السابع من أكتوبر تاريخ لا ينسى
رغم الخسائر الجسيمة التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني، فإن عمليّة "طوفان الأقصى" هي بروفة نحو تحقيق الانتصار الشامل وكنس الاحتلال وهزيمة الإمبريالية العالمية ودول حلف الناتو وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وأنا أحاول الكتابة عن الملحمة البطولية لطوفان الأقصى، ولكني أقف عاجزاً عن وصف ما يحصل في الجزء الآخر من القلب الفلسطيني؛ هذا الجزء الذي رفع رأس الأمة العربية عالياً بعد الهزائم التي تعرضت لها الجيوش العربية في حروبها مع العدو الصهيوني، باستثناء معركة الكرامة عام 1968، وحرب تشرين عام 1973، التي حقق فيها الجيش المصري تحرير سيناء وعودتها إلى الوطن الأم مصر العروبة، رغم أن السادات لم يحافظ على هذا النصر ليقوم بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد ويخرجها من معادلة الصراع مع العدو الصهيوني.
ورغم غبطتنا لما حصل للكيان في هذا اليوم الذي بدأت فيه "طوفان الأقصى" بإعادة الروح إلى الجسد، والذي أثبت لكل العالم هشاشة "دولة" الكيان واستخباراتها وأجهزة الإنذار والسياج الإلكتروني الذي تباهوا ببنائه معتقدين أنه سيحميهم من المقاومة في غزة وأن غزة في سبات، لتقوم الطائرات الشراعية وجرافة عادية بهدم "السياج المحصن"، ليدخل الثائرون ويحرروا عدداً لا يستهان به من المستعمرات، ويحتلوا "سديروت" ومركز شرطتها وغيرها، بعدما أمطروا المستعمرات بآلاف الصواريخ، فيما جيش الاحتلال واستخباراته في سبات عميق قبل أن يدركوا حجم هزيمتهم أمام عشرات المقاتلين الغزيين.
كانت الفرحة عارمة في أوساط شعبنا الفلسطيني والعربي وهم يرون جنود الجيش الذي لا يقهر يُسحَبون أسرى إلى قطاع غزة أو قتلى في القواعد العسكرية، ما أفقد العدو صوابه وخفض معنويات جنوده وقيادته، حتى إنهم وقفوا عاجزين عن الردّ قبل أن تسعفهم الطائرات الأميركية وطاقمها الأميركي لشن حرب شاملة على القطاع العزيز، هادفين من ذلك إلى محو القطاع عن الخريطة وتهجير شعبنا في نكبة جديدة نحو جنوب غزة، ومن ثم ترحيلهم إلى صحراء سيناء.
أكثر من 20 يوماً مرت على هزيمة الاحتلال وسقوط هيبته، ورغم إعلانه الحرب، فإنه لم يحقق أي انتصار على المقاومة سوى تدمير البيوت والكنائس والمساجد والمستشفيات وقتل آلاف الشهداء والجرحى من الأطفال والنساء والمسنين، إضافة إلى تدمير البنية التحتية، مرتكبين جرائم حرب، وبدعم أميركي أوروبي وصمت عربي غير مسبوق، غير آبهين بمعايير القانون الدولي. ومنذ أن قصفت "إسرائيل" المستشفى الأهلي التابع للكنيسة المعمدانية بصاروخ، قتلت وجرحت ما يزيد على 500 شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ، مرتكبة جريمة حرب.
ولم تكتفِ ولم ترتوِ آلة الحرب الصهيونية، فقامت بتدمير المسجد العمري الكبير؛ أحد أقدم مساجد شمال غزة، والذي يعود إلى العصر المملوكي. وقد تم إنشاؤه في القرن الثالث عشر، وهدم أكثر من مرة حتى قام العثمانيون بإعادة بنائه في القرن السادس عشر، وقامت طائرات الاحتلال باستهدافه وهدمه على رأس من لجأ إليه من النازحين الغزيين من الأطفال والنساء والشيوخ، لتقضي بذلك على أثر تاريخي يكبر "دولتها" بمئات السنين.
