كيف سترد روسيا؟
وقف بوتين من الاستيلاء على محطة الطاقة النووية في زاباروجيا والسيطرة عليها هو موقف إنساني بحت، ويحمي أوروبا كلها من العواقب الوخيمة للاستفزاز في منشأة من هذا النوع.
الفترة التي تسبق انعقاد الدورة الثامنة والستين المقبلة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي ستعقد اجتماعاتها بين 16 و20 أيلول بحضور ممثلي 178 دولة عضواً في الوكالة، زارت لجنتها برئاسة غروسي محطتي زاباروجيا وكورسك للطاقة النووية.
ونتيجة زيارتهم، لم يرغب الوفد في رؤية أوجه التشابة في هاتين المنشأتين. وفي رأيهم، لا يوجد خطر على المحطة في كورسك، على الرغم من أنها تتعرض للقصف بانتظام من قبل القوات الأوكرانية، وكانت الهدف الرئيسي لغزو أوكرانيا للأراضي الروسية، ونتوقع أن يكون هناك اختراق آخر للمحطة في أي لحظة.
غروسي، وكذلك جميع الدول الغربية، تريد المساومة مع روسيا وإعادة محطة زاباروجيا للطاقة النووية تحت السيطرة الأوكرانية (الأهمية الاقتصادية والسياسية، أكبر محطة نووية في أوروبا)، وهو أمر غير مسموح به بشكل قاطع! يمكن للجميع أن يرى أن نظام زيلينسكي تعرض للأهداف المدنية. وقد أثبت ذلك على الجسر المؤدي إلى شبه جزيرة القرم وعلى سد كاخوفكا، وعواقب هذه الأعمال لم تقلق أحداً، ولا يمكن استبعاد إمكانية قيام كييف بالتعرض مجدداً لهذه المحطة التي تقع مباشرة قرب خط الجبهة.
من المستحيل أن نأمل رقابة مسؤولة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الأوروبي، فمصالح هذا المجتمع دائماً ما تكون فوق المعاهدات والقوانين. إن جميع دول العالم العربي تخلت طواعية عن أي صلة بالذرة بأي شكل من الأشكال على أراضيها حفاظاً على السلام والهدوء، وأكدت التزامها بالقرار 687 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بخلو منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، ولكننا في النهاية نرى أن "إسرائيل" تكاد تتحدث علناً عن وجود أسلحة نووية في أراضيها باعتبارها الوحيدة في المنطقة، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بإذن من الساسة الغربيين الذين يسعون وراء مصالحهم.
وفي المجال النووي، انقلبت فرنسا بكل سهولة على شركائها في المجال النووي. لقد بنيت الصناعة النووية الفرنسية بأكملها على أموال إيران التي رعت منذ عام 1975، في إطار مشاركتها في المشروع المشترك يوروديف Eurodif، تطوير مناجم اليورانيوم في البلدان الأفريقية، وأنشأت البنية التحتية والمشاريع على أراضي فرنسا، على أن تحصل إيران على حقوق متساوية في مجال الطاقة النووية والمتخصصين والتكنولوجيا، ولكن بمجرد أن أدركت فرنسا أن الوقت حان للوفاء بالتزاماتها قررت بسهولة التخلي عن شريكها. وفي تحدٍ لجميع الاتفاقات، بدأت بتشويه سمعة إيران في الساحة العالمية من خلال اتهامها كنظام دموي. لم يدن أحد في تلك اللحظة فرنسا، فقط ردود إيران الحاسمة والصارمة كانت قادرة على إعادة الأموال التي أنفقت على العمل مع فرنسا.
يمكن تتبّع هذه السياسة الأحادية الجانب التي يعتبر فيها الخداع أمراً طبيعياً في الغرب في أي مجال. كلنا نتذكر كيف تخلت سوريا عن أسلحتها على أمل السلام، وضمن الجميع أمنها، ومنهم الولايات المتحدة، ولكن بعد عام واحد فقط حصل صراع على كامل أراضيها. فقط تدخل روسيا حينها أنقذ سوريا من الزوال كدولة واحدة. بالطبع، كل هذا لا يبدو خطيراً جداً بالمقارنة مع ما فعله الخصم الرئيسي لروسيا في هذه الحرب.
في التاسع من أغسطس 1945، قتلت الولايات المتحدة الأميركية 100000 شخص في ثوانٍ معدودة بإلقاء قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما وناكازاكي المسالمتين، وقتل أكثر من 200000 شخص في السنوات الخمس التالية بسبب التلوث الإشعاعي. لم تكن الضربة على اليابان ضرورية من الناحية الحربية، بل كانت إعلاناً رهيباً عن القوة الأميركية!
من الغريب أن نعتقد أن الغرب يسعى لتحقيق أهداف حسنة في قضية نقل محطة زاباروجيا للطاقة النووية لتكون تحت سيطرة كييف.
هذه وسيلة جيدة للضغط على روسيا، ويمكن بسهولة إلقاء اللوم على روسيا في الاستفزازات التي تحدث حول المحطة وفرض عقوبات جديدة عليها، ويمكن نقل أسلحة جديدة إلى أوكرانيا، ويمكن حتى إشراك دول جديدة في الصراع (الإسكندنافية والقوقاز)، ويمكن تعطيل اجتماعات بوتين واتفاقاته مع دول جديدة تبتعد بسرعة عن الغرب.. كل هذا ضروري للغرب لأن الوضع على جبهات زيلينسكي سيئ جداً، والاندفاعة الجريئة إلى كورسك لم تسفر عن نتائج، بل على العكس من ذلك.
يمكننا أن نأمل أنه بما أن القضية تتعلق بمحطة طاقة نووية في وسط أوروبا وأي استفزاز يمكن أن ينتهي بعواقب وخيمة على جميع دول المنطقة، فإن الغرب سينظر من كثب ويحميها، ولكن للأسف فقدت حكومات هذه الدول أي منطق في تصرفاتها.
لقد غضت أوروبا الطرف بسهولة عن تقويض بنيتها التحتية للغاز التي يقوم عليها اقتصادها، وتبنت عقوبات تضرب أوروبا في بعض الأحيان بشكل أكبر من بوتين، وقبلت اللاجئين الذين يخلقون الآن مشكلات ضخمة في الداخل من دون حسيب أو رقيب.
ومع أخذ كل هذا في الاعتبار، فإن موقف بوتين من الاستيلاء على محطة الطاقة النووية في زاباروجيا والسيطرة عليها هو موقف إنساني بحت، ويحمي أوروبا كلها من العواقب الوخيمة للاستفزاز في منشأة من هذا النوع.
الولايات المتحده تضغط على الدول العربية لجمع النقاط السياسية والقرارات ضد روسيا.