حماس: «لا ثقة إلّا بشروطنا».. كل الاحتمالات واردة
حركة حماس ومجمل قيادات المقاومة مصرّة على الثوابت التي لا تضيّع الإنجازات، مع احتمال مرونة في التفاصيل لدواعٍ إنسانيّة لها علاقة بوضع الشعب المزري، والذي وصل إليه نتيجة الحرب "الهولوكستيّة" الصهيونيّة .
بعد أن قطع العدوان على غزّة مئة وستين يوماً، برزت المفاوضات وزادت فرص الوصول إلى اتفاق. المفاوضات في العادّة كما تأخذك إلى طريق وقف الحرب أو الهدنة، فقد تؤدي أيضاً إلى استعارها، وكلّه مرتبط بقراءات المشهد الميداني الملازم للسياسي وتقدير توازنات القوى.
هنا يدرك كل طرف مفاوض ما السقوف التي سيخوض تحتها مفاوضاته، وأين تكمن نقاط ضعفه ونقاط قوته. فلكل طرفٍ مفاوض ظروفه المحيطة بسيرورة اتخاذ القرارات وفرضها كشروط. مفاوضات حماس مع العدو (الإسرائيلي) ليست استثناءً لهذه القاعدة. لذا، نرى المفاوضات غير المباشرة بخصوص حرب غزّة تارةً تتقدم وأخرى تصل إلى خاتمة غير ناجعة، ثم تُستأنف لاحقاً.
المفاوضون والأطراف
تجري المفاوضات على مرحلتين، أُولاهما في العاصمة الفرنسيّة باريس، وهي تمهيديّة بين وكالة الاستخبارات المركزية الأميركيّة والموساد (الإسرائيلي)، لتصل نتائجها إلى العاصمة المصرية القاهرة، في المرحلة الثانية، بحيث إن مصر تفاوض حركة حماس، وهذا مرده إلى عوامل متعدّدة، أهمها أن الحكومة الإسرائيلية متعنتّة وسقف مطالبها مرتفع، والموساد، وخلفه القيادة العسكرية، يحاولان تدوير الزوايا برؤية تتميّز إلى حدّ ما عن الحكومة "بحكم وقائع الميدان والتباين"، ولاسيما بن غفير، الذي يضعه نتنياهو عصا في عجلة أي تقدم غير الذي يراه "الكابينت" ممكناً لإنقاذ الحكومة، أقله معنوياً، منها:
- لائحة بأسماء الأسرى لدى المقاومة الفلسطينيّة الأحياء منهم والأموات.
- المفاوضات تحت النار، أي أنه لا هدنة ولا وقف لإطلاق النار، والمفاوضات إن نجحت وفق المنظور (الإسرائيلي) فإنها تكون بعد تحقيق أيّ إنجاز عسكري أو تقدم يمكن استثماره: الرهان على عامل الوقت.
- الضغط في اتجاه مدينة رفح، تلويحاً كورقة رابحة لتقديم تنازلات من جهة المقاومة عبر زيادة الوضع الإنساني سوءاً.
- التهرّب من رفع الحصار وتأجيل البحث في إعادة إعمار القطاع، ريثما يجدون من يديره بغياب حماس، بالإضافة إلى تحديد مصير قيادات في المقاومة الفلسطينيّة، وعلى رأسها يحيى السنوار ومحمد الضيف وغيرهما من قادة سائر الفصائل.
- فصل الشمال عن الجنوب، تحت إدارة الجيش وعدم فك النقاط العسكرية الثابتة ذات الطابع الهجومي، والتي يقارب عددها خمسين نقطة.
هذه وجهة نظر الحكومة (الإسرائيلية).
هذه المطالب ليست محط رفض حركة حماس الموكلة بشأن التفاوض، نيابةً عن سائر الفصائل فقط، بل هي أيضاً مدار بحث أميركي جدي، بحكم أنها تعجيزيّة وتؤجّل الوصول الى اتفاق سريع، الإدارة الأميركيّة في حاجة ماسة إليه، ولاسيما أنها على أبواب انتخابات. وإطالة الوقت، وبالتالي أمد الحرب، قد تنذر بعواقب وتصعيد في جبهات أخرى جهدت الإدارة الأميركية لجمها (إسرائيلياً) منذ بدء المعركة، ومنع التصعيد عليها.
المصري هو ساعِي بريد كأي دور آخر، كالقطري مثلاً، لكنه أبرزهم، لأنه مرضي عنه أميركياً ومدعوم منه بصورة مباشرة.
مطالب المقاومة الفلسطينيّة
حركة حماس ومجمل قيادات المقاومة مصرّة على الثوابت التي لا تضيّع الإنجازات، مع احتمال مرونة في التفاصيل لدواعٍ إنسانيّة لها علاقة بوضع الشعب المزري، والذي وصل إليه نتيجة الحرب "الهولوكستيّة" الصهيونيّة .
حماس تريد التالي، وهو:
- "مسار يفضي الى وقف لإطلاق النار" وانسحاب (الجيش الإسرائيلي) من القطاع عبر تفكيك النقاط الثابتة الهجوميّة الموجودة، و"لو على مراحل محددة بمواقيت، على غرار ما حدث في جنوبي لبنان في حرب تموز 2006". هذا تعدّه المقاومة الفلسطينيّة مرونة.
