ذات جماهير واسعة وعريضة.
لم تقتصر قناة الميادين على ساحة واحدة، ولا على الساحات العربية والإسلامية أيضاً، بل كانت ساحتها الإنسان في كل البقاع. هذا ما يصعّب على كاتب السطور الإلمام بما شكّلته الميادين من حالة نوعية ذات شأن وتأثير عربي وعالمي، لأنّ مجالها وأفقها الإنساني يتّسع بحجم ميادين الإنسان. لذلك، سأقصر حديثي عن الميادين في اليمن الذي تعرَّض لحرب ركّزت في أكثرها على الدعاية والتضليل.
حين انطلقت الحرب التحالفية الهوجاء التي أُعلنت من واشنطن على اليمن، تحول الإعلام الغربي والأميركي والعربي إلى ما يشبه المتاريس الحربية في حرب الجيوش والتحالفات العشرينية التي ترأستها أميركا والسعودية والإمارات على الشعب اليمني، إذ احتشد الفضاء الإعلامي من واشنطن إلى دبي كبوق واحد يدعم الحرب ويروّج لها، ويشيطن اليمنيين، ويمنح الحرب على الشعب اليمني توصيفات حرب العرب وحماية الأمن القومي العربي، فصمت الناطقون تواطؤاً مع الحرب الإجرامية، ونطق الصامتون إسناداً للعاصفة العدوانيّة، واحتشد الإعلام الغربي والأميركي والخليجي، وأغلب العرب، مع عاصفة الحرب الأميركية - الخليجية - الغربية ضد اليمنيين، وصوّرتهم الدعاية المحتشدة حينها غزاة قدموا من فارس، وإرهابيين يهددون السلم والأمن الدوليين.
بضع محطات وقنوات وقفت إلى جانب الشعب اليمني، مثل المنار التي أبلت بلاء حسناً، وجابهت صعوبات كبيرة على خلفية موقفها الكبير، وللحديث عنها مقام آخر، لكن ما ميز قناة الميادين في موقفها تجاه اليمن أنها من اللحظة الأولى التي انطلقت فيها الحرب التحالفية الّتي جيشت الإعلام والفضاء التلفزيوني على اليمنيين، وقفت كصخرة صلبة أمام العاصفة الدعائية الهوجاء التي ملأت الفضاء بالزيف والأضاليل والتحريض والتحشيد للحرب على اليمنيين، وكسرت الاحتشاد الدعائي المجيّش بكتائب هائلة من المحللين والمتحدثين والناطقين باسم الحرب على اليمن.
وما يميزها أن انتصرت لليمن بالموقف الإنساني والعروبي الأصيل، حين قدمته كقضية عربية أولى، وإنسانية أيضاً، ومنحته مساحاتها وتغطياتها الكبيرة والمفتوحة، وعملت بشكل حثيث ومواكب، وبموقف مبدئي متضامن مع الشعب اليمني من دون توقف وبلا كلل.
وبما امتلكته من المهنية والاحتراف العالي، استطاعت كسر العاصفة الدعائية العدوانية ومواجهتها، ونجحت في تقديم صورة الحرب العدوانية المروعة التي يتعرض لها الشعب اليمني أمام الرأي العام، وتمكّنت من كشف أوجه الحرب الإجرامية البغيضة وأساليبها غير الأخلاقية، والحال كذلك حين عرّت جرائم الحرب العدوانية البشعة وفضحتها ونقلتها إلى الرأي العام على شاشتها، وفي منصاتها الناطقة بلغات عديدة.
ولا ننسى أنَّ الميادين خاضت معتركاً عنيفاً في معركة التصدي للزيف والتضليل والتحريض على الشعب اليمني، ولا ننسى أنها تصدت لحرب التجويع والحصار والخنق وفضحتها ونقلتها إلى جماهير كبيرة في العالم.
يذكر ملايين اليمنيين اليوم دموعاً تساقطت بغزارة على شاشة الميادين، حين ظهرت صور المذبحة المروعة التي ارتكبها العدوان بحق المعزين في القاعة الكبرى مساء الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2016. حينها، شعر اليمنيون بأنهم ليسوا غرباء في فضاء الإعلام، وأحسّوا بأن لهم أنصاراً وأحباباً عندما لم تتمالك مذيعة الميادين نفسها وهي تقرأ تفاصيل الخبر المروع وتشاهد الدم والأشلاء والجثث، حتى انفجرت بالبكاء وسالت دموعها الغالية.
لقد أدرك اليمنيون من الميادين أيضاً مدى الظلم الذي يتعرضون له، وبالقدر نفسه احتشدوا إلى المتاريس الحربية والإعلامية بأضعاف مضاعفة متحفزين بتلك الدموع التي سكبتها الميادين.
وكما هو اسمها، حضرت الميادين إلى ساحات المعركة، ونقلت بعدساتها ثبات المجاهدين وبطولاتهم في ساحات الحرب، من خلال نزول مدير مكتبها الزميل أحمد عبد الرحمن إلى جبهات عديدة، وحضرت في قضايانا ومناسباتنا وأحداثنا وبطولاتنا، حتى باتت قناة الميادين العربية الأصيلة يمنية أيضاً في منازلنا وبين أهلينا وفي جبهاتنا وفي حلّنا وترحالنا.
سجّلت الميادين أيضاً موقفاً محورياً في كسر العربدة والهمجية التي مارسها العدوان. وأتذكر كيف كسرت عزلة اليمن في بداية العام الحالي، حين تعمد تحالف العدوان ضرب النافذة الدولية للاتصالات والإنترنت، ومضى في ارتكاب المذابح بالقصف الجوي المركز على المدن والأحياء والسجون والمقرات الرسمية، وأراد الاستفراد بالشعب اليمني بعد عزله عن العالم الخارجي، فحشدت الميادين كلّ مساحاتها وبرامجها ونشراتها وبثها لكسر العزلة عن الشعب اليمني، ونجحت في تقديم القتلة وجرائمهم إلى الرأي العام، لتكسر حالة العزلة التي أراد العدوان فرضها.
وفي المناسبات، لا تتوانى الميادين في تغطياتها المكثّفة عن مشاركة اليمنيين مناسباتهم. والحق يقال، فإنّ للميادين حضوراً فاعلاً ومؤثراً لدى اليمنيين، إذ لا تغيب الأسر والنخب عن شاشة الميادين لحظة.
لقد صارت الميادين بأفقها العالمي والإنساني وموقفها العربي والإسلامي منبراً رائعاً وراقياً ومفضلاً لليمنيين في كل الأحداث والمناسبات، وها هي اليوم تدخل عشريتها الثانية بحلة جديدة، وتمضي بقوة وثبات وتألق في وفائها وموقفها وهويتها ورسالتها كمنارة وسراج ينشر الضوء في كل مكان.
تحية للميادين وهي تدلف إلى عشريتها الثانية. تحية لرئيس الميادين الأستاذ القدير غسان بن جدو. تحية لطاقم الميادين، كلٌّ باسمه وصفته. تحية للميادين بحجم فضائها الواسع. تحية للميادين بحجم انتشارها وحضورها المتألق في بلاد العرب وفي أصقاع العالم. تحيّة لتلك الدموع التي سكبتها شاشة الميادين تضامناً معنا.
إلى عشرية جديدة أقوى وأفضل وأوسع فضاءً بإذن الله.