الصين وطريق الحرير الأفريقيّة
تسعى الصين إلى تشكيل تحالفات مع مختلف دول العالم وخاصة الأفريقية منها، في إطار تطوير مبادرة الحزام والطريق.
مبادرة الحزام والطريق الصينية أو (طريق الحرير الجديد) مشروع ضخم متعدّد الأبعاد سيكون له تأثير هائل على قضايا متنوّعة، منها النقل والتجارة الدوليّين. سيطال تأثير مبادرة الحزام والطريق، إيجابياً كان أو سلبياً، العديد من أنحاء العالم، بما في ذلك البلدان التي لم تنضمّ رسمياً إليها.
أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، وهي مشروع واسع النطاق يهدف إلى ربط بلدان العالم ببعضها البعض عبر شبكة من الطرق البرية، والسكك الحديدية، والموانئ، وخطوط أنابيب النفط والممرات البحرية وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تمر بالصين و65 بلداً آخر. وقدّمت الحكومة الصينية هذه المبادرة باعتبارها وسيلة لتحسين التعاون والاتصال فيما بين المناطق.
وأطلقت الصين هذا المشروع الذي بلغت كلفته تريليون دولار، واستقطب 8 تريليونات دولار إضافية منذ إطلاقه. وتركّز المبادرة على خمسة مجالات هي: التنسيق فيما بين السياسات الإنمائية، وإنشاء بنى أساسية ومرافق وشبكات، وتعزيز الاستثمار والعلاقات التجارية، وتحسين التعاون المالي وتكثيف التبادل الاجتماعي والثقافي.
تغطي مبادرة طريق الحرير (حزام واحد، طريق واحد) أكثر من 65 دولة بين 3 قارات "طريق السلام ولمّ الشمل والتجارة الحرة" بهذا الوصف تعهّد الرئيس الصيني أمام 53 رئيساً من القارة السمراء، في المنتدى السابع حول التعاون الصيني-الأفريقي في بكين، خلال شهر أيلول/سبتمبر 2018 أن تتبنّى الصين مبادرة "طريق الحرير" أو "الحزام والطريق"، على أن يتم دعمها بتمويلات تصل إلى 124 مليار دولار للخطة كاملة، يكون نصيب أفريقيا منها 60 مليار دولار على الأقل.
وطريق الحرير "حزام واحد، طريق واحد" أو ما يُعرف بمبادرة الحزام والطريق هي مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن الـ 19 من أجل ربط الصين بالعالم، وتغطي أكثر من 65 دولة بين 3 قارات، يبلغ تعدادها 65% من سكان العالم، و40% من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لتقديرات عام 2017، لذلك يقدّر أنها ضمن أكبر مشاريع البنية التحتية في العالم.
ووفقاً للمخطط الصيني ينقسم طريق الحرير إلى فرعين رئيسيين، هما طريق الحرير البري، وطريق الحرير البحري الذي تستفيد منه أفريقيا استفادة قصوى، حيث يبدأ من فوجو في الصين ويمر عبر فيتنام وإندونيسيا وبنغلاديش والهند وسيريلانكا وجزر المالديف وشرق أفريقيا على طول الساحل الأفريقي، متجهاً إلى البحر الأحمر ماراً عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط نحو أوروبا حتى يصل إلى الساحل الصيني.
تجدر الإشارة إلى أن عام 2020 لم يقتصر فقط على تسليط الضوء على صلابة "صمود" الصين، ولكنه أيضاً كشف عن أنها قوة ناعمة متجددة حتى في ربوع أفريقيا على خلفية مكافحة فيروس كورونا.
على جانب آخر؛ فإن جاك ما، مؤسس Alibaba (رائد التجارة الإلكترونية الصينية) حقّق مبيعات فاخرة في ذروة الوباء، حيث كان لديه ملايين الأقنعة والمعدات الطبية التي تمّ شحنها إلى 54 دولة أفريقية، بينما كان الأوروبيون والأميركيون يتقاتلون على شحنات الأقنعة على مدرج المطار في الصين.
