ميناء غزة الصهيو- أميركي.. "رصيف احتلالي" ظاهره مساعدات وباطنه هجرة طوعية
لعل الخطاب "الإنساني" الذي ألقاه بايدن في "حالة الاتحاد" يحمل في طياته أهدافاً خفية، ويظهر التناغم الأميركي – الإسرائيلي، بغية فرض النفوذ الأميركي على غزة تحت جناح المساعدات لمرحلة ما بعد الحرب.
في خطوة لا تعدو كونها تقاسماً للأدوار بين الولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي، كشف البنتاغون النقاب عن اكتمال إنشاء 50% من الرصيف البحري العائم قبالة سواحل غزة بعد أسابيع من إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن بصورة مفاجئة تكليفه الجيش على وجه السرعة بمهمة طارئة في البحر المتوسط، وإنشاء هيكل بحري مؤقت لتسهيل عملية إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وفق تعبيره.
ميناء مؤقت عماده أشلاء الفلسطينيين
من ركام غزة وأشلاء شهدائها يشيد الهيكل البحري في منطقة البيدر، وتقدر مساحته بأكثر من 281 دونماً، وذلك بمشاركة أكثر من 1000 عسكري أميركي من لواء نحل البحار المختص في بناء قواعد عسكرية بحرية، والمتمركز في القاعدة الأميركية في ساردينيا الإيطالية.
قطع بايدن وعداً بألا تطأ أي قوات أميركية أرض غزة، وهو أمر أكده مسؤولون أميركيون بالقول إن المشروع لن يتطلب أي انتشار لقوات بلادهم على رمال القطاع، إلا أنّ جنوداً أميركيين سيكونون موجودين على بعد كيلومترات من الساحل برعاية أمنية إسرائيلية.
والى حين موعد تشغيل الرصيف العائم خلال الشهر الحالي، سيتم ربط الميناء باليابسة عبر جسر مؤقت، بما يتيح لسفن الشحن الاقتراب منه وإنزال حمولتها عبر جسرين بطول 550 متراً لكل منهما، على أن تنقل المساعدات لاحقاً بواسطة سفن لوجستية وتفريغها من قبل جيش الاحتلال.
تقويض حماس وإبعادها عن الساحة
تساؤلات تطرح حول آلية العمل بالمرفأ الأميركي، والجهة المكلفة إيصال المساعدات، بعد شق طريقها من قبرص إلى الميناء المثير للجدل.
وبعدما دمرت الحرب الإسرائيلية مقومات السلطة في القطاع لإلغاء دور حكومة غزة والمؤسسات الوطنية الإدارية وفرض فراغ أمني ومؤسساتي بهدف إعادة هندسة المجتمع الغزاوي واستبداله بتشكيلات منوطة بإسرائيل، كشف البنتاغون إمكانية تكليف منظمات غير حكومية مهمة توزيع المساعدات.
تصريح تقاطع مع ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال بأن شركة خاصة ستتعامل مع الأمور اللوجستية بعد وصول الشحنات إلى الميناء، في ترجمة واضحة لعدم قبول واشنطن وتل أبيب بأي دور لحماس بالإشراف على توزيع المساعدات.
وبانتظار تعليق الحركة على الميناء، كان لافتاً رد عشائر غزّة بأن إدارة القطاع شأن داخلي في إطار ردها على مخطط الاحتلال لما بعد الحرب، الذي كشفت عنه قناة "كان" العبرية، والذي يتضمن السماح للعشائر بحكم القطاع وتوزيع المساعدات.
ميناء لارنكا.. محطة تفتيش إسرائيلية
سعت "إسرائيل" منذ اليوم الأول لإعلان واشنطن عزمها على إنشاء رصيف غزة لشراء ميناء أحد موانئ قبرص.
وبالفعل، تم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة القبرصية يتيح إقامة ممر بحري يكون ميناء لارنكا نقطة الانطلاق منه ويخضع لتفتيش بالتنسيق مع تل أبيب.
وأكد مسؤول أوروبي لـ"وول ستريت جورنال" أن "إسرائيل" ستشرف على مراقبة الشحنات في قبرص لضمان عدم وجود أي أسلحة أو منتجات قد تكون مفيدة لحماس ومراقبتها الطرق البحرية لضمان عدم تهريب أي بضائع على متن الرحلات.
أما المثير للريبة، فهو ما كشفه موقع كالكاليست بأن من المرجح تحويل الرصيف المؤقت إلى ميناء دائم في ما بعد، وأن الشخص الذي يملك امتياز تشغيل لارنكا هو رجل الأعمال الإسرائيلي الملياردير ياكير غابي.
إلى هنا، تسير الحبكة الإسرائيلية وفق تطلعات حكومة تل أبيب التي طرحت فكرة إنشاء خط بحري من موانئ قبرص إلى غزة قبل سنوات، وفقاً لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
لماذا ميناء لارنكا؟
وقع الاختيار على ميناء لارنكا في قبرص، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، والأقرب جغرافياً إلى الأراضي الفلسطينية، وفق أجندة مطامع إسرائيلية.
