لماذا هذا الإصرار الصّهيوني على التطبيع الأكاديمي مع المغرب؟
منذ تأسيسها، كانت الجامعة المغربيّة - أساتذة وطلبة - ترى النضال والكفاح والتعاطف مع القضية الفلسطينية واجباً دينياً وأخلاقياً.
في شهر تموز/يوليو الماضي، كتبتُ مقالاً في موقع "الميادين نت" يحمل عنوان "أهداف الاتفاقيات الأكاديمية بين إسرائيل ودول التطبيع"، أشرت فيه إلى الأهداف الصهيونية للتطبيع الأكاديمي في دول التطبيع، وتناولت المرامي والغايات والمصلحة التي تتوخاها "إسرائيل" من التطبيع مع الأكاديميين، والطريقة التي ستنتهجها في الوصول إلى هدفها النهائي الذي تبتغيه منها.
ومما كتبته أنَّ الكيان الصهيوني سيحاول إغراء بعض الأكاديميين في تلك الدول، عبر الدعوة إلى عقد شراكات بدعوى تبادل الأبحاث والخبرات، في محاولة لاختراق الجامعات في دول التطبيع والقيام بزيارات متبادلة.
وكما كان متوقعاً، أبرمت رئاسة جامعة عبد المالك السعدي في مدينة تطوان -شمال المغرب- مذكرة تفاهم مع جامعة حيفا الصهيونية، تنصّ على التعاون في العلوم البحرية وميادين الزراعة المائية المستدامة والتكنولوجيا البحرية والبحوث الإيكولوجية، بحسب صحيفة "التبريس" الإلكترونية التي تصدر في مدينة الحسيمة.
أثارت هذه المذكّرة حفيظة النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث والعلمي في جهة طنجة تطوان الحسيمة، ما دفعها إلى إصدار بيان تندد فيه بمضامين المذكرة، وتعتبر هذا السلوك إقحاماً لمؤسسات التعليم العالي في متاهة التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، تحت مسميات الشراكة والتعاون في ميادين علمية يتقنها الأساتذة الباحثون المغاربة.
وفي هذا السياق، قالت النقابة، رداً على توقيع رئيس الجامعة هذه المذكرة، "إنَّ استقبال رئيس الجامعة لنظرائه الإسرائيليين لا يعني سوى الرئيس وحده، ولا يمثل الأساتذة الباحثين"، داعية كل الأساتذة في مختلف مؤسسات الجامعات المغربية إلى "التصدي لكل الفعاليات والمبادرات التطبيعية التي تستهدف اختراق الجامعة المغربية ومؤسسات التعليم العالي، وتدنيس حرمها، وتلويث سمعتها، بهدف النيل من صمودها وكسر مناعتها التاريخية".
وأضافت قائلة إنَّ القضية الفلسطينية ستبقى حية في ضمير الجامعة والجامعيين وكل المغاربة، تماشياً مع المبادئ والقناعات التي عبرت عنها النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي في السابق. والآن، هذا البيان الصادر عن نقابة التعليم العالي شكَّل رسالةً قويةً لكل المطبعين الذين يدّعون أنّ كل فئات الشعب المغربي تؤيد التطبيع مع العدو الصهيوني من جهة، وأن هذا الاتفاق المبرم مع رئيس الجامعة لا يعني إلا من أبرمه ولا يلزمها شيئاً من جهة ثانية.
تتشكَّل النقابة الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي، وفي كلّ فروعها في أقاليم المملكة، من العديد من الأطر العلمية والأكاديمية الكفوءة التي تنتمي إلى العديد من التيارات الوطنية بشقيها الإسلامي واليساري، الرافضة لمختلف أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، الذي تعتبره سرطاناً ينخر جسم الأمة الإسلامية والعربيةِ لضرب هويتها وقيمها الدينية والحضارية، ومنع أي تَوَجُّهٍ نحو نهضةٍ إسلاميةٍ وعربيةٍ ترى فيها كل القوى الاستعماريةِ والصهيونية خطراً على مصالحها.