تكثيف الدبلوماسيّة الصحيّة الصينيّة
وعد الرئيس الصيني "شي جين بينغ" في القمة الاستثنائية في تموز/يوليو 2020، المكرَّسة للتضامن في مواجهة كوفيد-19، بأن "الدول الأفريقية ستكون من بين أوائل المستفيدين من اللقاح المصنوع في الصين"، مشدداً على "ضرورة البناء معاً مجتمعاً صحيّاً ومصيراً مشتركاً بين الصين وأفريقيا"، على حد قوله.
وقد استغلّ فرصة المؤتمر للإعلان عن أن الصين ستبني مستشفيات جديدة وأنّ المقرّ الرئيسي للمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض في أديس أبابا، عطفاً على أن الإمبراطورية الوسطى قدّمت المساعدة للقاح كوفيد-19 لأكثر من 20 دولة أفريقية.
وفي الأسابيع الأولى من تفشّي الوباء، أشاد مركز السيطرة على الأمراض التابع للاتحاد الأفريقي بجهود بكين، وشأنه في ذلك شأن الإثيوبي تيدروس غيبريسوس، رئيس منظمة الصحة العالمية (WHO) الذي أشاد بـ "استجابة الصينيين" بالتصدي للوباء، بعد أشهر من غضب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والذي انتهى به الأمر إلى انسحاب الولايات المتحدة من المؤسسة على خلفية حرب التجارة الصينية-الأميركية.
أفريقيا والتبادل التجاري
بينما لا تزال أفريقيا تعاني من نقص الاستثمار لدعم تنميتها، فمن المتوقّع أن تزيد الصين من تعزيز نفوذها، وتحافظ على جهودها تجاه القارة بعد الأزمة الصحية، ولا سيما أن حجم استثمار البلاد الذي كان يمثّل فقط 3% من الاستثمارات الأجنبية في أفريقيا قبل 20 عاماً قد تجاوز 20% عام 2020"، بينما تعتمد معايير الاستثمارات الأوروبية أو الأميركية إلى حدٍ كبير على مخاطر الدولة. أما بالنسبة للصينيين، فإن الأمر عكس ذلك تقريباً، حيث إنه كلما كانت الدولة أكثر خطورة، قلّ عدد المتنافسين وزادت احتمالية نجاح أنشطتهم.
جدير بالذكر أن الصين، الشريك التجاري الأكبر لأفريقيا، قامت بوضع استراتيجية محددة لتوسيع طريق الحرير، حيث "لم تستفد العديد من الدول الأفريقية حتى الآن بشكل كامل من هذه الصداقة الصينية، وذلك بسبب الافتقار إلى الاستراتيجية على الرغم من مرور أكثر من 40 عاماً على تشكيل نخبة أفريقية في الصين".
يجب على القادة الأفارقة في هذه المواجهة الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة، الاستفادة من المنافسة الدولية لتنمية بلدانهم واللعب على تناقضات الدول الكبرى.
الصين تطرق الأبواب الأفريقية لتعبيد طريق الحرير الجديد
تسعى الصين إلى تشكيل تحالفات مع مختلف دول العالم وخاصة الأفريقية منها، في إطار تطوير مبادرة الحزام والطريق. ومن أجل إنجاح المبادرة خلصت الصين إلى ضرورة تفسير مدى فاعليتها لشركائها. ولقد بذلت الصين كل ما بوسعها لإقناع دول أفريقيا وطمأنتها بشأن الآثار التي قد تترتّب عن مبادرتها "طريق الحرير الجديد".
وخلال المنتدى الثاني الدولي لمبادرة الحزام والطريق، دعت الصين ما لا يقل عن خمسة آلاف مشارك يمثّلون أكثر من 150 دولة و90 منظّمة دولية. كما جمع هذا الحدث نحو 40 رئيس دولة وحكومة في بكين.
ونقل عن باراج خانا، المفكّر الهندي الأميركي وكاتب مقال "المستقبل في آسيا: النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين"، قوله إن "مبادرة الحزام والطريق هي أكبر برنامج لتنسيق الاستثمارات في البنية التحتية عرفه تاريخ البشرية". وبالنسبة له، تعتبر هذه المبادرة أساسية من أجل تنمية البلدان الأفريقية.
