الاقتصاد الإسرائيلي في الحرب (أرقام ومعطيات)
الصهيونية العالمية في "إسرائيل" أقامت منذ نشأتها اقتصاداً شديد التعقيد من حيث التركيب، لكنه موضوع منذ البداية في خدمة الفكرة الصهيونية.
كمشروع صهيوني للاستعمار الاستيطاني في فلسطين، وللتوسع الإقليمي في الوطن العربي، أقامت الصهيونية العالمية في "إسرائيل" اقتصاداً شديد التعقيد من حيث التركيب، لكنه موضوع منذ البداية في خدمة الفكرة الصهيونية.
هذا الاقتصاد البالغ التعقيد الذي تموله الرأسمالية العالمية وتديره من أعلى احتكارات النفط الدولية، توجد مفاتيحه الأخيرة في أيدي "الدولة" الإسرائيلية. هذه "الدولة" المزعومة هي جهاز للحكم باسم الصهيونية العالمية. لهذا، يعتبر الاقتصاد الإسرائيلي نموذجاً فريداً لنظم رأسمالية الدولة الاحتكارية.
إن الاقتصاد الإسرائيلي الذي بدأ من قبل في صورة الهجرة والاستيطان والزراعة، تتولى تنظيمه مباشرة 3 مؤسسات هي الوكالة اليهودية والهيستدروت والدولة، لكن هذه المؤسسات متداخلة فيما بينها إلى الحد الذي يجعل للدولة بأجهزتها الدور الغالب بينها، وهو الأمر الذي يسهل بدوره اخضاع الاقتصاد الإسرائيلي بأكمله لاعتبارات الصهيونية للرأسمالية اليهودية العالمية، وهي بدورها جزء لا يتجزأ من الرأسمالية الاحتكارية العالمية.
الاقتصاد الإسرائيلي ليس الاقتصاد الرأسمالي التقليدي على النحو الذي نعرفه مثلاً في ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، حيث تتصدى الاحتكارات الرأسمالية لإدارة الاقتصاد مباشرة وفي ائتلاف مع الدولة، فالاحتكارات الأساسية في "إسرائيل" توجد في أيدي الوكالة اليهودية أو في أيدي الهيستدروت أو في أيدي "الدولة" نفسها، وقلما توجد في أيدي الرأسمالية الإسرائيلية، سواء كانت محلية أو دولية.
ورغم هذه الطبيعة الفريدة، يبقى الاقتصاد اقتصاداً، وتطبق عليه الأحكام والأسس الاقتصادية، سواء من حيث الضرر أو الفائدة. وبهذا، فإن الاقتصاد الإسرائيلي تأثر وعالج نفسه على امتداد معركة طوفان الأقصى.
فكيف تأثّر الاقتصاد الإسرائيلي؟
الأثر في الاقتصاد الإسرائيلي
سنعتمد في التحليل والأرقام الواردة في هذه المقالة على بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.
الأثر القطاعي
كانت التقارير عن النشاط الاقتصادي في تشرين الأول/أكتوبر سلبية للغاية مقارنة بشهر أيلول/سبتمبر، ففي صناعات البناء، أظهرت أن مستواها أقل من مستواها في الإغلاق الأول في نيسان/أبريل 2020، وتفاقمت مشكلة نقص العمال بشكل ملحوظ. وفي صناعات تجارة التجزئة، فإن مستوى ميزان المبيعات في تشرين الأول/أكتوبر يشبه التقدير خلال فترة كورونا.
أما قطاع التكنولوجيا، فيشير تقرير أصدره مركز الأبحاث Start-Up Nation Central بعد أسبوعين من السابع من تشرين الأول/أكتوبر إلى أن هذا القطاع، وهو قطاع حيوي للاقتصاد الإسرائيلي (18.1% من الناتج المحلي الإجمالي)، أصبح يعاني خسائر فادحة بسبب الحرب. وبحسب التقرير، فإن 40% من شركات التكنولوجيا قامت بتأجيل أو إلغاء اتفاقيات الاستثمار الخاصة بها في الكيان.
