لقاء النقب.. ماذا تريد "إسرائيل"؟

أعتقد أنّ لقاء النقب يشكّل مفصلاً مهماً في معالجة بعض الخلل البنيوي داخل الكيان الإسرائيلي في مواجهة المخاطر التي تحيط به من جبهاتٍ متعددة، عبر السعي لتوثيق شراكاته في الإقليم.

  • يشعر الكيان الإسرائيلي بالخوف والقلق على المستويين الداخلي والخارجي
    يشعر الكيان الإسرائيلي بالخوف والقلق على المستويين الداخلي والخارجي

نشر معهد الأمن القومي الإسرائيلي تقريره الاستراتيجي للعام 2022، وكانت إيران في صلب التحديات التي تواجه الكيان الإسرائيلي، سواء على مستوى قدراتها النووية علمياً وعملياً، واقترابها من توقيع الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والقوى العظمى، أو نفوذها الإقليمي وشبكة علاقاتها المتينة مع مقاومات المنطقة التي تشكّل خطراً على الكيان وأمنه ووجوده.

وكان من أبرز ما خلُص إليه التقرير بعد أن سردَ المخاطر الإيرانية هو "عدم قدرة إسرائيل الهيكلية على التعامل بمفردها مع جميع التحديات التي يفرضها سلوك إيران". هذه التوصية الأبرز دفعت رئيس الاحتلال إسحاق هرتسوغ إلى التصريح قائلاً: "يوجد اليوم إدراك إقليمي ناشئ بأن مستقبل الشرق الأوسط هو مستقبل للتعاون في مواجهة التهديد الإيراني ووكلائه الخطرين في المنطقة. لذلك، يجب أن نتعاون مع أصدقائنا، ليس من أجل مواطني إسرائيل فحسب، ولكن من أجل جميع سكان الشرق الأوسط أيضاً".

يشعر الكيان الإسرائيلي بالخوف والقلق على المستويين الداخلي والخارجي، في ظلِّ تمترس القيادة الإيرانية خلف خطوطها الحمراء التي رسمتها في مفاوضات فيينا للعودة إلى الاتفاق النووي، وصلابة الحلف الإيراني في الإقليم، وتعاظم قدراته في كل ساحات المواجهة، والتطور العسكري اللافت لدى المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية. 

يضاف إلى ذلك كله تراجع التأثير الأميركي في المنطقة بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وفشل مشاريعها في العراق وسوريا ولبنان، وعجز الناتو أمام التقدّم الروسي في العملية العسكرية في أوكرانيا، وتوجّه إدارة بايدن نحو الاشتباك في أقصى الشرق للدفاع عن أحادية تسيُّدها العالمي.

يُصاحب ذلك خوف وقلق لدى حلفاء الولايات المتحدة وشركائها أيضاً، وعلى رأسها دول التطبيع وممالك الخليج، وشعورها بأنّ الخرق كثر في المظلّة الأميركية. ولا شكّ في أنّ ‏اتفاقيات التطبيع شكّلت مفصلاً مهماً في علاقات الكيان الإسرائيلي، ونقلت بعض هذه العلاقات من السرية إلى العلن، كما في الحالة الإماراتية والبحرينية، وأعادت ترتيب تجاذبات بعضها البعض، كما في الحالة المغربية، وضخّ الدماء مجدداً في عروق بعضها الآخر، كما في العلاقة مع مصر والأردن، والإبقاء على المستوى العملي في العلاقة مع السعودية وقطر والسودان.

هذا التطبيع العام قام على أساسه الكيان الإسرائيلي بالانتقال إلى مرحلة أوثق في تعزيزه وتمتينه، عبر التوقيع على المئات من الاتفاقيات والشراكات الثنائية مع دول التطبيع في كل المجالات، وخصوصاً المجالات الأمنية والعسكرية والتكنولوجية منها. هذا النهج يتماشى مع توصيات الخبراء والباحثين في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، والَّذي لاقى في المقابل اهتماماً شديداً لدى صانع القرار في المنامة وأبو ظبي والرباط.

