الدول الغربيَّة تدعم "داعش" للتمدد في الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا
الإرهاب في أفريقيا إلى الواجهة من جديد؛ فتنظيم "داعش" يعيد انتشاره بشكل واسع في القارة، مستغلاً جنوب ليبيا كأهم محطة لتحرك مقاتليه.
عمدت الشركات الأمنية الغربية إلى تدمير المجتمعات لتأمين استمرار النهب، وهو ما تتشارك فيه مع تنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش" في غرب أفريقيا.
لم تطمئن الدول الغربية إلى بقاء الاستعمار في أفريقيا، عبر تخريب دولها والضّغط على الخناق لقطع أنفاسها، ولم تعدم وسيلة من الإرث الاستعماري، بهدف استمرار السيطرة ونهب 30% من احتياط النفط والغاز والمعادن العالميّة والموارد الطبيعية لتصنيع الغذاء، فكان التدخل العسكري للقضاء على حركات التحرر الوطني واغتيال القادة أول الطريق.
لم تعتمد الدول الغربية على دول أفريقيا لتأمين نهب الثروات وحماية أعمال شركاتها وخطوط الإمداد، فأوكلت الحماية إلى "شركات أمنية عالمية" أصبحت بدورها شركات للأعمال و"صناعة السلام والاستقرار"، أهمها شركة "دونكورب" الأميركية (200 مليار دولار)، ومن بينها أيضاً شركة "نيتيل إنترناشيونال سيكيوريتي" الإسرائيلية.
"داعش" وبداية الانتشار
الإرهاب في أفريقيا إلى الواجهة من جديد؛ فتنظيم "داعش" يعيد انتشاره بشكل واسع في القارة، مستغلاً جنوب ليبيا كأهم محطة لتحرك مقاتليه، وهو بذلك يعتمد على شبكة معقدة من الاتصالات والطرق تمتد عبر غرب أفريقيا وشمالها، حيث يتنقل عناصر التنظيم بين ليبيا والجزائر ومالي والنيجر ونيجيريا، وهو ينوي إنشاء إمارات في محيط بحيرة تشاد، وكذلك يستغل التنظيم حالة الانفلات التي يعززها تنظيم الإخوان المسلمين في مناطق جنوب ليبيا.
وفي هذا السياق، "اختفى" ما بين 5 و6 آلاف مقاتل داعشي من البوكمال (بحسب أقل التقديرات)، لتظهر بصماتهم في تضخّم العمليات بين سرت الليبية ومنطقة بحيرة تشاد.
تحركات التنظيم الأخيرة عدّها بعض المراقبين تنافساً بين تركيا وفرنسا وإيطاليا، على النفوذ والثروات في ليبيا والساحل الأفريقي وغرب أفريقيا، فالتنافس الفرنسي-الإيطالي أصبح واضحاً في ليبيا، الرؤية الفرنسية تعطي الأولوية لأمن منطقة الساحل ومنع نقل الأسلحة عبر الحدود الليبية إلى الجماعات التي تستهدف المصالح الفرنسية في أفريقيا، فيما تتركز الرؤية الأمنية الإيطالية على منع تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط إلى سواحل إيطاليا.
مخططات تنظيم "داعش" أو من يقف خلفه تقوده إلى أفريقيا والصحراء الكبرى، أذرعه في القارة السمراء باشرت استعداداتها للتوسع على نحوٍ كبير، فالتنظيم يعمل على الترويج للصحراء الكبرى كجبهة جديدة قد تساعده على تعويض ما خسره في مواقع أخرى.
وأما تركيزه الجديد في أفريقيا فسوف ينصبّ على تأمين الأمن والخدمات الأساسية للمجتمعات المحلية، عين "داعش" على الصحراء الكبرى، وكل الدول المحيطة معنية بها من الجزائر إلى ليبيا ومصر والسودان، لكونها ثاني كبريات الصحاري في العالم وتحتل الجزء الأكبر من شمال أفريقيا، وتمثل صلة الوصل بين شرق القارة وشمالها وغربها.
أما بالنسبة إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، فالصحراء هي المكان الذي يستطيع من خلاله أن يمتلك تأثيراً كبيراً في الصحراء والدول المحيطة، فمن خلال الصحراء سيسيطر "داعش" على آلاف الكيلومترات المربعة.
بداية التمدد
من مالي، بوابة غربي أفريقيا، تتمدّد جماعات "القاعدة" إلى نيجيريا التي أسّس فيها محمد يوسف في العام 2009 أكبر تنظيم لـ"أهل السنّة للدّعوة والجهاد"، سمّاه "بوكو حرام"، للعمل على تفتيت أغنى دولة أفريقيّة وتدميرها.
حافظ "بوكو حرام" الذي تولّى زعامته أبو بكر شوكا (شوكي) بعد مقتل محمد يوسف على سيرة تنظيمات "القاعدة" في التمدّد على الحدود المشتركة بين الدول، بهدف تحصيل الإتاوة من خطوط إمداد منشآت الشركات الأجنبية وحماية نهب المواد الأولية وخطوط الإمداد، لكن "شوكا" خرج على التقليد الذي يزعزع الثقة بين تنظيمات "القاعدة" والأجهزة الغربية.
دخول تنظيم "داعش" المباشر
طريق "داعش" إلى الصحراء الكبرى عبّدها التنظيم باقتحامه غابة سامبيسا في نيجيريا التي تتمتع بأهمية استراتيجية، ما أدى إلى مقتل زعيم تنظيم "بوكو حرام" أبو بكر شوكا وأسر عديد من أتباعه واغتنام أسلحته وخزنته.
في السياق ذاته، سعى "داعش" لدمج قادة "بوكو حرام" في صفوفه، ليصبح أقوى الجماعات المتطرفة والإرهابية في تلك المنطقة الشاسعة، ويحصل على الكثير من الدعم الذي كان مخصصاً لجماعة "بوكو حرام" التي ورثها.
اللافت أيضاً أن المجموعات المتشددة الموجودة في منطقة الساحل (موريتانيا، بوركينا فاسو، مالي، النيجر وتشاد) ستتّحد على الأغلب تحت قيادة ما بات يُعرف باسم "ولاية داعش في غرب أفريقيا".
الدول الغربية تركن إلى المراهنة على "داعش" في غربي أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، بعد خروج قوات فرنسا والدول الغربية من المنطقة، من أجل استكمال تخريب الدول وتدمير المجتمعات في الصراع مع تنظيمات "القاعدة" على تخدير الجوعى الأفارقة بأوهام الأساطير (80 مليوناً من أصل 200 مليون في نيجيريا تحت خط الفقر) في المناطق الحدودية بين بلدان مالي ونيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو والكاميرون وساحل العاج.