بالنّسبة إلى السياحة، ففي أعقاب معركة طوفان الأقصى، تم تسجيل عدد منخفض من الزوار القادمين إلى الكيان الصهيوني، إذ تسجل البيانات المنشورة وصول 39,000 زائر في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 (42.1% منهم زوار من الولايات المتحدة، ولم يتم تسجيل أي وصول لركاب الرحلات البحرية في هذا الشهر).
ونشير بالآتي إلى أعداد الوافدين إلى الكيان الصهيوني في شهر تشرين الثاني/نوفمبر مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي: الزائرون القادمون إلى الكيان عددهم 39000، فيما كان 369800. أما السائحون، فعددهم 38300، فيما كان 330700، والزائرون يومياً 7000، فيما كان عددهم 39100.
أما المشتريات، فقد توزعت بين انخفاض وارتفاع بحسب نوع السلعة أو الخدمة وفق الآتي: المشتريات ببطاقات الائتمان (انخفاض 4.1%)، ومشتريات المنتجات والخدمات (انخفاض 6.2%)، ومشتريات الأغذية والمشروبات (بما في ذلك الطعام) (زيادة 6.4%)، والمنتجات الصناعية (ارتفاع 1.5%)، ومشتريات الخدمات (انخفاض 5.5%).
بالنسبة إلى صافي الأرصدة والوضع المالي للشركات الإسرائيلية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، فهو سلبي في جميع الفروع، ما عدا الفروع الصناعية. وفي فروع تجارة التجزئة، يشير صافي رصيد الوضع الاقتصادي في شهر تشرين الثاني/نوفمبر إلى انخفاض حاد مقارنة برصيد شهر تشرين الأول/أكتوبر.
ويتبين أن صافي الرصيد في قطاع خدمات (المطاعم والقاعات) لشهر تشرين الثاني/أكتوبر سلبي ويماثل في مستواه رصيد الإغلاق الأول (كورونا) عندما توقف نشاطها بحكم القانون؛ ففي قطاع الفنادق، وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر، كانت نسبة الشركات التي تحدد القيود المختلفة على أنها "تضر بشكل خطير بنشاط شركاتها" مماثلة لشهر تشرين الأول/أكتوبر، وهي قيم قياسية سلبية مقارنة بالماضي.
وفي فروع خدمات الأعمال أيضاً، فإن المستوى السلبي للرصيد في تشرين الأول/أكتوبر مماثل لشهر نيسان/أبريل 2020. وتشمل هذه الفروع مجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية المكتبية والمهنية (البحث والتطوير، والمحاسبة والقانون، وشركات شؤون الموظفين).
وقال مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي إن واحدة من كل 3 شركات أغلقت أبوابها أو تعمل بنسبة 20% من طاقتها. ويُقدر أنَّ القطاع الخاص خسر أكثر من 50% من إيراداته، مضيفاً أن الخسائر تركزت في الجنوب، حيث توقفت ثلثا الشركات عن العمل أو واصلت العمل بالحد الأدنى من طاقتها، بسبب إخلاء المدن والبلدات والقرى والمستوطنات لأسباب أمنية في مختلف أنحاء "إسرائيل"، وخصوصاً قرب غزة وجنوب لبنان، ناهيك بإغلاق المؤسسات التعليمية واستدعاء جنود الاحتياط، بعضهم مهندسون في الجيش الإسرائيلي. وفي قطاع التكنولوجيا الفائقة، هناك 764 ألف إسرائيلي عاطل من العمل، وهو رقم يعادل خمس القوة العاملة الإسرائيلية، وفقاً لصحيفة فايننشال تايمز.
وذكرت وكالة بلومبرغ أن "إسرائيل" خصصت 8 مليارات دولار للحرب، وهو ما يمثل خسارة لاقتصادها، في حين تستنزف الحرب 260 مليون دولار إضافية يومياً من الاقتصاد الإسرائيلي.
مؤشر أسعار المستهلك
مؤشر أسعار المستهلك Consumer Price Index الذي يعرف باسمه المختصر CPI هو مؤشر اقتصادي رئيسي يقيس التغير في متوسط أسعار السلع والخدمات التي تشتريها الأسر في بلد أو منطقة محددة مع مرور الوقت. يُعدّ مؤشر أسعار المستهلك CPI مقياساً مهماً لمعدل التضخم أو المعدل العام لارتفاع أسعار السلع والخدمات.
