هل يمكن كبح جماح الضربة النووية والحرب العالمية الثالثة؟
أقنعة الغرب السياسية والدبلوماسية بدأت تتساقط، ويبدو أن فصلاً جديداً بزغ في الصراع الأوكراني ترجم الأسباب والدوافع التي دفعت الغرب إلى إعطاء القوات المسلحة الأوكرانية تفويضاً مطلقاً لشن ضربات انتقامية في الداخل الروسي.
تمثل الاتجاه الأوكراني الأخير نحو الأسلحة الغربية في طلب من الدول المانحة بالموافقة على ضرب الأراضي الروسية بالصواريخ التي قدمتها للجيش الأوكراني، إذ كان الموضوع من المحرمات بالنسبة إلى الدول الداعمة، رغم أن هناك سوابق لمثل هذه الهجمات في السنوات الأخيرة، منها على سبيل المثال الهجمات المتكررة على جسر القرم وغيرها من الهجمات.
ولكن أقنعة الغرب السياسية والدبلوماسية بدأت تتساقط، ويبدو أن فصلاً جديداً بزغ في الصراع الأوكراني ترجم الأسباب والدوافع التي دفعت الغرب إلى إعطاء القوات المسلحة الأوكرانية تفويضاً مطلقاً لشن ضربات انتقامية في الداخل الروسي :
1- الدافع الأول هو "الهجوم العسكري الروسي"؛ ففي مايو/أيار، شن الجيش الروسي هجوماً على المنطقة الحدودية لمنطقة خاركوف، وتبين أن ذلك كان كابوساً حقيقياً للقيادة الأوكرانية التي كانت تعتمد على منطقة خاركوف في قصف الأراضي الداخلية لروسيا، بما فيها منطقة بيلغورود، التي بدأت تعاني يومياً من الهجمات الأوكرانية. وكشف هذا الهجوم العسكري الروسي عن مشكلات خفية مرتبطة بالأموال المسروقة، بما في ذلك عدم وجود التحصينات والأسلحة العسكرية اللازمة، فضلاً عن عدم الاستعداد العام للقوات المسلحة الأوكرانية للهجوم بسبب الخسائر التي تكبدتها.
ومع ذلك، فإن حجم الخسائر العسكرية وقضايا الفساد الضخمة أحرجت الرئيس الأوكراني الذي طلب باستكمال العمل العسكري الأوكراني بإخراج الجيش الروسي من المنطقة الحدودية في منطقة خاركوف بأي ثمن، لكي يُظهر للجمهور الداخلي والمراقبين الخارجيين أن القوات المسلحة الأوكرانية لا تزال تمتلك البارود في دورقها ويمكنها التعامل مع الأزمات، فضلاً عن إغلاق ملفات الفساد الضخمة .
2- أما الدافع الثاني، فهو مبني على الواقع السياسي. خلال الأشهر الستة الماضية، تدهورت العلاقات بين العواصم الغربية وكييف بشكل ملحوظ. وبينما تنقل أوكرانيا مسؤولية هزائمها العسكرية إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قال زيلينسكي عدة مرات إن الدول المانحة لا تساعد في المجال الدبلوماسي ولا في المجال العسكري على الجبهة الأمامية، فالدول المانحة، وفق قوله، لا ترسل الأسلحة اللازمة، بل تضع عصا في عجلات القوات المسلحة الأوكرانية بالقيود التي تفرضها لأسباب سياسية خاصة بها، وبدعم من أوكرانيا على الأقل بالصمود، خوفاً من رد فعل روسي قد يعتبر أي ضربة في عمق البلاد بمنزلة تدخل مباشر، ومن باب الخوف المطلق في الغرب عشية الانتخابات الجارية بالفعل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي هي بالفعل صعبة للغاية بالنسبة إلى الطبقة الحاكمة على جانبي المحيط الأطلسي.
ويرى البعض أن النظرة الغربية والأميركية هي أن هذا الدعم العسكري لن يغضب موسكو (أو سيغضبها، لكن ليس كثيراً). ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سوف يتنازلان عن المسؤولية عن الوضع المؤسف للقوات المسلحة الأوكرانية. وفي الوقت نفسه، سيخفيان حقيقة أنهما لا يريدان تقديم المساعدة لأوكرانيا على النطاق المطلوب، بل وحتى إرغام كييف على إبقاء نفسها ضمن قواعد الاشتباك المحددة.
إنَّ ظروف الحظر السابق تعطي سبباً للاعتقاد بأنه حتى في ظل الظروف السياسية الجديدة، ستبدأ أوكرانيا في تفسير نطاق ما هو مسموح به بحرية. ويتمثل الخطر الرئيسي هنا في أن الجيش الأوكراني سوف يستفز موسكو باختيار أهداف للردع النووي، ولن يكون لدى الغرب ما يكفي من النفوذ لكبح جماح كييف.
وفي هذه الحالة، فإن التصعيد الخطير سيكون مسألة وقت فقط، وكلما كان رد فعل موسكو أكثر ليونة الآن، أصبح مثل هذا السيناريو أكثر احتمالاً في المستقبل.
وأخيراً، قال بوتين إن القوى وحركات التحرر التي تعارض السياسة الأميركية في أجزاء أخرى من العالم يمكن أن تحصل "فجأة" على أسلحة لتدمير الأهداف الأميركية. والشيء الرئيسي هنا هو جعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يشعران بأن أي إجراءات يتخذانها ضد روسيا ستكون لها بالتأكيد عواقب غير سارة.
وفي النهاية، فإن ثمن دعم أوكرانيا بالنسبة إليهم سوف يرتفع بشكل كبير. حينها، ستصبح موسكو وواشنطن متساويتين، فهل يمكن كبح جماح الضربة النووية والحرب العالمية الثالثة؟