رسائل زيارة أمير عبد اللهيان إلى المنطقة
الموقف الإيراني الذي صدر من بيروت هو رسالة واضحة للاحتلال أننا مستمرون في المساعي لوقف الحرب في غزة دبلوماسياً، لكن في حال توسيع رقعة الحرب إلى لبنان ستتغيّر المعادلات.
اختتم وزير الخارجية الإيراني الدكتور حسين أمير عبد اللهيان زيارته إلى المنطقة بعد لقائه مع المسؤولين القطريين ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس قادماً من سوريا ولبنان في زيارته الثالثة بعد عملية طوفان الأقصى، وحرب الإبادة التي يشنّها كيان الاحتلال ضدّ أهالي غزة، ولكن ما هي خلفيات زيارات أمير عبد اللهيان المتكرّرة إلى بيروت ودمشق والدوحة، خصوصاً في ظلّ المفاوضات التي تجري بين المقاومة والاحتلال عبر الوسطاء؟
الدبلوماسية النشطة من طهران إلى الدوحة
على الرغم من توقّعات عالية السقف في الأيام الأولى من الحرب لتدخّل الجمهورية الإسلامية بشكل واسع في الحرب القائمة في قطاع غزة، إلّا أن طهران رأت تدخّلها فخاً من قبل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي كان ولا يزال يحلم بجرّ أميركا إلى الحرب في المنطقة، وذلك لحرف الأنظار من غزة إلى إيران للتغطية على جرائم "جيشه" المروّعة بحقّ أهالي غزة، كما أن المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس قالت كلمتها لأضلاع محور المقاومة: يجب سحق الجندي الإسرائيلي في غزة.
لم تتدخّل طهران مباشرة في الحرب وتفاجأت كما الآخرون في محور المقاومة بالعملية ونتائجها، وعدم تدخّلها تسبّب بانتقادات كبيرة لكنها لم وليست بعيدة عمّا يجري في القطاع، سواء من خلال الغرفة الأمنية المشتركة التي كشفت عنها كتائب القسام بعد معركة سيف القدس، أو من خلال الدبلوماسية والتعاون السياسي مع قادة المقاومة في لبنان وفلسطين وبعض الدول الإقليمية التي تؤدّي دوراً خلال هذه الحرب.
صحيح أنّ أميركا وحلفاءها في المنطقة حاولوا منذ البداية شيطنة إيران وتجاهل دورها الدبلوماسي على صعيد المنطقة، لكنّ زيارات وزير الخارجية الإيراني إلى المنطقة، خصوصاً قطر، كلما ينشط الخط الدبلوماسي لإنهاء الحرب، تعني بشكل واضح أن الجانب الآخر ليس بغنى عن الدور الدبلوماسي الإيراني في المنطقة، ولا سيما في ملف يتعلّق بالمقاومة كما حصل في الهدنة الأولى التي تمّ التوصّل إليها بعد زيارة للوفد الإيراني إلى الدوحة، لكن ما هي دلائل ورسائل زيارة أمير عبد اللهيان إلى المنطقة اليوم؟
أمن لبنان من أمن إيران
في محطته الأولى زار وزير الخارجية الإيراني العاصمة اللبنانية بيروت لإجراء لقاء مع شخصيات لبنانية وقادة المقاومة الفلسطينية لمناقشة آخر تطوّرات الحرب والمفاوضات الجارية لإنهاء العدوان، حيث اعتبر الوزير أنّ أمن لبنان من أمن إيران، ما آثار ضجة من قبل بعض الأحزاب اللبنانية بسبب ما يسمّى "الاحتلال الإيراني".
يعرف الجميع أن علاقات قوية تربط بين إيران ولبنان من خلال دعم المقاومة في وجه الاحتلال على مدى 40 عاماً بكل أشكالها، نظراً إلى أنّ إيران ترى في المقاومة قوة قادرة على الوقوف في وجه "إسرائيل"، وتحظى بدعم شعبي بأغلبية ساحقة.
