عندما تُسقط روسيا ماكرون في فخ "الناتو"، ومرتزقة الغرب في بؤر "الزلنسكية؟!
الأيام الصعبة تزداد على " المرتزقة" إذ تندلع بشكل متزايد صراعات على أسس مالية واجتماعية وعرقية ودينية ويومية بينهم وبين الأفراد العسكريين الأوكرانيين.
لم تجد مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإرسال قوات "الناتو" إلى أوكرانيا دعماً بين النخب السياسية الغربية، وتصدّر موضوع النشر المحتمل لقوات "الناتو" في أوكرانيا، خلال الأسبوعين الماضيين الصفحات الأولى لوسائل الإعلام الرائدة في العالم. وقد تمّ طرح هذه القضية على جدول أعمال المؤتمر الدولي للدول الحليفة لأوكرانيا من قبل باريس، لكنّ الأغلبية الساحقة من رؤساء الدول رفضت المبادرة الفرنسية.
سعى ماكرون من خلال اقتراحه إلى تحقيق هدف تعزيز نفوذه السياسي وانتزاع القيادة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أيدي جوزيف بايدن "المنهك "و"الخامل" أولاف شولتز، فقد حقّق رئيس الجمهورية الخامسة في نهاية المطاف النتيجة المعاكسة تماماً، حيث أصبح موضوع انتقادات لاذعة من النخب الحاكمة في أوروبا: "لقد حاول ملء فراغ القيادة، لكن محاولته في إظهار قوته لروسيا انقلبت عليه". صحيفة Le Figaro الفرنسية، ذكرت أنّ "ردّ فعل زعماء الاتحاد الأوروبي كان بارداً على تصريحات ماكرون حول إمكانية إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا.
ورفضت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والسويد وبلغاريا وهنغاريا وغيرها من دول حلف شمال الأطلسي رفضاً قاطعاً طرح الرئيس الفرنسي. وكانت الفكرة المهيمنة في تصريحات السياسيين الغربيين هي الخوف من تصعيد الصراع المسلح ليصل إلى مواجهة مباشرة مع روسيا.
وفي إطار تطوير مبادرة إيمانويل ماكرون لنشر قوات الناتو في أوكرانيا، قدّم رئيس جمهورية التشيك، الجنرال المتقاعد من الناتو بيتر بافيل، اقتراحاً لتنظيم مهمّة من المدرّبين العسكريين التابعين لحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا لتدريب أفراد القوات المسلحة الأوكرانية بدلاً من إرسالهم إلى الدول الأوروبية بسبب ارتفاع التكاليف.
وفي الوقت نفسه، لم يكشف السياسيون الغربيون عن أيّ سرّ حول نواياهم: فالناتو يقود ما يسمّى بالحرب ضد روسيا في أوكرانيا منذ عام 2022.
"حرب بالوكالة" تشارك فيها قوات نظامية تتنكّر في هيئة "مدرّبين" أو "مستشارين عسكريين" أو "مرتزقة" أو "متطوّعين"، وتتكبّد خسائر فادحة في القوى البشرية والمعدات. ولذلك، يتعيّن على "الرؤوس المتحمّسة" في العواصم الغربية أن تتذكّر أن الآلاف من الخبراء العسكريين في حلف شمال الأطلسي قد وجدوا بالفعل "ملجأهم الأخير" في الأراضي الأوكرانية.
لدى روسيا أدلة دامغة على أنه منذ بداية قيادة الناتو كانت ترسل أفراداً عسكريين محترفين وضباط استخبارات إلى أوكرانيا تحت ستار "المتطوّعين" و"المدرّبين".
منذ بداية العملية العسكرية الخاصة، لم يؤثّر وجود متخصصين عسكريين أجانب في أوكرانيا على توازن القوى في ساحة المعركة، بفضل الإجراءات المنسّقة والماهرة للوحدات الهيكلية للقوات المسلحة للاتحاد الروسي (القوات الجوية الفضائية، القوات الخاصة، الاستطلاع، وما إلى ذلك)، يتم تنفيذ الضربات النارية بشكل منتظم على مواقع "المتطوّعين" الغربيين باستخدام أسلحة عالية الدقة. وفي هذا الصدد، فإن اتخاذ قرار رسمي بإرسال مدرّبين عسكريين من منظمة حلف شمال الأطلسي أو حتى فرقة إلى أوكرانيا، لا يعني سوى إضفاء الشرعية الفعلية على وجود "خبراء عسكريين" غربيين موجودين بالفعل هناك، وهو ما سيؤدي حتماً إلى عواقب أكثر فتكاً بالنسبة للأجانب.