وقد توقّع خانا أن "أفريقيا لن تكون أبداً "المصنع" الجديد للعالم، لأنه مع ظهور الروبوتات، لن تكون هناك حاجة إلى يد عاملة وفيرة. وما تحتاجه أفريقيا هو بنية تحتية تخدم الاقتصاد لتمكين الناس من التنقّل بحرية في القارة من أجل العمل. ولن يكونوا قادرين على القيام بذلك من دون طرق".
إن ارتفاع مديونية البلدان الأفريقية الذي تغذيه القروض العديدة التي منحها الصينيون قد لا يمثّل مشكلة. ولقد أفاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن "الدين مشكلة عالمية، ولكن يجب ألّا يتم الخلط بين مشكلة الديون العالمية والقضايا التي قد تكون مرتبطة ببعض مشاريع مبادرة الحزام والطريق".
في مواجهة التعنّت الأميركي، ضاعفت بكين الاتصالات لتشكيل تحالفات. وقد افتتحت مبادرة الحزام والطريق، التي اقترحها الرئيس الصيني "شي جين بينغ" في سنة 2013، مساحة اقتصادية عالمية جديدة. وقد وقّعت أكثر من 150 دولة ومنظمة دولية وثائق تعاون حول مبادرة الحزام والطريق مع الصين. وقد فاقت قيمة الاستثمارات الصينية في هذه البلدان 90 مليار دولار، بحسب بكين.
ما جنته أفريقيا من الصين حتى الآن
نظراً إلى أن مبادرة الحزام والطريق تركّز على زيادة التدفّقات التجارية، وتحسين شبكات الاتصالات والسكك الحديدية والموانئ، والبنية التحتية لوسائل النقل الأخرى، فإن هذا من شأنه رفع كفاءة الموانئ الأفريقية وخفض تكاليف السفر والوقت بقدر كبير، وله تأثير كبير في زيادة التجارة البينية أفريقيّاً ودوليّاً.
ووفقاً للبنك الدولي، من المتوقّع أن تقلّل مبادرة الحزام والطريق وقت الشحن بنسبة تصل إلى 11.9%، وتكاليف التجارة بنسبة تصل إلى 10.2%، نظراً إلى أن 90% من واردات وصادرات أفريقيا تمرّ عبر البحر.
أما ما تحقّق من العلاقة على المستوى الأفريقي:
- عدد الطلاب الأفارقة زاد ثلاثين مرة فكان عام 2003 ألفي طالب، ووصل عام 2018 إلى 60 ألف طالب، سواء في شكل منح دراسية والتي وصلت إلى 30 ألف منحة عام 2020 إلى الطلاب الأفارقة، وكذلك برامج إعادة التأهيل والتدريب. وأيضاً كان لمكاتب وكالة شينخوا الرسمية الصينية للأخبار العدد الكبير على مستوى أفريقيا، وكذلك قناة تلفزيون الصين المركزي، واللتان تهتمان بالشأن الأفريقي كإحدى أهم أولوياتها.
- النمو التدريجي لمشروعات البنية التحتية في القرن الأفريقي، بتحسين شبكات الاتصالات المادية والرقمية، وهو أمر مهم لتعزيز السلع والصادرات الأفريقية، ما يمكن أن يساعد بلدان القارة على اندماج أعمق في سلاسل القيمة العالمية.
- لا يمكن تجاهل أن الصين تمثّل مصدراً بديلاً للتمويل، في وقت تبحث فيه أفريقيا عن مصادر بديلة لرأس المال من أجل تنميتها.
- نمو التجارة وخلق فرص العمل أبرز الفرص التي تتيحها تلك المبادرة لدول القرن الأفريقي، التي تعاني حالياً من مستوى بطالة مرتفع للغاية.
- معالجة العجز التجاري بين الصين والدول الأفريقية عموماً. فوفقاً لمبادرة البحث الصينية الأفريقية (CARI) عام 2015، سجّلت أفريقيا عجزاً قدره 34 مليار دولار من إجمالي حجم التجارة مع الصين، والبالغ 172 مليار دولار. وفي آب/أغسطس 2018 انخفض هذا العجز إلى 28 مليار دولار.
- رفع كفاءة الموانئ الأفريقية التي تُستخدم حالياً بقدر غير كافٍ، إذ إنها تعمل 30% فقط من قدرتها وفقاً للمعايير العالمية.