يقاس مؤشر أسعار المستهلك انطلاقاً من سلة تشمل مجمل السلع الاستهلاكية والخدمات التي تستهلك داخل البلد، مع ترجيح كل سلعة أو خدمة وفقاً لمعاملات تمثل الوزن النسبي لهذه السلع والخدمات في متوسط إنفاق الأسر على الاستهلاك (إنفاق أسرة مرجعية).
وتحسب هذه المعاملات اعتماداً على بنية الإنفاق الاستهلاكي للأسر، وفقاً للمعطيات المتأتية من الدراسات الاستقصائية الميدانية التي تنجزها الهيئات الإحصائية، والتي ترصد مستوى معيشة السكان وإنفاقهم الاستهلاكي.
وبالتالي، فعند قراءة هذا المؤشر في الاقتصاد الإسرائيلي، نجد أنه ليس عاملاً اقتصادياً فحسب، إنما له تأثير اجتماعي أيضاً، على اعتبار أن المجتمعات تتعاطى مع الاقتصاد من بوابة احتياجاتها السلعية.
بالنسبة إلى شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، ومع بدء معركة طوفان الأقصى، ارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك بنسبة 0.5% مقارنة بشهر أيلول/سبتمبر 2023، ووصل إلى مستوى الرقم القياسي 105.4 نقطة (الأساس: متوسط 2022 = 100 نقطة).
وسجلت الأسعار ارتفاعات ملحوظة في أقسام: الملابس والأحذية بنسبة 3.9%، والخضراوات والفواكه بنسبة 3.2%، والنقل بنسبة 1.0%، والمواد الغذائية بنسبة 0.9%، وسجلت الأسعار انخفاضاً ملحوظاً في قسمي الثقافة والترفيه اللذين انخفضا بنسبة 0.9%.
أما في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، فقد انخفض الرقم القياسي للأسعار بنسبة 0.3% مقارنة بشهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، ووصل إلى مستوى الرقم القياسي 105.1 نقطة (الأساس: متوسط 2022 = 100 نقطة).
وسجلت الأسعار انخفاضاً ملحوظاً في الأقسام التالية: الفواكه الطازجة بنسبة 4.8%، والنقل بنسبة 1.2%، والأحذية بنسبة 1.0%، والثقافة والترفيه بنسبة 0.6%، والسكن بنسبة 0.4%، والأثاث والمفروشات بنسبة 0.4%، والمعدات المنزلية بنسبة 0.3%.
وسجلت الأسعار ارتفاعات ملحوظة في أقسام: الخضراوات الطازجة بنسبة 0.7%، والمواد الغذائية بنسبة 0.5%. ومنذ بداية العام، ارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك بنسبة 3.1%، وارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك باستثناء السكن ومؤشر أسعار المستهلك باستثناء الطاقة بنسبة 3.0% لكل منهما، كما ارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك باستثناء الخضار والفواكه بنسبة 2.8%. وفي الأشهر الـ12 الأخيرة (تشرين الثاني/نوفمبر 2023 مقابل تشرين الثاني/نوفمبر 2022)، ارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك بنسبة 3.3.
ورغم تحسن وضع الاقتصاد الإسرائيلي ومؤشراته الحيوية في شهر أيلول/سبتمبر المنصرم، والتوقعات باستمرار التحسن في شهر كانون الأول/ديسمبر، وذلك بفضل الدعم غير المتناهي لإحياء الاقتصاد الإسرائيلي الذي يتكامل مع حزمة من التدخلات التي يقوم بها البنك المركزي الإسرائيلي لخلق نوع من التوازن بالسوق، فإنَّ الضرر الأكبر سيُلحظ في المديين البعيد والمتوسط، وخصوصاً تلك المؤشرات التي تتعلق ببيئة الاستثمار كمتغير يقرّره المستثمرون أو حتى ازدياد نسبة الإعالة للشخص الواحد نتيجة الخسارات الكبيرة في الوظائف نتيجة الحرب.