بين فرح الأسرى الفلسطينيين وانكسار الأسرى الإسرائيليين في يوم الهُدنة الأول
الحكومة الإسرائيلية ترسم لوحة من الذلّ ففي وقت وافقت فيه على هدنة مؤقتة، تستقبل "مواطنيها" الذين لم تستطع حمايتهم من البداية.
أفرجت "إسرائيل" عن 39 فلسطينيّاً في اليوم الأول من الهُدنة المؤقتة بينها وبين حماس، توسّطت فيها دولة قطر وجمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأميركية، وقد بانت سمات الفرح والسرور والغبطة والحبور على وجوه الفلسطينيين المحرّرين، والفلسطينيين المستقبلين لهم بل وجميع الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي، بل بانت بشائر النصر والتأييد للمقاومة الإسلامية بجناحيها حماس والجهاد واضحة وبيّنة بعد الوصول إلى هذا الاتفاق التاريخي، في إثر 45 يوماً من الحرب الدائرة وما خلّفته الآلة العسكرية الصهيونية من دمار شامل في قطاع غزة، نسي الفلسطينيون على أثرها ما حدث لهم خلال الأيام الماضية ولو قليلاً، رغم أن الجرح عميق وعميق جدّاً، فجاءت هذه الهُدنة بلسماً شافياً وبرداً وسلاماً على قلوب من تعرّض للقتل والتدمير والفزع والخوف والرعب، طوال مدة ليست بالقصيرة إذا ما قيست بكتلة المتفجّرات والقنابل والرصاص المصبوب على رؤوس الأبرياء.
هكذا بدا الفلسطينيون فرحين بهذا الإنجاز العظيم الذي تحقّق على أرض غزة، وحازت فيه المقاومة قصب السبق في تحديد شروط معيّنة تخدم الشعب الفلسطيني ولو لمدة قصيرة قوامها أربعة أيام فقط، تنفّس الفلسطينيّون الصعداء شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وأعربوا عن تقديرهم العميق للمقاومة الفلسطينية وما أنجزته طوال الفترة الماضية، وما أحدثته من معادلة جديدة في الحرب على غزة الباسلة، وهي المعادلة نفسها التي تحدث في كل مرة وتتمثّل في خضوع العدوّ الصهيوني لإملاءات المقاومة حتى يتحقّق له شيء مما أراد، وتعلّمه أن القوة وحدها لا تكفي بل لا بدّ من عقيدة ويقين صادق وكبير ومتين بأن القوة لله، وأن العباد يستندون في قوتهم رغم قلة عددهم وعُدّتهم إلى قوة الله سبحانه وتعالى، والإيمان بأن الوطن لا مساومة عليه من أي طرف كان، والدفاع عنه واجب مقدّس إذا تعرّض للاحتلال.
فالأسرى الفلسطينيون المشمولون بالإفراج عنهم في هذه الهدنة سيعيشون عهداً جديداً وحياة جديدة بعد خروجهم من السجن وهم من النساء والأطفال، وسيرسمون لوحة من التحدّي والصّمود في وجه نتنياهو وحكومته، إنهم باقون على العهد ما حيوا لأن عقيدة الجهاد مغروسة في قلوبهم إلى يوم الدين جيلاً بعد جيل، لا تتغيّر ولا تتبدّل بتبدّل الزّمان والمكان، وعلى هذا علم اليهود بأن فرح الفلسطينيين سيزعجهم وسيكسر هيبتهم، وسيُعلن العدوّ الهزيمة المدوية في صفوف "جيشه" المنهار أمام صلابة المقاومة في الليل والنهار، فأصدر وزير الأمن القومي الصهيوني المتطرّف بن غفير أوامره للشرطة الصهيونية بقمع كل مظاهر الفرح والتأييد للمقاومة، سواء كان ذلك في السجون أو خارجها أو في القدس لحرمانهم من شيء اسمه الفرح.
أما الأسرى الإسرائيليون الذين أسرتهم حماس في الـ 7 من أكتوبر المجيد، كانوا معزّزين مكرّمين في ضيافة القسّام، وقد عبّر المقاومون من أول يوم للحرب أن هؤلاء الأسرى لا رغبة للكتائب في الاحتفاظ بهم، وأنها تعرض على الاحتلال الصهيوني إجراء صفقة تبادل، لكنّ الغرور الصهيوني حال دون إبرام هذا الاتفاق من البداية، لزعم الصهاينة أنهم قادرون على تحريرهم بالقوة، واليوم وبعد أن اقتنعوا بأن هذ النوع من التحرير مستحيل رضخوا واستسلموا لشروط المقاومة الباسلة، وطأطأوا رؤوسهم لهذا الاتفاق الحاسم وهذا النصر المبين.
استضافت القسّام الأسرى رغم حالة الهلع والخوف والرعب التي أصابتهم يوم الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر، وبيّنت للاحتلال أنها ستعاملهم باحترام، وحذّرت من أن القصف العنيف الذي تعرّض له شمال غزة ربما تسبّب في قتل بعضهم، وقد حدث هذا بالفعل، غير أن الاحتلال مضى في مشروعه الاستعماري غير عابئ بأرواح مواطنيه، وبحالتهم النفسية والجسدية.
وها هي الحكومة الإسرائيلية اليوم ترسم لوحة من الذلّ والانكسار في وقت وافقت فيه على هدنة مؤقتة، تستقبل مواطنيها الذين لم تستطع حمايتهم من البداية وأخفقت في الدفاع عنهم وتحريرهم، تستلمهم من دون قتال وبإذن من المقاومة نفسها، يا لها من مفارقة عجيبة ويا له من انتصار عظيم.
الأسرى الصهاينة، حالتهم النفسية رديئة جداً، خائفون، مرتعبون، ومفزوعون، وسيظل كابوس الـ 7 من أكتوبر يلاحقهم سنوات وسنوات، لذلك ستعمد "إسرائيل" في هذا الجانب إلى عرضهم على أطباء نفسانيّين ليحدّدوا طبيعة الخوف التي لديهم، وإن كانوا سيعيشون حياة طبيعية أم مضطربة للغاية، وسيسألونهم عن التفاصيل المملة، كيف آووهم؟ وماذا كانوا يقولون لهم؟ وماذا أعطوهم عن "إسرائيل" من تفاصيل؟ وهل يعرفون مكانهم في الخريطة؟ ومن كان يشرف عليهم؟ أسئلة كثيرة ستُطرح عليهم وستزيدهم خوفاً ورعباً وفزعاً.
إنه الانتصار العظيم، فشتّان بين الأسرى الفلسطينيين والأسرى الإسرائيليين، أولئك سيخرجون منتشين بالنصر المبين، وهؤلاء سيخرجون منكسرين فزعين يلومون "دولتهم" وحكومتهم على عدم قدرتها على حمايتهم.