لا شكّ أن التطوّرات العسكرية في جنوب لبنان أخذت منحنىً تصعيدياً في الآونة الأخيرة بين المقاومة والاحتلال، وهناك تهديد واضح ومتكرّر من قبل قادة "جيش" الاحتلال بشنّ الحرب على لبنان في أي لحظة، كما توعّدت المقاومة على لسان أمينها العام السيد حسن نصر الله أنه في حال شنّ حرب على لبنان ستكون العواقب وخيمة للاحتلال.
يمكن القول إنّ الموقف الإيراني الذي صدر من بيروت هو رسالة واضحة للاحتلال أننا مستمرون في المساعي لوقف الحرب في غزة دبلوماسياً، لكن في حال توسيع رقعة الحرب إلى لبنان ستتغيّر المعادلات وقد نتخذ موقفاً مباشراً يختلف عمّا سبق في الماضي.
البقاء في سوريا
بعد الضربات التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي ضد مواقع المستشارين الإيرانيين، واستشهاد مسؤول عن الدعم اللوجيستي للمقاومة في حرس الثورة الإسلامية الشهيد السيد رضي الموسوي، وكذلك قادة آخرون، تمّ تداول أنباء في الإعلام الغربي عن قيام طهران بسحب مستشاريها من سوريا نتيجة هذه الضربات، وبمعنى آخر إنّ جسر الدعم اللوجستي للمقاومة من طهران إلى دمشق وصولاً إلى بيروت وغزة قد انقطع بالفعل.
ما أعلنه وزير الخارجية في المؤتمر الصحافي مع نظيره السوري حول استمرار عمل المستشارين العسكريين في سوريا جاء بالدرجة الأولى لتفنيد الأنباء عن مغادرة المستشارين الأراضي السورية، وتأكيد تمسّك طهران بموقفها الدائم لدعم المقاومة، كما قال السفير الإيراني في سوريا حسين أكبري في مقابلة مع صحيفة الوطن السورية إن الوجود الإيراني هو بالتنسيق الكامل مع الحكومة السورية، نحن بالقوة نفسها موجودون وحاضرون في سوريا وأبداً لن ننسحب.
أما عن الضربات التي يشنّها كيان الاحتلال ضد المستشارين فقد أثبتت التجربة أن هذه الضربات كانت مؤثّرة للاحتلال بشكل مؤقت، ولم تتمكّن من إضعاف دعم محور المقاومة طوال هذه السنوات، وقد قامت طهران بإعادة تموضع لبعض مستشاريها وتشديد الإجراءات الأمنية تجنّباً لاستهدافات أخرى.
سيناريوهات الحرب والسلام
طهران في قلب المعركة ولم تقف على الحياد في ظل هذه الظروف التي ليس من الواضح هل الأمور ذاهبة فيها إلى تسوية تنهي الحرب ومعاناة أهالي غزة، أو إلى توسيع الحرب وتفجير المنطقة إقليمياً ودولياً. المفاوضات في القاهرة وصلت إلى طريق مسدود بسبب عدم جدية الاحتلال في تلبية شروط المقاومة، والأمور مرشّحة للتصعيد أكثر فأكثر مع بقاء نافذة أمل للحل السياسي.
من جانب آخر "تل أبيب" ليست جاهزة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً لخوض الحرب مع لبنان، لكن للسبب نفسه الذي أطال الحرب في غزة إلى الآن وهو مصلحة نتنياهو الشخصية للبقاء في الحكم، قد يخطو الاحتلال هذه الخطوة المجنونة بتوسيع الحرب، في هذا الوضع يرسل الطرف الإيراني رسالته بشكل واضح، رغم فشل مفاوضات القاهرة لا تزال أولويتنا وقف الحرب دبلوماسياً، ونحن حاضرون لتقديم كل قدرتنا في سبيل إنهاء الحرب، لكنّ أصابعنا على الزناد ونحن جاهزون لأي خطوة مجنونة قد يتخذها الاحتلال.