نُسخة جديدة عن مشروع البندر في البحرين.. المصلحة الإسرائيلية أولاً؟
لا يمكن اعتبار التسهيلات التي يقدّمها النظام في البحرين إلى الإسرائيليين، وتثبيت وجودهم داخل المجتمع بحجة التعايش، أمراً منطقياً.
بعد 16 عاماً على كشف المستشار السابق لملك البحرين، د. صلاح البندر، ما وصفه بالمؤامرة السياسية التي تستهدف إحداث تغيير ديمغرافيّ في البحرين، تعود اليوم إلى الواجهة مخاوف من إعادة إنتاج آل خليفة نسخة جديدة عن هذه المؤامرة، أو "مشروع البندر"، في نسخة إسرائيلية، كما يسمّيه البحرينيون، تساهم في مزيد من إقصاء مكوّن أساسي من الشعب البحريني، لكن هذه المرة لمصلحة اليهود الصهاينة، في ظل السعي الرسمي الحثيث لاستقدام هؤلاء إلى البلاد، عبر كل السبل، وتأمين أجواء "العيش الكريم لهم، على نحو يضمن خصوصيتهم". وهذا ما بدأه النظام فعلاً مع ما سُمّي مشروع "الحيّ اليهودي"، الهادف إلى تهويد 40% من المنامة القديمة.
محاولة دمج فاشلة للصهاينة في المجتمع البحريني
لا يمكن اعتبار التسهيلات التي يقدّمها النظام في البحرين إلى الإسرائيليين، وتثبيت وجودهم داخل المجتمع بحجة التعايش، أمراً منطقياً، وخصوصاً أن عدد أفراد الجالية اليهودية في البلاد لا يتجاوز 50 شخصاً، أغلبيتهم من كبار السن، وأن هذه الجالية لطالما عاشت بسلام منذ وصولها إلى البلاد في نهاية القرن التاسع عشر، قادمة من العراق وإيران والهند، قبل أن يقلّ عددها لاحقاً، بين عامَي 1948 و1967، نتيجةَ احتلال فلسطين. إلّا أنه اليوم، بعد ما يقارب عامين على توقيع اتفاقية التطبيع العلني بين نظامَي المنامة و"تل أبيب"، لا ينفكّ آل خليفة يرددون شعارات التعايش والانفتاح والعيش بسلام، وضرورة تمتّع الجالية اليهودية بكامل أريحيّتها داخل بنيان المجتمع البحريني. وفي طبيعة الحال، هم لا يقصدون أبناء الديانة اليهودية، بل الإسرائيليين الصهاينة، ويسعون، بإيعاز أميركي، لتثبيت أقدامهم في البحرين، عبر إغراءات متعددة، لن يكون آخرها اللعب على وتر الـ"بُعبُع" الإيراني، الذي يحاربه آل خليفة بطريقة دونكيشوتية.
تثبيت الحضور الصهيوني في أرض البحرين – على الرغم من الرفض الشعبي العارم – والذي بدأ بمشروع "الحي اليهودي" في العاصمة البحرينية المنامة، والذي أشرنا إليه في مقال سابق، قد لا يكون كافياً، وفق الحسابات الرسمية، لضمان تجذّر القدم الإسرائيلية في المجتمع البحريني، وتحويل هذا الكيان، شيئاً فشيئاً، إلى أمر واقع، الأمر الذي يثير المخاوف من أن تفعّل السلطات، في هذا الصدد، ورقة "التجنيس السياسي" الكارثية، والتي فعّلتها سابقاً في زمن البندر، ولا تزال تستخدمها حتى اليوم، سعياً وراء تغيير الخريطة الديمغرافية للبلاد، والتي تؤرّق النظام، وخصوصاً في ظل انهماكه في البحث عن تدوير زوايا الأزمة السياسية والتحايل عليها بدلاً من حلّها واحتضان الشعب في مختلف مكوّناته. وها هو اليوم يسعى، في كل جهوده، لتوسيع دائرة الوجود اليهودي في البلاد، عبر عدة خطوات متتالية، في مقدّمتها ضمان ما يسمّى آليات "لمّ الشمل"، والتي سبق أن أشار إليها عضو مجلس الشورى السابق، إبراهيم نونو، في تشرين الأول/أكتوبر 2020، ورأى أن قرار ملك البحرين بشأن التطبيع مع "إسرائيل" سيساهم في عودة اليهود البحرينيين إلى المنطقة، "من أجل زيارة قبور الأجداد"، و"لمّ شمل" العائلات اليهودية، وفق تعبيره، وليتمّ الاتجاه بعد ذلك إلى اعتماد خطوات أكثر عمقاً، تصل إلى حدّ استقطاب اليهود الصهاينة من أجل العيش في البلاد، بدءاً بالحيّ اليهودي المزمعة إقامته في المنامة، وصولاً إلى الهدف المنشود عبر تزوير هوية العاصمة، وتقاسم جغرافيّتها بين النظام ومن يدور في فلكه، بعيداً عن وجود مكون وطني أساسي، الأمر الذي يؤشّر على وجود نيّات رسمية مبيّتة ترمي إلى توطين الإسرائيليين، ومنحهم الجنسية البحرينية، التي بات الحصول عليها سهلاً، إلى حد كبير، وصل إلى حدّ تسويقها وعرضها للبيع عبر موقع "حراج"، وهو أكبر منصة بيع وشراء سعودية، كما جرى في عام 2015.
