فلسطين والعدل الدولية بعد نوّاف سلام... مخاطر وتحدّيات

في حال غياب رئيس محكمة العدل الدولية، يتولّى المهام نائب الرئيس، وفي هذه المرحلة تتسلّم القاضية الأوغندية جوليا سيبوتندي، باعتبارها نائبة رئيس محكمة العدل الدولية، وهي القاضية المعروفة بتأييدها الكبير لـ "إسرائيل"!

  • في حال غياب رئيس محكمة العدل الدولية، يتولّى المهام نائب الرئيس.
    في حال غياب رئيس محكمة العدل الدولية، يتولّى المهام نائب الرئيس.

في إثر تسمية رئيس محكمة العدل الدولية نوّاف سلام رئيساً للحكومة اللبنانية بعد إجراء الاستشارات النيابية غير الملزمة، بناء على ضغوطات خارجية، قدّم نوّاف سلام استقالته، وغادر إلى لبنان لاستلام منصبه الجديد، والذي بدوره ساهم بشكل كبير ومباشر خلال مدّة ترّؤسه لمحكمة العدل الدولية وفق صلاحياته المنصوص عليها في نظام المحكمة بما يتعلّق بالقضية الفلسطينية في داخل قاعات المحكمة، ولا سيما في التدابير الاحترازية التي اتخذتها المحكمة بناء على دعوى جنوب أفريقيا التي تقدّم بها ضدّ "إسرائيل" لخرقها اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وأيضاً في الفتوى الاستشارية المقدّمة من الجمعية العامّة للأمم المتحدة المتعلّقة بقانونية الاحتلال الإسرائيلي، والتي أعطت رأياً استشارياً بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن هل تعيينه رئيساً للحكومة اللبنانية بدعم خارجي، لعبة دولية جديدة لعدم محاكمة "إسرائيل"؟ 

في حال غياب رئيس محكمة العدل الدولية، يتولّى المهام نائب الرئيس، وفي هذه المرحلة تتسلّم القاضية الأوغندية جوليا سيبوتندي، باعتبارها نائبة رئيس محكمة العدل الدولية، وهي القاضية المعروفة بتأييدها الكبير لـ "إسرائيل"، حيث ظهرت مواقفها بالتصويت ضدّ التدابير الاحترازية المقدّمة من محكمة العدل الدولية لدراسة مدى انتهاك "إسرائيل" لاتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ولم توافق حتى على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. 

وتكمن الخطورة، أنّ سيبوتندي تستند على مبدأ أنّ القضية الفلسطينية هي قضية سياسية لا علاقة لمحكمة العدل الدولية بها، وترفض اختصاص المحكمة بالنظر في القضية الفلسطينية، حيث لا ترى أنّ للشعب الفلسطيني حقوقاً مسلوبة، ولا ترى تجاوز "إسرائيل" لجميع الاتفاقيات الدولية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية. 

كما يمكن وبحسب الصلاحيات المخوّلة لها، أن تقوم بجدولة الجلسات القضائية، ما يعني تهميش القضية الفلسطينية، وتأخير البتّ أو النظر في أحكامها، ويمكنها أن تشرف على المناقشات التي تدور بين القضاة إضافة إلى ترّؤسها جلسات المحاكمة، كإصدار أوامر عاجلة بتدابير مؤقتة لعدم تفاقم أيّ نزاع، مثل تجميد كلّ ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية في محكمة العدل الدولية على صعيد المثال، ومن ضمن صلاحياتها أيضاً تعيين قضاة للبحث في قضايا معيّنة، وهذه الصلاحية التي يمكن أن تستخدمها في القضية الفلسطينية، كتعيين قضاة معادين للشعب الفلسطيني، وفي حال تعادلت الأصوات، يكون صوت رئيس المحكمة هو الراجح. 

ومن النادر جداً بسبب استقلالية القضاء القيام بأيّ ضغط دبلوماسيّ لإقالة القاضية الأوغندية المنحازة لـ "إسرائيل" بطريقة مطلقة وعمياء، من قبل دولتها التي عبّرت عن استيائها وأنها تعكس موقف أوغندا الرسمي، بعدما أثارت بلبلة على صعيد المجتمع الدولي، ويبقى الأمل على قضاة المحكمة الذين لهم الحقّ بالتصويت بأغلبية مطلقة لإقالتها أو استبدالها، ولكن إلى الآن لم تسجّل حالة إقالة واحدة منذ إنشاء محكمة العدل الدولية. 

صحيح أنّ محكمة العدل الدولية تأخذ قراراتها بالتصويت، وأنّ القضاة لا يمثّلون مواقف دولهم الرسمية، إلّا أنّ تعيين رئيس لمحكمة العدل الدولية مؤيّد بشكل مطلق لـ "إسرائيل" قد يؤثّر كثيراً في صلب العملية اللوجستية والإدارية فيما يتعلّق بالدعاوى المتعلّقة بالقضية الفلسطينية، وأيضاً في الأمم المتحدة حيث إنّ رئيس المحكمة هو الذي يمثّل محكمة العدل الدولية في الجمعية العامّة، وهو المتحدّث الرسمي باسمها.