"إيكواس" والخيارات الصعبة
لقد خرجت مالي وبوركينا فاسو ببيان مشترك، يَعُدّ أن أي تدخل عسكري ضد النيجر هو بمثابة "إعلان حرب" على البلدين أيضاً، ورفضتا، إلى جانب غينيا، الاشتراك في تطبيق العقوبات على نيامي.
الحرب في النيجر باتت أقرب من أي وقت مضى، فالمدة التي حددتها المجموعة الاقتصادية لدول غربي أفريقيا، "إيكواس"، انتهت، بعد أن أعطت لقادة الانقلاب في النيجر أسبوعاً لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه. ووعد فرنسا بدعم تدخل "إيكواس" لإحباط انقلاب النيجر ما زالت تضج به باريس، التي تهيأت ربما لتكون طرفاً في الحرب، في وقت لم يجد انقلابيو النيجر بداً من زيارة مالي المجاورة من أجل طلب المساعدة والمعونة من مجموعة "فاغنر" الروسية هناك للتعامل مع التدخل العسكري في حال وقع.
مع سماع ضجيج طبول الحرب في غربي أفريقيا، وقبل ما يُتوقع سماعه من دوي القذائف والصواريخ ورؤيته من أهوال الحرب، تثار التساؤلات بشأن مجموعة "إيكواس" ومدى قدرتها فعلاً على خوض حرب في النيجر، وخصوصاً أنها تحظى بالدعم الكامل من فرنسا التي تحتفظ بقوة عسكرية في النيجر، بينما في المقلب الآخر هناك محاذير كبرى من خوض حربٍ قالت دول أفريقية جارة للنيجر إنها ستعدّها حرباً عليها، مثل مالي وبوركينا فاسو، بالإضافة إلى رفض دول أخرى أفريقية أي تدخل عسكري، مثل الجزائر وتشاد.
من هي مجموعة "إيكواس"؟ وما سيناريوهات التدخل العسكري المحتملة؟
قبل أن نبدأ الخوض في تفاصيل قصة تأسيس "المجموعة الاقتصادية لدول غربي أفريقيا"، والتي تضم 15 دولة، هي: النيجر، نيجيريا، مالي، بوركينا فاسو، السنغال، غانا، ساحل العاج، توغو، غامبيا، غينيا، غينيا بيساو، ليبيريا، سيراليون، بنين والرأس الأخضر.
في البداية، ربما تفرض التداعيات على الأرض أن نبدأ الحكاية منذ ظهور انخراط المجموعة الأفريقية في رفض انقلاب النيجر وتهديد الانقلابيين، بحيث اجتمع القادة العسكريون لدول المجموعة في العاصمة النيجيرية أبوجا لمناقشة سبل التعامل مع أحدث انقلاب في منطقة الساحل الأفريقي، قبل أن يحدد المجتمعون عناصر التدخل المحتمل، بما في ذلك الموارد اللازمة، وكذلك كيف ومتى سيتم نشر القوة العسكرية للتدخل، حتى إن قادة "إيكواس" أكدوا أن المجموعة لن تبلغ الانقلابيين متى وأين ستضرب، وخصوصاً بعد أن فشلت مساعي وفد المجموعة إلى العاصمة نيامي في تحقيق أي تقدم عبر التفاوض.
بالنظر إلى القدرات العسكرية لدى "إيكواس"، فإنها نظرياً قادرة على التدخل العسكري، بالاعتماد أولاً، بصورة كبيرة، على دعمٍ فرنسي لم يحدد شكله، ثم سيكون الاعتماد على نيجيريا بسبب إمكاناتها البشرية والعسكرية الكبيرة، بحيث يتألف جيشها من مئتين وثلاثة وعشرين ألف فرد، فضلاً عن امتلاكه طائرات ومقاتلات حديثة، كما أن لنيجيريا حدوداً طولها ألف وستمئة كيلومتر مع النيجر. أما الدولتان الأخريان، اللتان أكدتا عزمهما التدخل عسكرياً، في حال اتخذ القرار، فهما السنغال، التي يبلغ تعداد جيشها 17 ألف مقاتل، وهو يحتل المرتبة الـ125 على مستوى العالم، بالإضافة إلى بنين، وهي من الجارات الجنوبية للنيجر، ويتكون جيشها من خمسة آلاف فرد، ويحتل المرتبة الـ144 على مستوى العالم، من دون أن ننسى ساحل العاج، التي يبدو أنها مستعدةٌ لإرسال قوات ايضاً، لكن من جهة أخرى لا بد من إيضاح مفاده أن المجموعة لا تتفق في رأي واحد بشأن انقلاب النيجر.
