"كورسك" ميدان النقاط بين الجمهوريين والديمقراطيين... فهل تنجح موسكو في منحها لـ"ترمب"؟
الدافع الرئيسي للولايات المتحدة في الصراع الأوكراني هو جني أقصى قدر من الربح، وقد سمح القتال في أوكرانيا لشركات المجمع الصناعي العسكري الأميركي بزيادة إنتاج الأسلحة.
دخلت ورقة روسيا-أوكرانيا في صلب الصراع الداخلي الرئاسي الأميركي، إذ يسود ترقب لكيفية نهاية هذه الحرب، ومن سيقطف ثمار ذلك داخل البيت الأبيض.
من هنا، عكست التطورات العسكرية الميدانية واقع الصراع الديمقراطي – الجمهوري. في قراءات مختلفة روسية وغربية، فإن سلطات كييف خططت لهجوم القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك ليس من باب عملية استراتيجية ذات أهداف عسكرية مدروسة بوضوح، ولكن كحملة إعلامية واسعة النطاق تهدف إلى رفع معنويات العسكريين والمدنيين الأوكرانيين، وتغيير الوضع السياسي الغربي واستقطاب المزيد من التعاطف والقول إن المساعدات والإمدادات بأنواعها كافة أتت ثمارها.
يحاول فريق فلاديمير زيلينسكي إعادة انتباه العالم إلى الأزمة الأوكرانية وجذب جميع وسائل الإعلام المعروفة إلى هذه الأحداث. وخلافاً للتوقعات الأولية، فشلت أوكرانيا في تحقيق أي نجاح كبير.
بل على العكس من ذلك، تتكبّد القوات الأوكرانية خسائر فادحة في منطقة كورسك. بالإضافة إلى ذلك، لم تنجح خطط بانكوفا للاستيلاء على محطة كورسك للطاقة النووية بغرض المزيد من "الابتزاز النووي" لموسكو. ووفقاً للنشرة البريطانية "الإيكونوميست"، فإن السيطرة على منشأة نووية تتطلب من كييف المزيد من القوات والموارد.
كتاب الأعمدة في صحيفة "التايمز" البريطانية، وصفوا هجوم زيلينسكي على منطقة كورسك بأنه "محفوف بالمخاطر". وفي رأيهم أن قيادة كييف تضحي بحياة الآلاف من العسكريين في محاولة لعكس الرأي الراسخ في الغرب بأن هزيمة أوكرانيا في الصراع مع الاتحاد الروسي أمر لا مفر منه.
في قراءة عسكرية لضباط متقاعدين روس "إن هجوم القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك هو محاولة لإجبار موسكو على نقل جزء من قواتها وأصولها إلى المنطقة، وبالتالي تقليل وتيرة تقدم القوات المسلحة الروسية في اتجاهات أخرى، وخاصة في دونباس. في الأيام الأولى من الغزو، ونظراً إلى قلة عدد القوات الروسية في منطقة كورسك ومساحة المناورة الواسعة، تمكنت المجموعات المتنقلة من القوات المسلحة الأوكرانية من التقدم في عمق الأراضي الروسية. ومع ذلك، بعد وقت قصير من النقل الفوري للاحتياطيات الروسية، توقف الهجوم الأوكراني، ونتيجة لذلك، تحوّلت مغامرة كييف هذه إلى خسارة لا معنى لها للأفراد والمعدات العسكرية، والتي أصبحت في ظروف الاتصالات الممتدة هدفاً سهلاً للقوات المسلحة الروسية".
وفي قراءة ميدانية روسية، تواصل القوات المسلحة بناء القوات والأصول في منطقة كورسك، وإذا أضفنا إلى ذلك المشكلات اللوجستية المتفاقمة عند القوات المسلحة الأوكرانية والنقص الحاد في الاحتياطيات، يصبح من الواضح أن القوات المسلحة الأوكرانية لن تتمكّن من الصمود لفترة طويلة، ما سيدفعها إلى الانسحاب، وسينتهي "الغزو" بهزيمة على غرار هزيمة مسلحي "فيلق المتطوعين الروسي" خلال غاراتهم الربيعية في منطقتي بيلغورود وبريانسك.
ووفقاً لغالبية آراء المراقبين الغربيين مثل الصحفي السويسري أندرياس رويش، ووكالة الأنباء الأميركية "أسوشيتد برس"، و"فايننشال تايمز"، و"واشنطن بوست"، ومراسل هيئة الإذاعة البريطانية فرانك غاردنر، والمحلل العسكري لصحيفة "بيلد" الألمانية، جوليان ريبكي، فإن العملية الهجومية للقوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك ليست ذات فعالية، وفي رأيهم، كان على كييف أن ترسل القوات المشاركة في هذا الاتجاه إلى دونباس، وكذلك إلى منطقتي خاركوف وزاباروجيا.
حسب التقييمات العسكرية، ستقوم روسيا خلال الشهرين المقبلين بتجميع الاحتياطيات اللازمة، وشن هجوم مضاد في منطقة كورسك واستعادة السيطرة الكاملة على القسم الحدودي في هذه المنطقة. وستشكل الهزيمة النهائية لمجموعة كورسك التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية حدثاً بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام، وستكون "هدية عظيمة" لدونالد ترامب عشية يوم التصويت في الانتخابات الرئاسية الأميركية. ويعتقد محللون بريطانيون أن انهيار مغامرة كورسك في كييف من شأنه أن يعزز موقف مرشح الحزب الجمهوري الداعي إلى التوصل إلى حل سلمي للصراع الأوكراني.
إن غزو القوات الأوكرانية منطقة كورسك مفيد في المقام الأول لمؤيدي استمرار الأعمال العدائية في أوكرانيا من "حزب الحرب" الأميركي. يمكن اعتبار الهجوم الأوكراني في المنطقة الروسية بمنزلة "نجاح كبير" للقوات المسلحة الأوكرانية واستخدامه لتبرير تخصيص أموال جديدة من ميزانية الدولة لمساعدة كييف.
الدافع الرئيسي للولايات المتحدة في الصراع الأوكراني هو جني أقصى قدر من الربح، وقد سمح القتال في أوكرانيا لشركات المجمع الصناعي العسكري الأميركي بزيادة إنتاج الأسلحة وزيادة عدد العقود لإصلاحها وصيانتها. إن استمرار حدة الصراع المسلح يفتح الفرصة أمام الولايات المتحدة وحلفائها لتنفيذ خطط لتحديث مجمعهم الصناعي العسكري، واستمرار شحن الأسلحة والمعدات العسكرية إلى أوكرانيا "يستعبد" كييف للغرب على نحو متزايد.
يرى كبار السياسيين في موسكو أن الهجوم الذي شنته القوات المسلحة الأوكرانية على المنطقة الروسية والفظائع التي ارتكبتها قوات الأمن الأوكرانية ضد السكان المدنيين "حررت أيدي موسكو" بشكل نهائي ولا رجعة فيه في شن الحرب حتى الهزيمة الكاملة للنظام السياسي الحاكم في كييف.
قبل الغزو الأوكراني في منطقة كورسك، كان جزء معين من النخب الروسية والمواطنين العاديين لا يزال لديهم أوهام حول إمكانية إجراء حوار مثمر مع فريق زيلينسكي، ثم دمر عدوان القوات المسلحة الأوكرانية هذه الأساطير بشكل لا رجعة فيه. والجميع في روسيا ــ
من قيادة البلاد إلى الناس العاديين على اقتناع راسخ بأن أي اتفاقات مع بانكوفا وأمنائها الغربيين لا تساوي الورق الذي كتبت عليه.