في الأيام القليلة الماضية، اجتمع رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت في شرم الشيخ بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومعهم ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وعنوان هذا اللقاء الثلاثي مواجهة إيران، والخوف من الفعل الفلسطيني على أعتاب شهر رمضان، وفي القدس المحتلة تحديداً. 

وقد أعقبه قمة العقبة التي شاركَ فيها الأردن إلى جانب السعودية والإمارات ومصر والعراق، وقمة ثنائية جمعت الملك عبد الله الثاني بالرئيس محمود عباس، والتي كانت كترضية للسلطة الفلسطينية عن غيابها وعدم حضورها القمتين، وفي الوقت ذاته لتدارس منع تعاظم كتلة النار في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في خضم ذلك، ولد لقاء النقب التي جمعت وزيري خارجية الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، بمشاركة وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين والمغرب، وعلى وقع عملية الخضيرة الفدائية التي أربكت حسابات المضيف الإسرائيلي في ليلته الأولى، فماذا تريد "إسرائيل" من هذا اللقاء؟!

أولاً: يحاول الكيان الإسرائيلي، ومن خلفه أنظمة التطبيع العربية، تثبيت رواية إظهار إيران على أنّها مشكلة العالم ومصدر القلق في الإقليم، عوضاً عن السردية العربية الحقيقية بأنّ "إسرائيل" هي أساس الصراع واختلاق الأزمات والنزاعات، لكونها قوة احتلال في الدرجة الأولى، وكياناً مؤقتاً غريباً عن أرض شعوب هذه المنطقة وهويتها وثقافتها.

ثانياً: المضي قدماً في تحالف إسرائيلي عربي لمواجهة إيران في المنطقة، سواء تم التوقيع على الاتفاق النووي أو لم يتم، والتشارك الفعلي في مجابهة قوى المقاومة في المنطقة العربية الحليفة لإيران، واعتبار اللقاء ومخرجاته لبنةً أولى نحو الانتقال من مرحلة التطبيع إلى مرحلة التحالف.

يؤكد هذه الخطوة تصريح وزير خارجية الاحتلال، باعتبار اللقاء مؤتمراً دائماً يُعقد مرتين كلّ عام، وتصريح وزير الخارجية البحريني بالحاجة إلى تحويل "الاتفاقيات الإبراهيمية إلى أعمال وممارسات ضد قوى إرهابية مثل حزب الله والحوثيين والعدوان الإيراني"، وتصريح وزير الخارجية الإماراتي: "إنّ مصر وإسرائيل وقعتا اتفاق سلام قبل 43 عاماً، ونحن نأسف لعدم الانضمام إليهما في ذلك الوقت".

ثالثاً: بوجود الولايات المتحدة في هذا اللقاء، هذا يعني أنّ أنتوني بلينكن استمع إلى امتعاض الخائفين من الاتفاق النووي مع إيران، وشطب حرس الثورة من قائمات الإرهاب الأميركية، واستمع بالضرورة إلى مطالبهم بلجم "النفوذ الإيراني في المنطقة ومعالجة سلوك إيران وبرامجها الصاروخية وغيره"، لكن الأهم من ذلك أن واشنطن ستدفع بتعزيز أعمال هذا اللقاء كحلف مستقبلي يسد ثغرات الغياب الأميركي عن المنطقة في ظل التفرّغ لروسيا والصين.

أعتقد أنّ لقاء النقب يشكّل مفصلاً مهماً في معالجة بعض الخلل البنيوي داخل الكيان الإسرائيلي في مواجهة المخاطر التي تحيط به من جبهاتٍ متعددة، عبر السعي لتوثيق شراكاته في الإقليم. صحيحٌ أننا لا نستطيع القول إنّ هذا اللقاء يمثّل تحالفاً قائماً فعلاً، لكنَّه يؤسس لهذا التحالف ويضع فيه لبناته الأولى.