وفي حديثنا إلى الباحث والكاتب السياسي د. علي حمية، أوضح أن المساعدات بحراً لغزة وما يترتب عليها من تجنب للمعابر البرية وإنهاء أي سيادة للفلسطينيين عليها هو هدف وضعته "إسرائيل" نصب عينيها منذ سنوات، إلى أن أتى التنفيذ الأميركي لحلم نتيناهو والعمل على إنشاء الرصيف الموصول بميناء لارنكا بهدف تقويض حماس وتقليل الاعتماد على معبر رفح التي تعتبره تل أبيب مدخلاً رئيسياً لتزويد الحركة بالأسلحة.
ويتابع د. حمية قوله إن السيناريوهات الأمنية هي عنوان سيطر على ذهنية "إسرائيل" التي تسعى إلى اعتماد ميناء لارنكا كبديل لمرفأ حيفا في حالة نشوب حرب في الشمال مع حزب الله. وبناء عليه، يتم حينها الاستناد إلى الميناء القبرصي الذي يعد وقتها حاجة ملحة للكيان في التبادل التجاري.
وسعياً منها لخلق واقع جديد لفك الحصار البحري المفروض على موانئها بفعل ضربات حركة أنصار الله، هيأت تل أبيب الأرضية لأن يكون لارنكا جزءاً من خط النقل البديل لربط القارة العجوز والهند بالكيان.
الجزر الإنسانية والميناء المؤقت أرضية لمخطط التهجير
60 يوماً هي المدة زمنية التي حددتها واشنطن لإنجاز مشروع الميناء، ما يطرح علامات استفهام حول السر الكامن وراء السرعة في التنفيذ.
وما هي سوى أيام معدودة حتى أعلنت "إسرائيل" عزمها على إنشاء جزر إنسانية ضخمة لنقل النازحين اليها، لتهيئة الظروف الملائمة لاجتياح رفح، بعدما تكون قد عملت على تحسين صورتها الممزقة أمام المجتمع الدولي الذي يشهد احتجاجات وصل صداها إلى عقر دار "أمها الحنون" الولايات المتحدة الأميركية وجامعاتها.
د. علي حمية، وفي حديثنا معه، حذر من استغلال تل أبيب للجزر الإنسانية والميناء الأميركي، لتحقيق مخطط التهجير والتغيير الديمغرافي وتكريس الاحتلال والفصل بين الضفة المحتلة والقطاع المحاصر.
وبالتالي، فإن حلم ترحيل الفلسطينيين والالتفاف على القوانين الدولية وقرارات المحكمة الدولية بات برسم أزمة المجاعة المفتعلة في ضوء استمرار الإبادة الجماعية، وافتعال أزمة الأونروا وما رافقها من تباكٍ أميركي لفرض التهجير الطوعي.
إطالة لأمد العدوان وموطئ قدم لأميركا
لعل الخطاب "الإنساني" الذي ألقاه بايدن في "حالة الاتحاد" يحمل في طياته أهدافاً خفية، ويظهر التناغم الأميركي – الإسرائيلي، بغية فرض النفوذ الأميركي على غزة تحت جناح المساعدات لمرحلة ما بعد الحرب.
وهنا، رأى د. حمية أن مشروع الميناء يهدف إلى إعطاء مساحة لواشنطن لتحقيق ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه من أهداف معلنة وغير معلنة، فضلاً عن بلورة أميركا سياسات وتسويات إقليمية لما بعد الحرب. وبناء عليه، فإن إطالة أمد العدوان باتت أمراً واقعاً لا محال، لإعطاء إسرائيل الفرص لتحقيق المكاسب.
العين على ثروات غزة
تقدر قيمة موارد غزة الطبيعية بمليارات الدولارات، ما يكشف أن حجم الدمار غير المسبوق وتدمير أركان السلطة في القطاع هدفه بسط النفوذ الإسرائيلي – الأميركي للسيطرة على الثروات، إذ تبلغ احتياطيات النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية بنحو 1.5 مليار برميل من الخام و1.4 تريليون قدم مكعب من الوقود الأزرق، كما أن الأراضي الفلسطينية تقع فوق خزانات كبيرة من الثروات الطبيعية من الضفة المحتلة وساحل غزة، بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
لطالما خططت "إسرائيل" للاستيلاء على موارد غزة، تارة عبر إبرام صفقات مع شركات عالمية للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل القطاع المندرجة بموجب القانون الدولي "مناطق بحرية فلسطينية"، وتارة عبر استغلال موارد الغاز في الحدود البحرية الفلسطينية على اعتبار أنها "كنز إسرائيلي"، في الوقت الذي تحرم الفلسطينيين من الانتفاع بعائدات ثرواته الطبيعية.