لقد خرجت مالي وبوركينا فاسو ببيان مشترك، يَعُدّ أن أي تدخل عسكري ضد النيجر هو بمثابة "إعلان حرب" على البلدين أيضاً، ورفضتا، إلى جانب غينيا، الاشتراك في تطبيق العقوبات على نيامي، الأمر الذي يعني أن التدخل العسكري قد يجرّ على المنطقة حرباً كبيرة قد تتدحرج كرة النار فيها لتشمل دولاً أفريقية متعددة، أمّا تشاد، المعقل الأخير لفرنسا في الساحل الأفريقي، والمجاورة، فعلى رغم أنها ليست عضواً في "إيكواس"، فإنها قوة عسكرية مهمة، أعلنت عدم مشاركتها في أي تدخل عسكري. ووفقاً لخبراء عسكريين، فإنه في حال تم اتخاذ قرار الحرب ضد النيجر فإن سيناريوهات "إيكواس" وخياراتها، بشأن التدخل العسكري، هي كالتالي:
أولاً: غزو بري، بحيث تتحرك الجيوش من نيجيريا وبنين عند الحدود، لكنها عملية تنطوي على مخاطر كبيرة في حال تدخل مالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي يعني استغراقها وقتاً طويلاً، ووقوع خسائر كبيرة مع احتمال امتداد الحرب إلى دول أخرى مجاورة.
ثانياً: يكون عبر تدخل قوة خاصة تكون مهمتها تحرير الرئيس المخلوع وإعادة حكومته، مع السيطرة على المراكز الرئيسة والحساسة من دون الدخول في مواجهة شاملة، لكن هذه العملية تحتاج إلى دعم استخباري من فرنسا وأميركا داخل النيجر، كما أنها تنطوي على مخاطر الفشل في حال كشف القوة قبل الوصول إلى المراكز المستهدفة، كما أن وجود مزاج شعبي لا يستهان به في النيجر يدعم الانقلاب قد يعطل هذا السيناريو.
ثالثاً: دعم انقلاب مضاد داخل الجيش، إلّا أن هذا الخيار ما زال غير واضح المعالم، ولا يمكن التنبؤ بنجاحه، الأمر الذي قد يجعل "إيكواس" تذهب نحو حلولٍ تفاوضية، بينها الاتفاق على جدول زمني لانتقال السلطة من أجل تهدئة الأمور وإيجاد حل وسط للعودة إلى الحكم الديمقراطي، على نحو يشابه ما اعتمدته مجموعة "إيكواس" في مالي وبوركينا فاسو، اللتين استولى الجيش على السلطة فيهما في الأعوام الأخيرة، لأن التدخل العسكري في سيناريو مشابه للتدخل في غامبيا عام 2017، عندما رفض الرئيس يحيى جامع التنحّي بعد خسارته في الانتخابات يبدو أصعب كثيراً في النيجر، التي هي، من الناحية الجغرافية، أكبر دولة في غربي أفريقيا بينما تُعَدّ غامبيا قطعة صغيرة من الأرض محاطة بالسنغال والمحيط الأطلسي.
إن إرسال قوات عسكرية إلى النيجر سيكون مغايراً تماماً وتهوراً ومجازفة لن تكون نهايتها في يد من بدأها. وهي، أي الحرب، ستطول وتطول، وكل هذا سيضع "إيكواس" في أصعب اختبار لها منذ تأسيسها في مدينة لاغوس، في نيجيريا بتاريخ 28 أيار/مايو من عام 1975، وهي لا تضم أي بلد عربي بعد أن كانت موريتانيا العضو العربي الوحيد في تلك المنظمة، لكنها انسحبت من المجموعة في كانون الأول/ديسمبر من عام 2000. وتغطي بلدان "إيكواس" مجتمعة مساحة تبلغ 5.114.162 كيلومتراً مربعاً، بينما يقدر عدد سكانها بأكثر من 350 مليون نسمة، ويقدر إجمالي الناتج المحلي لدول المجموعة بنحو 734.8 مليار دولار، بحيث تتوزع أنشطة الدول الاقتصادية في مجالات الصناعة والنقل والاتصالات والطاقة والزراعة والموارد الطبيعية والتجارة.
على رغم أن أساس قيام "إيكواس" كان اقتصادياً وسياسياً، فإن المنظمة عسكرت نشاطها أيضاً منذ وافقت على إنشاء قوة أمنية إقليمية للتدخل ضد الجماعات المتطرفة، ومنع الانقلابات العسكرية في بلدانها.
أخيراً، يبدو أن على "إيكواس" أن تواجه انقلاباً جديداً بين دولها، لكن هذه المرة يبدو أنه انقلاب سيجر حرباً كبرى إلى قلب أفريقيا.