وقد أتبعت ذلك بقصف كنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس في حي الزيتون في مدينة غزة، والتي تم إنشاؤها عام 407 ميلادي، مرتكبة بذلك جريمة حرب إضافية تضاف إلى سجل جرائمهم منذ عام 1948 وحتى الآن.
لا شك في أن استهداف المساجد والكنائس جريمة حرب من الدرجة الأولى، ربما هدفه القضاء على النسيج المجتمعي الفلسطيني لوحدة المسيحيين والمسلمين في وجه الاحتلال وغطرسته، والتي امتزجت بالدم النازف منهما، فآلة الحرب الصهيونية لا تفرق بين مسلم ومسيحي، فالكل مستهدف، وليس هناك حدود لعطش مصاصي الدماء في "دولة" الكيان وأصدقائهم الأوروبيين والأميركيين.
إن ما حصل في السابع من أكتوبر هو إعادة صياغة للتاريخ، وهو يوم مشهود سيدخل التاريخ، وستصبح هذه التجربة نموذجاً يُدَرَّس في الكليات العسكرية، لأنها أسقطت مقولة "الجيش الذي لا يقهر"، وأكدت فشل حكومة نتنياهو وسموتريش وبن غفير، وأكّدت للقاصي والداني أن تحرير فلسطين ممكن ومن دون حشد الجيوش العربية عندما تتوافر الإرادة والاستعداد والإيمان بالنصر، وحتى بغياب التكافؤ في المعدات والأسلحة والعتاد الذي يمتاز به جيش الاحتلال الإسرائيلي. وحتى الآن، هناك الكثير من النتائج الإيجابية التي حصلت حتى كتابة المقال، أذكر منها:
أولاً: الاشتباك حصل على أرض فلسطين التاريخية التي يسيطر عليها الاحتلال منذ عام 1948 .
ثانياً: سقوط عدد لا يستهان به من الجنود الإسرائليين بين قتيل وجريح وأسير خلال أيام قليلة من المواجهة.
ثالثاً: تعرض الاقتصاد الإسرائيلي لضربة أفقدت الشيكل 30% من قيمته أمام الدولار.
رابعاً: تدمير القطاع السياحي الذي لا يمكن أن يعود إلى ما قبل السابع من أكتوبر إلا بعد سنين من الهدوء والاستقرار.
خامساً: إعادة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته إلى سلّم الصدارة في الأخبار العالمية والمحافل الدولية.
سادساً: إحياء أكبر حملة تضامن عالمي مع الشعب الفلسطيني.
سابعاً: أظهرت فاشية الاحتلال وعدم احترامه القوانين الدولية واستعماله الأسلحة المحرمة دولياً، كالفوسفور الأبيض وغيره، إضافةً إلى عدم احترامه معاهدة جنيف الرابعة المتعلقة بالمدنيين وقت الحروب، فهدمت آلاف البيوت والأبراج السكنية والمساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس فوق أصحابها، وقتلت وجرحت آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، إضافة إلى قطعه المياه والكهرباء والمحروقات واتباع سياسة الإبادة والأرض المحروقة والتهجير.
ثامناً: أظهرت الوجه القبيح لدول العالم، وعلى رأسهم أميركا وحلف الناتو، واصطفافها إلى جانب "دولة" الكيان، خوفاً من سقوطها وهزيمتها باعتبارها الابن المدلل وزيف المعايير المزدوجة حيال القضية الفلسطينية.
تاسعاً: تعرّض المجتمع الإسرائيلي لأكبر هزيمة نفسية وعدم الثقة بجيشه وحكومته.
عاشراً: عودة الروح الثورية إلى شعوب العالمين العربي والإسلامي وأحرار العالم.
حادي عشر: أوقفت قطار التطبيع مع دولة الكيان الإسرائيلي.
ثاني عشر: هزيمة ساحقة لتحالف نتنياهو سموتريتش وبن غفير.
رغم الخسائر الجسيمة التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني، فإن عمليّة "طوفان الأقصى" هي بروفة نحو تحقيق الانتصار الشامل وكنس الاحتلال وهزيمة الإمبريالية العالمية ودول حلف الناتو وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.