العراق 2024... صفحات جديدة في تاريخ المنطقة بانتظار "طوفان الأقصى" ولبنان؟
نجح العراق في تجنيب نفسه عن محاور صراع الأقطاب العالمية حتى الآن، إذ استطاع إعادة ربط العلاقات مع الصين، وفي الوقت عينه، مع الدول الغربية، مروراً بدول مجلس التعاون الخليجي.
حين غزت الولايات المتحدة الأميركية العراق في العام 2003 بمساندة غربية واسعة، كانت تنتظر "رد الجميل" من كل مكوّناته على أساس أن أميركا جاءت بالديمقراطية، وأسقطت صدام حسين وحكمه.
لم تكن الولايات المتحدة الأميركية حريصة على الشعب العراقي أو المنقذة من الديكتاتورية، بل كانت تسير ضمن خطة وضعتها لتغيّر وجه المنطقة على مقياسها، عبر "ولادة شرق أوسط جديد".
فشلت أميركا والتحالف الدولي في الإبقاء على جيوشها في العراق بفعل العمليات العسكرية الواسعة التي كانت تستهدفها، فانسحبت في عام 2011، غير أن الظروف الغامضة الملتبسة في المنطقة أعادتها إلى العراق في عام 2014 على رأس التحالف بحجة محاربة تنظيم "داعش". تعتبر الولايات المتحدة وجود 2500 جندي أميركي في جميع أنحاء العراق، معظمهم في منشآت عسكرية في بغداد وشمال البلاد، ضرورياً لإظهار "الالتزام تجاه المنطقة، والتحوّط من مخاطر النفوذ الإيراني، وتهريب الأسلحة".
اليوم، يقول رئيس الحكومة محمد شياع السوداني علناً إن عراق 2014 ليس كما عراق 2024، لذا فإن مبررات وجود قوات التحالف الدولي فيه انتهت. "انسحاب هذه القوات سيتم الإعلان عنه في المؤتمر الدولي للتحالف ضد داعش". رغم أن ظروف العراق والمنطقة تُشكل عاملاً مساعداً للعراق كي يتخذ قراراً كهذا، فإنه يُسجل للسوداني حركته السياسية الداخلية والخارجية وقدرته على تدوير الزوايا، وهو الجامع بين علاقاته في الولايات المتحدة الأميركية من جهة، وإيران من جهة أخرى.
لا شك أن إنهاء وجود التحالف الدولي في العراق هو عملية معقدة جداً، خصوصاً أن وجوده جاء باتفاقية سياسية بين الجانبين، لكن السوداني اعتمد منذ توليه رئاسة الحكومة قبل سنتين على الجوانب الدبلوماسية والمباحثات الثنائية بين الطرفين.
وحاول بالدبلوماسية إقناعها بتقليص العمليات العسكرية وإفساح المجال للمباحثات، وهذا ما أعطى ثقة للجانب الأميركي بأن السوداني قادر على لعب دور وازن استقطب عبره الصف الداخلي وأقنع من خلاله التحالف بأن مصلحته يُمكن أن تكون في الخروج العسكري، أي إنهاء الطابع العسكري مع الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والتجارية والإنمائية وهي أمور مهمة جداً للتحالف، وخصوصاً الأميركيين الذين يبحثون عن مصالحهم التي ستكون محفوظة واستثنائية.
يستعيد العراق اليوم دوره الإقليمي إذ عملت حكومة محمد شياع السوداني على تحسين علاقات العراق الإقليمية والخارجية، عبر النهوض بالدور الدبلوماسي والخارجي للعراق، من خلال استكمال ومضاعفة جهود الوساطة الدبلوماسية بين دول الجوار، والعمل على أن يكون العراق مفتاح الحل في المنطقة.
وفي الوقت نفسه معالجة ما قد يطرأ من مشكلات مع الدول المجاورة من خلال الحوار. فالعراق خطا طريق الانفتاح على دول الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية، وهو يلعب دوره المتقدم في تقريب العلاقات خصوصاً بين جدة وطهران، كما إنه نجح في لعب دور أساسي في خفض التوتر في المنطقة حيث استطاعت بغداد وضع أطر التطبيع بين تركيا وسوريا.
لقد نجح العراق في تجنيب نفسه عن محاور صراع الأقطاب العالمية حتى الآن، إذ استطاع إعادة ربط العلاقات مع الصين وفي الوقت عينه مع الدول الغربية، مروراً بدول مجلس التعاون الخليجي.
وتبقى إيران الصديقة التي تدرك أميركا أن لبغداد وطهران علاقة من نوع آخر بدأت منذ سقوط نظام صدام حسين، وهي أخذت مكانها الطبيعي من حيث طبيعة الجوار والثقافة الدينية والفصائل التي يرأس معظمها شخصيات لجأت إلى إيران في زمن الحكم السابق وتربطهم بإيران أكثر من علاقة " رد الجميل".
ما بين إيران والعراق اليوم بوصلة غزة وجنوب لبنان وسوريا وجبهة "داعش"، كذلك لدى كوردستان العراق أيضاً مسألة رد جميل وجودية وهي التي، بقيادة قاسم سليماني، حمت الكرد من الإرهاب الذي كان قد وصل إلى أبوابها.
تغيرت طبيعة المنطقة. لم تنجح أميركا في تطبيق ما يسمى بـ"الربيع العربي" على سوريا، كما فعلت في الكثير من الدول العربية، وبالتالي بقي خط إيران- العراق -سوريا مفتوحاً، بل عززته الحروب الإسرائيلية وآخرها على غزة.
ليس مصادفة أن تأتي زيارة الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان إلى العراق وكوردستان كأول زيارتين خارجيتين له وليس مصادفة أن يرسل المرشد الأعلى علي خامنئي لوحة كتبت بالعربية يثني فيها على العراق ودوره. من المؤكد أن كل شيء في المنطقة يتغير. يبقى ختام مشهد "طوفان الأقصى" والمشهد اللبناني مع "إسرائيل" لنقرأ في كتاب جديد.