الشيخ علي سلمان والدّعوة إلى الحوار من أجل البحرين
البحرين بحاجة شديدة إلى تآلف القلوب، لكي ينبعث الأمل في نفوس أبنائها.
"إنَّ منطلق المحبّة والتسامح والتسامي على الجراح وتغليب المصلحة العليا للوطن هو ما جعل قلوبنا وأيدينا مفتوحة لأحبتنا وشركائنا في الوطن، من أجل الحوار والتوافق على رؤى وبرامج عمل وطني قادرة على التغلب على التأثيرات الإقليمية والدولية، وتحقّق مصلحة الوطن وجميع أبنائه قبل كلّ شيء".
هذا النصّ مقتبس من بيان صادر عن الشيخ علي سلمان من زنزانة سجنه في سجن جو المركزي، بمناسبة ذكرى مرور 7 أعوام على اعتقاله بسبب نضاله الوطني المستمر نحو إصلاح يؤسس لمجتمع إنساني مستقر ومقاومته كل أشكال التمييز بين المواطنين على أساس طائفي.
الشيخ علي سلمان اسم بارز في النضال الإنساني الممتد والمتواصل نحو الإصلاح والتغيير السياسي، وهو الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية التي تمثل أكبر جمعية سياسية معارضة في البحرين، والتي تم حلها عام 2016 في إطار تشديد الضغوط على ممارسة الحريات السياسية.
اعتُقل الشيخ علي سلمان في 28 كانون الأول/ديسمبر 2014، وحُكم عليه في 2015 بالسجن 4 سنوات، لإدانته بتهم تتعلّق بنشاطه السياسي الإصلاحي. وقد أدّى اعتقاله إلى المزيد من الغضب الشعبي الذي كان يسود البلاد، ولا يزال قائماً، وإلى مطالبة العديد من المنظّمات الحقوقية الدولية بإطلاق سراحه، بعد أن وصفته معتقل رأي.
وقد سبقه ولحق به الآلاف من المعتقلين لأسباب تتعلق بالحراك الوطني السلمي الذي انطلق في 14 فبراير 2011، بعد أن عانى الشعب البحريني نكبة طويلة وحقباً مظلمة عمّقت إصرارهم على مواصلة الاحتجاجات السلمية التي عمت أنحاء مختلفة في البحرين وشارك فيها آلاف المواطنين، فتعالت الأصوات المنادية بالمساواة في الحقوق والحريات العامة، والتي ضحّى عشرات المواطنين بأرواحهم لأجلها.
وتزامناً مع بدء الأزمة الخليجية في حزيران/يونيو 2017، وجَّهت النيابة العامة تهماً جديدة إلى الشيخ علي سلمان بالتخابر مع دولة أجنبية -دولة قطر- واستندت التهم إلى مقاطع مجتزأة ومبتورة من مكالمة هاتفية جمعته بوزير الخارجية القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني تعود إلى العام 2011، كانت ضمن جهود الوساطة الأميركية الخليجية في حلِّ الأزمة السياسية التي انطلقت في شباط/فبراير 2011. وبعد محاكمة شابها الإخلال بحق الدفاع، صدر حكم نهائي بحقه بالسجن المؤبد.
كرّس الشيخ علي سلمان حياته من أجل وطن آمن، وظلَّ مؤثراً وفاعلاً لنيل حقوق المواطنين الثابتة، بما فيها المساواة في الحقوق والواجبات والصوت الانتخابي، ومجلس وطني منتخب يمتلك الصلاحية التشريعية والرقابية الكاملة، وحكومة منتخبة تمثل الإرادة الحرة للبحرينيين، وقضاء عادل ومستقل، وإطلاق سراح كل معتقلي الرأي، وبينهم قادة بارزون، ومشاركة أبناء الوطن في تحمّل المسؤولية في الوظائف العامة المدنية والعسكرية، وإيقاف التجنيس العشوائي.