- حل مشكلة الربط بين الشمال والجنوب، ومنع أي عراقيل تؤدي إلى الحدّ من التنقل لأعمار معينة من 18 الى 50 لأسباب متعددة، أهمها أن للشمال طابعاً عشائرياً يرفض هذا التحديد، ولمنع الاعتقالات المحتملة من جراء تحكم (الجيش الإسرائيلي) في المنطقة الممتدة من جحر الديك إلى شارع صلاح الدين.
- حماس تصر على أن الإدارات المحليّة يجب أن تكون من النسيج الغزّي، لا أن يُفرض عليها أشخاص "غير مرغوب فيهم"، لدواعٍ متعدّدة، أهمها الأمنيّة.
- بدء التفاوض على الأسرى بدءاً من المدنيين وصولاً إلى العسكريين الإناث منهم أولاً، ثم العسكريين ذوي الرتب العاديّة والمتوسطة والكبيرة، عبر ثوابت واضحة تُفضي الى "تصفير السجون"، ولو على مراحل أيضاً.
- رفض قاطع لإدارة القطاع من جانب قوى عربيّة أو غيرها، بعد أن تحط الحرب أوزارها.
- منع التهجير بصورة قاطعة، انطلاقاً من أن المقاومة أسقطت الأهداف المعلنّة، فلن تسمح بتمرير الأهداف غير المعلنة. وإلّا تُعَدّ المقاومة كأنها خاضت "معركة عبثية". وهذا لن يحدث وغير مطروح البتة.
- رفع الحصار بصورة كاملة، وأيضاً لو كان على مراحل تدريجيّة، ووقف الانتهاكات (الإسرائيلية) في غزّة، كما في الضفة.
الموقف الأميركي
الولايات المتحدّة لا تريد أن تعطي حماس ما تريده بالكامل، وفي الوقت نفسه تنظر إلى الانقسام الإسرائيلي الداخلي بعين الريبة والحذر، وترى أن تعنت "الكابينت" والتصريحات المتمردّة لنتنياهو ومحاولاته تصدير أي إنجاز، على أنها أمر غير ممكن، وفق تقديرات "البنتاغون" ومراقبة مسار الحرب، طوال أيامها.
هذا على الصعيد الميداني. كما أنهم بدأوا يواجهون ضغوطاً كبيرة نتيجة الوحشيّة الصهيونيّة المفرطة في القتل، لذا لم يعودوا يستطيعون تغطية الكيان أكثر من ذلك بحرب لا آفاق عسكرية لها سوى الإبادة، التي بدأت تتردد على ألسن سياسيين وصحافيين غربيين بكثرة، وكما سبق أن نصح بايدن الإسرائيليين، استلهاماً من حربي فيتنام وأفغانستان، بعدم جدوى حروب كهذه غير متماثلة.
الأمر الآخر المقلق للإدارة الأميركيّة هو حالة التمرّد (الإسرائيليّة) بشخص رئيس حكومة الكيان وحلفائه، فالتصريح الأخير لـنتنياهو يُعَدّ سابقة تاريخيّة، حينما قال: "أنا المسؤول عن أمن (إسرائيل) وليس بايدن»، الأمر الذي عزز كغيره التسريبات المقلقة للأميركي خشية تصعيد أو هروب إلى الأمام قد تعتمده الحكومة (الإسرائيليّة) في جبهة أخرى، كلبنان، مثلاً، وهو ما ينذر بعواقب إقليميّة خطيرة لا تحمد عقباها.
المصري يبذل جهداً، لكن المقاومة ووفدها المفاوض واثقان بشروطهما وقدراتهما، وكلما أرادا الانسحاب من التفاوض نتيجة انسداد معيّن في مجراها سارع الأميركي، عبر المصري، إلى إبلاغ وفد المقاومة المفاوض بشأن الاستئناف مجدداً.
تقديرات المقاومة الفلسطينية وموقفها
المقاومة الفلسطينيّة، بالتنسيق مع الحلفاء، ترى أنه لا يمكن تقديم أي تنازل "جوهري" غير ملزم ميدانياً، والمرونة التي يمكن أن تبديها "هامشية"، وتأتي من باب الحرص على عدم سفك الدماء المدنية أكثر، لكن هوامش التنازلات ليست كثيرة، لأنها في المقابل لا تريد أيضاً التفريط بهذه الدماء التي عبدت الطريق أمام استكمال نصر صريح، بدأ في السابع من أكتوبر، بالإضافة إلى أنّ حالها، ميدانياً وعسكرياً ولوجيستياً، تسمح بالتمسّك بالشروط «المبدئية الثابتة»، كما أنها تقارب هذه المعركة من زاوية التقدّم على مستوى الصراع، وتطوّر ساحاته، بالإضافة إلى نتائج الإفراج عن الأسرى القياديين منها، على وجه الخصوص، على نحو يسمح بترتيب البيت الداخلي الفلسطيني على نحو مغاير للمشهود حالياً، ويؤسس وحدة وطنيّة فلسطينيّة تشاركيّة، ولاسيما أن دفة القيادة والحلّ والربط في يد حماس غزّة، وكل الرسائل التفاوضيّة تأتي من البريد الغزّيّ حصراً.