ومنذ تأسيسها، كانت الجامعة المغربيّة - أساتذة وطلبة - ترى النضال والكفاح والتعاطف مع القضية الفلسطينية واجباً دينياً وأخلاقياً، على اعتبار أنَّ في نصرة القضية الفلسطينية نصراً لقضايا الأمة الإسلامية من جاكرتا إلى طنجة، من دون أن ننسى الدور الذي تؤديه في المشهد السياسي المغربي، من خلال النضال الذي يتبناه أساتذتها من أجل بناء مغرب ديمقراطي حر تصان فيه الحقوق والحريات، وتُرسى أسس العدالة الاجتماعية للشعب المغربي.
لكنّ السؤال: لماذا يصر الكيان الصهيوني على التطبيع الأكاديمي في المغرب؟
بعد التوقيع على اتفاقية التطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني، ظنَّ الأخير أنّه سيسهل عليه اختراق الشعب المغربي بسهولة. وقد عمل الذباب الإلكتروني الصهيوني في الترويج للعديد من المغالطات عبر المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، منها أنَّ هناك جالية يهودية مغربية مقيمة في "إسرائيل" عاش أجدادها في المغرب قروناً عديدةً قبل أن ترحل إلى فلسطين المحتلة، ظناً منه أن المغاربة بهذه السذاجة، بحيث تنطلي عليهم هذه الأباطيل الصهيونية للقبول بمسألة التطبيع مع الصهاينة!
لذا، لم تأْلُ "إسرائيل" جهداً في محاولة اختراق كل التنظيمات والمؤسسات بأي وسيلة، عبر التقرب منها من خلال العديد من المبادرات، كاتفاقيات الشراكة وتبادل الخبرات في العديد من المجالات، رغم أنَّ مبادرات العدو الصهيوني تلقى صدّاً من الرأي العام المغربي الرافض أي تعامل مع الكيان الصهيوني، وهو الذي يرى كل يوم الممارسات الوحشية التي يمارسها الاحتلال الصهيوني بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وخير دليل على ذلك ما جاء في بيان النقابة أعلاه من أنَّ مذكرة التفاهم المبرمة مع جامعة عبد المالك السعدي وجامعة حيفا الصهيونية حول المجالات التي اتفق بشأنها يتقنها العديد من الأساتذة الجامعيين المغاربة، ولا حاجة إلى اتفاق من هذا القبيل معها، ما يفرغ المذكرة من أي مضمون قيمي، والغرض الصهيوني من ذلك هو اختراق الجامعة ليس إلا.
اعتادت "إسرائيل" التدرج في نهجها للوصول إلى أهدافها. لذا، اختارت إبرام مذكرة التفاهم مع جامعة عبد المالك السعدي في تطوان كمقدمة تمكنها من الانطلاق نحو الجامعات المغربية في المدن الأخرى، وخصوصاً الكبريات منها، مثل جامعة محمد الخامس في الرباط، وجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، أملاً باختراقهما مستقبلاً، رغم صعوبة الأمر، نظراً إلى وزن هاتين الجامعتين على الصعيد الوطني.
في الختام، إنَّ ما يهم الكيان الصهيوني ليس التطبيع الأكاديمي - من خلال إبرام مثل هذه المذكرات - الذي يعتبره مجرد وسيلة وليس غاية، لكن الأهم بالنسبة إليه هو اختراق الجسم الأكاديمي المغربي الذي يبقى منيعاً، للوصول إلى طلبة الجامعات المغربية، فيصبح التطبيع مقبولاً لجميع الطلبة والأساتذة، لكنَّ مسعاه سيكون مصيره الفشل للاعتبارات التي أوردناها أعلاه، فهل سيستوعب الكيان الصهيوني ذلك؟