إنّ المتأمل والمتتبّع لخطاب الشيخ علي سلمان طوال عمله السياسي السلمي الممتدّ منذ التسعينيات إلى اليوم، سيتبيَّن له، ومنذ الوهلة الأولى، أنّ أهمّ ما يميز خطابه ونشاطه هو التمسك بالعمل السلمي والدعوة إلى إجراء حوار وطني بنّاء، وذلك في مختلف المناسبات والمنعطفات الحادة التي مرت بالوطن، سواء كان ذلك خلال لقاءاته الرسمية أو خلال لقائه مع الجمهور.
والحقّ أنّه تمسك بهذه الدعوة أيضاً طوال سنوات اعتقاله، وفي مرافعته التي ألقاها أمام هيئة المحكمة أثناء محاكمته على خلفية نشاطه السياسي الداعي للإصلاح، فالاعتقال لم يمنعه من مواصلة الدعوة إلى الحوار إخلاصاً منه لثقة الشعب به، وانطلاقاً من إحساسه بالمسؤولية في إشاعة الأمن في الوطن وتحقيق العدل لأبنائه، حتى يعيشوا أحراراً متساوين في الحقوق والواجبات، وهي مطالب وطنية ومشروعة من أجل البحرين، لا من أجل طائفة أو حزب، ومن أجل كلّ أبناء البحرين لهذا الجيل وكلّ الأجيال القادمة.
لسنوات، ظلت طاولة الحوار عقيمة، ما أسهم في اتساع الفجوة بين المعارضة والطبقة الحاكمة، رغم تتابع الحكماء والعقلاء في الوطن، وفي طليعتهم الشيخ علي سلمان، بالدعوة إلى بدء حوار وطني مثمر للعمل من أجل مصلحة البحرين، وهذا ناتج من قناعته العميقة وإيمانه الراسخ بأن الحوار طريق الحل الأمثل للتغلّب على التصدعات الداخلية والخيار الاستراتيجي لترتيب البيت الداخلي، والذي يسمح بإحراز تقدم نحو المصالحة الوطنية، وهو الطريق الذي شجعت الدبلوماسية الدولية الحكومة البحرينية عليه.
إنَّ الحوار الَّذي يدعو إليه الشيخ علي سلمان في كلّ لحظة من لحظات تاريخه السياسي، ولم يغلق الأبواب أمامه لكسر الجمود السياسي، هو حوار التوافق الوطني الَّذي يعتمد على النيات المخلصة والصادقة للمتحاورين والدخول فيه بروح المحبة والتسامح والتعايش المشترك، وأن يستشعروا آمال الشعب في الكرامة والحرية والرخاء والاستقرار، بهدف الوصول تدريجياً إلى حلّ عادل يقوم على أساس المواطنة المتساوية، حتى لا يترك خلفه ملفات تفتح المشاكل مستقبلاً، ولا يسمح بظلم يقع على أحد من أبناء هذا الشعب من سنّة وشيعة.
البحرين بحاجة شديدة إلى تآلف القلوب، لكي ينبعث الأمل في نفوس أبنائها، ويدخل الأمن والأمان إلى بيوتهم، وحتى يسود الرخاء والرفاهية في عيشهم، وتعمّ السكينة والطمأنينة في قراهم ومدنهم. إنّ تحقيق هذا الأمر ليس مستحيلاً، لكنَّه بحاجة إلى العمل على ترميم الثقة بين أطراف العملية السياسية وعقد العزم والرغبة الصادقة والإرادة الجادة نحو تحقيق تطلّعات الشعب في وطن تزدهر فيه المواطنة.
سوف تبقى دعوة الشيخ على سلمان لإطلاق الحوار الوطني الصادق ومد جسور التواصل والثقة المتبادلة قائمة ومستمرة، حتى تجد طريقها إلى العقلاء من أصحاب القرار، من أجل إيجاد حل سياسي يلبّي طموحات الشعب في الحياة الكريمة، وحتى يولد الوطن البحريني الذي يضمّ جميع أبنائه من دون تمييز بينهم، وهو مطلب كل البحرينيين من دون استثناء، بعد عناء طويل عاشه البلد، ولا يزال ليله مخيماً على ربوعه، فغابت عنه الأفراح والأعياد.