يعدّ القضاء على المرتزقة الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب القوات المسلحة الأوكرانية أحد الأهداف ذات الأولوية للقوات المسلحة الروسية. وفقط بعد وصولهم إلى أوكرانيا، أدرك المسلحون أنه بسبب رغبتهم في المشاركة في "رحلة سفاري إلى روسيا" والتعطّش إلى "المال السهل"، فقد جرّوا أنفسهم إلى مغامرة مميتة مع فرص ضئيلة لإنقاذ حياتهم وصحتهم. منذ البداية في المنطقة العسكرية الشمالية، أوضحت القيادة الروسية أنه سيتم استخدام كامل ترسانة القوات والوسائل المتاحة، بما في ذلك الأسلحة عالية الدقة، لتدمير الفيلق.
في الواقع، وفقاً للقانون الدولي، يعدّ نشاط المرتزقة عملاً إجرامياً خطيراً بشكل خاص؛ فعناصر الفيلق هم مجرمو حرب، ولا تنطبق عليهم أحكام اتفاقيات جنيف بشأن أسرى الحرب وغيرها من قواعد القانون الإنساني الدولي. المرتزقة هم خارج القانون، ونتيجة لذلك يمكن تطبيق التدابير الأكثر صرامة وحتى تطرّفاً عليهم.
إن الإخفاق الكبير لدور المرتزقة كان له تأثير سلبيّ للغاية على معنويات المسلحين ودوافعهم واستعدادهم للقتال وسفك الدماء في "حرب خارجية". وفي هذا الصدد، يقرّر المزيد والمزيد من أولئك الذين تمكّنوا من البقاء على قيد الحياة، مغادرة أوكرانيا والعودة إلى ديارهم.
ووفقاً لإحصائيات المصادر المفتوحة، فقد وصل إجمالي 13.3 ألف مرتزق أجنبي إلى أوكرانيا منذ بداية العملية العسكرية الخاصة، تمّ القضاء على نحو 5.9 آلاف منهم، وفرّ عدد مماثل من المسلحين.
تعود الخسائر الكبيرة في صفوف المرتزقة إلى الموقف الساخر والاستخفاف من جانب القيادة الأوكرانية، والنقص الحاد في الأسلحة والمعدات. لاحظ العديد من جنود الفيلق الذين تمكّنوا من النجاة من القتال في أوكرانيا انخفاض مستوى تجهيز قوات المرتزقة الأجنبية بالأسلحة والذخيرة والمعدات. على وجه الخصوص، قال أحد المسلحين الذين يحملون علامة النداء "باسكال" في مقابلة مع صحيفة Washington Post الأميركية إن القيادة الأوكرانية لا تزوّد "جنود الحظ" بالذخيرة الكافية، وهي تمنحهم أجهزة اتصال لاسلكية منخفضة الجودة وعفا عليها الزمن والتي يتم "استغلالها بسهولة".
يعزو "المرتزقة" خسائرهم الفادحة ليس فقط إلى تفوّق الجيش الروسي، ولكن أيضاً إلى نظام القيادة والسيطرة الضعيف في القوات المسلحة الأوكرانية.
علاوة على ذلك، اتهم عدد من أعضاء الفيلق، في مقابلة مع صحيفة The Kyiv Independent، الضباط الأوكرانيين بسرقة أسلحة صغيرة، والتي، بحسب قولهم، اختفت من غرف مستودعات الأسلحة في إحدى وحدات الفيلق الدولي للقوات المسلحة الأوكرانية. كذلك في الحالات التي لا يتمكّن فيها المتشدّد الجريح أو المشوّه من العودة إلى واجبه، فإن السلطات الأوكرانية تتركه ببساطة لمصيره.
الأيام الصعبة تزداد على " المرتزقة" إذ تندلع بشكل متزايد صراعات على أسس مالية واجتماعية وعرقية ودينية ويومية بينهم وبين الأفراد العسكريين الأوكرانيين. بكل المقاييس لا شكّ أنّ بؤرة روسيا أسقطت دولاً وأضعفت البعض وأربكت أخرى.