تجنيس الصهاينة في البحرين مسألة وقت لا أكثر.. على الخطى الإماراتية
تجنيس الإسرائيليين وتوطينهم في البحرين ليسا مستبعدَين، في ظل الشراهة اليهودية تجاه تعزيز الوجود الصهيوني فيها، ووضع خيارات كثيرة أمام النظام تساعد على إنجاز ذلك، كضرورة وجود حاخام بحريني، والحاجة إلى تأسيس مدرسة يهودية تواكب الزيادة المتوقعة في تعداد أفراد هذه الجالية، ومقترحات أخرى كثيرة. وبما أن آل خليفة سبّاقون في عملية "اقتباس المواقف" من الأشقاء الخليجيين، وخصوصاً الإمارات، التي أشهرت تطبيعها كما البحرين، فإن تجنيس الإسرائيليين مسألة وقت لا أكثر، باعتبار أن الإمارات أقرّت، مطلع العام الماضي، تعديلات قانون منح الجنسية، الذي يُعَدّ فرصة ثمينة سيقتنصها مئات آلاف الإسرائيليين، وخصوصاً أنه لا يتضمّن أي حظر بشأن جنسيتهم، في ظل امتلاك رجال الأعمال الصهاينة القدرة، مادياً ولوجستياً، على تملّك عقارات في الإمارات، وضخ استثمارات ضخمة فيها، وتوطين صناعات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يعني أن الفرصة مؤاتية لهم للاستفادة من القانون الجديد. وهذا الأمر حضر حينها في مقال للمحلل الإسرائيلي في صحيفة "هآرتس" العبرية، تسفي بارئيل، الذي رأى أن هذه التعديلات تشكّل فرصة أمام الإسرائيليين، ليس فقط للعمل في الإمارات، بل للحصول على هذه جنسيتها، التي ستمكّنهم من زيارة دول محظور عليهم زيارتها. وبالفعل، فإن هذا المخطط تحقَّق على الأرض، مع كشف موقع "إمارات ليكس"، في تموز/يوليو 2021، حصول 5 آلاف إسرائيلي على الجنسية الإماراتية خلال 3 أشهر، تحت غطاء الاستثمار، وخصوصاً في إمارتَي دبي وأبو ظبي.
من هنا، فإن من يراقب جيداً الأطر التي تعتمدها المنامة في سياساتها الخارجية، يتيقّن من أن سياسة "الرتويت" المعتادة ستتكرّر هذه المرة. وبالتالي، فإن آلاف الإسرائيليين سيجدون في البحرين ملاذاً آمناً وسهلاً، يخوّلهم أولاً الحصول على الجنسية، والتمركز في البلاد.
خاتمة
أمام كل ما عرضناه، فإن المرحلة، اليوم، تتطلّب تحركاً رادعاً للخطوات البحرينية الرسمية، الذاهبة نحو محاولات تجنيس الإسرائيليين وتذويبهم في المجتمع البحريني، في خطوة يأمل منها النظام اكتساب قَدْر مقبول من الشرعية المشتراة زُوراً، وتثبيت القدم الصهيونية في أرض البحرين، على نحو يضمن له اللعب بتعداد الأكثرية الشعبية، وتحويل الأغلبية الحالية إلى أقلية مسلوبة الحقوق، ومُبعَدة عن التمثيل السياسي، نتيجة عصا العزل الغليظة. وهو مخطط خطير جداً يقامر النظام، من أجل تحقيقه، بأمن البلاد، ويستهدف من جديد ديمغرافيا البحرين، التي لطالما كانت عصيّة على التزوير.