اليورانيوم المنضّب.. وقاحة بريطانيا رأس حربة الناتو
لا يستحي الجيش البريطاني من القول إنه يستخدم هذا النوع من اليورانيوم منذ عقود.
إن لم تستحِ فافعل ما شئت. تكاد لا تحصى يومياً المرات التي يثبت فيها الغرب الأطلسي الممثل بحلف الناتو أنه لا يستحي من الوقاحة، ولا يكلّ من الشعور بالهيمنة. يفرض قوانين وقواعد على العالم ولا يطبّقها. يلجأ إلى الحل عندما يكون لمصلحته. وإذا كان العكس، يواصل حربه تحت عنوان حماية الديمقراطية، وهو أصلاً غير ملتزم بمفهومها الذي وضعه. وماذا بعد؟ إننا نتحدث عن الغرب الأطلسي الذي تحاربُ به الولايات المتحدة الأميركية.
هذه المرّة، الوقاحة بقوّة نووية، وإشعاعاتها رهن إشارة البيت الأبيض. المملكة المتحدة البريطانية، كما كانت دائماً المكافحة الأولى في جبهة واشنطن، تبادر اليوم، وبشكل علني، وتعلن من منبرها العسكري عبر وزارة الدفاع إرسال ذخائر مصنوعة من اليورانيوم المنضّب إلى أوكرانيا.
تحاول لندن الدفاع عن نفسها وتبرير تصريحاتها بالقول إن اليورانيوم المنضب هو مكوّن معتاد ولا علاقة له بالأسلحة النووية، مع العلم أنّ هذا اليورانيوم يعد نتيجة ثانوية أو عادماً لعمليات إنتاج اليورانيوم المخصب.
ومن المعلوم أيضاً أن اليورانيوم المنضب له خواص اليورانيوم الطبيعي نفسها، وأن الدخان المتصاعد منه يغطي مساحات كبيرة تصل إلى عشرات الأميال من مصدره. وبذلك، يشكل خطورة على جميع الموجودين في ميدان المعركة أو في ساحة الحرب، إذ تنتقل جزيئات اليورانيوم المنضب إلى مسافات بعيدة بواسطة الهواء.
لا يستحي الجيش البريطاني من القول إنه يستخدم هذا النوع من اليورانيوم منذ عقود. وهنا، يجدر السؤال عمّا إذا كانت بريطانيا قد استخدمته في الحرب على اليمن، لكونها كانت كذلك رأس الحربة الأميركية فيها، وهذا ما يستدعي من اليمنيين التوقف عنده أيضاً، وكذلك كل دولة غرز فيها حلف الناتو مخالبه، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق أخرى في هذا العالم.
ما أعلنته وزيرة الدفاع البريطانية أنابيل غولدي هو رصاصات خارقة للدروع سيتمّ إرسالها مع دبابات "تشالنجر 2" إلى أوكرانيا. هذا الرصاص من اليورانيوم المشعّ الذي تتزود به القوات الأوكرانية أو ستتزوّد به لاحقاً، ماذا بعد أن يخرق الصدور وينفجر؟ ما مصير إشعاعه؟ إلى أين سيطير به الهواء؟ أليست الضحية الأولى هي الشعب الأوكراني الذي يزعمون الدفاع عنه؟ لا تكترث المملكة وحليفاتها في الناتو إلى هذه الأسئلة، لأنهم بكل بساطة وقحون.
بريطانيا واحدة من الدول التي تلاحق البرنامج النووي الإيراني، وتتعفف على منابرها ذات الصبغة الإنسانية وألوان الحب والقلق. وهنا تتجلّى الوقاحة في أبهى حللها؛ ففي جولة المفاوضات الأخيرة، وقعت بريطانيا إلى جانب ألمانيا وفرنسا بيان إدانة طهران لعدم "انتهازها الفرصة الدبلوماسية المناسبة"، و"أسفت" لأن "إيران تواصل التصعيد بغير مبرر مدني معقول"، بحسب قولها.
صحيفة "تليغراف" البريطانية كانت قد نشرت العام الماضي مقالاً افتتاحياً بعنوان "على رئيس الوزراء المقبل أن يصف الاتفاق النووي الإيراني بأنه صوري كما هو بالفعل"، وقالت الصحيفة: "على الرغم من الحرب الروسية في أوكرانيا وموقف الصين الغاضب تجاه تايوان، لا تزال هناك تهديدات قليلة أخرى للسلم والاستقرار العالميين، ومنها إيران المسلحة نووياً".
تعلم "تليغراف" ومعها كل الصحافة الغربية الداعمة للناتو أن برنامج إيران النووي هو لغايات مدنية واستخدامات داخلية اقتصادية وصحية وصناعية، وهي تعلم علم وفود الوكالة الدولية للطاقة الذرية المتعاقبة على مصانع اليورانيوم أن كاميرات المراقبة لم تشهد أي استخدامات عسكرية، ولكن يشاء القدر الأميركي أن يعاند الواقع، وتشاء وقاحة الأطلسي أن تتواصل السياسات الاستعمارية، القائمة على الفكر المستكبر، الذي يفعل ما يريد وليس من حق الآخر أن يفعل مثله، علماً أنه لم يسعَ أحد إلى فعل ما يفعله.
ممنوع على إيران وغيرها امتلاك القوة النووية، ولو لأهداف تنموية لمصلحة الإنسان، لكن مسموح للناتو امتلاك القوة النووية لصناعة الصواريخ والذخائر لأهداف إجرامية وتدميرية وإلغائية!